2012/07/04

«طوطح»: أداء بتوق هاو.. وخبرة محترف
«طوطح»: أداء بتوق هاو.. وخبرة محترف


ماهر منصور - السفير

بعد أكثر من نصف قرن من التمثيل، يعود الفنان رفيق سبيعي بأداء ناضج وجديد، وبتوق هاو، وخبرة محترف ليقدم لنا شخصية اليهودي «طوطح» في دراما البيئة الشامية «طالع الفضة».

تدب القوة في الرجل الثمانيني، فيؤدي شخصية اليهودي بحب..

ومزاج... يظهر بجلاء أمام الكاميرا.

يعود إغراء شخصية «طوطح» الى حد كبير الى التفاصيل التي كتبها في النص كل من عنود الخالد والفنان عباس النوري، عبر تحطيم الصورة النمطية لشخصية اليهودي، كما كرستها الدراما العربية ولا سيما المصرية، التي قدمت اليهودي الشرقي ضمن تنويعات مكررة على مقام شخصية «شايلوك» في مسرحية شكسبير «تاجر البندقية». وهي تنويعات يبدو مثيراً أنها لم تنج من سخرية «طوطح» نفسه في كثير من حواراته في العمل.

ففي «طالع الفضة» يأخذ «طوطح» اليهودي دور الإسكافي الذي استطاع أن يطوع مفردات مهنته لفلسفة خاصة في تفاصيل حياتية تجري حوله. هو ليس بتاجر ثري، وليس مرابيا، أو بخيلا... وليس ذلك الذي يفطر قلبه على العودة (إلى أرض المعياد). بل إنه جزء من نسيج يصفه المتصرف الخال (عباس النوري) بالقول: «كلنا نفس الشي، أنا مو مسلم وعربي وشامي، وأبونا حنا مو مسيحي وعربي وشامي، وطوطح نفس الشي يهودي وعربي وشامي، وطول عمرنا عايشين متل التبولة».

ولا يتأتى موقع «طوطح» وسط هذا النسيج من قانون حياتي فرض عليه بل هو نتيجة لفطرة طبيعية، يعيشها في أدق تفاصيله الحياتية. فالشام - كما يحسها طوطح - «طيبة مثل المكدوسة، وأنا عم أكلها بستطعم بالشام بريحتها وحدويدتها وزيتها».. وحين يريد أن يشرب نخب كأسه... يشربه «بصحة الشام»، رافضاً الدعوة لتركها والهجرة إلى فلسطين.

في طالع الفضة «طوطح» شخصية جديرة للثقة، ويعول عليها. هكذا نجده في الملمات الكبرى التي تنال من المتصرف - الخال. وهو الحكيم الفيلسوف، والقادر على أن يرى في الأشياء ما لا يستطيع غيره أن يراه. ربما لذلك يقلق على ضياع ابن الخال مصطفى «فالرجال الحقيقيون هم من يخاف عليهم المرء في هذه الأيام». وهو يعرف أن الناس لا تعرف. لذلك يبتسم لصدق خادمة أبو نزيه حين تخبره أنها لا تعرف إلى أين تذهب.

«طوطح» يهودي أيضاً حتى العظم. يسأل الرجل: «إن عزفت اليوم على العود بكون أنا اشتغلت بما إنو اليوم سبت؟!» وفي سبته يفضل آلة عوده على كنيسه.

التفاصيل السابقة لشخصية «طوطح» كانت خرقاً لـ«طالع الفضة» على صعيد ما كرسته الدراما عن صورة اليهودي.. أما تجسيدها فكان خرقاً لـرفيق سبيعي على صعيد الأداء. ولا نتكلم هنا عن «تكنيك» عمل الممثل، بل عن تجاوز الذات. وهي ذات أنانية بامتياز وقد تربت تحت أضواء الشهرة وإعجاب الناس وربما هتافاتهم.

أداء رفيق سبيعي يصلح أن يكون نموذجا حول كيفية تجاوز المرء لإمكانياته في كل مرة ليأتي بجديد. ولعل أهم ما فيه أنه يشكل درساً قاسياً لعدد كبير من نجوم الدراما السورية اليوم. أولئك الذين سرعان ما استسلموا لتاريخ ما أنجزوه، واطمئنوا على موقع أسمائهم في صدارة تترات المسلسلات. فباتوا يؤدون أدوارهم اعتماداً على ما أنجزوه من قبل، لا بناء على ما تقتضيه الشخصية على الورق.

يموت الممثل حين يقتل احترافه توق الهاوي فيه... فوحده هذا التوق يدفعه ليضع كل ما عنده.. هكذا كانت حال المخضرم رفيق سبيعي مع «طوطح» .. في وقت يدخل نجوم شباب في نمطية أداء لا توحي بشيء إلا بشيخوختهم المبكرة.