2012/07/04

ماهر جلو - تشرين عن قصة تشيخوف الشهيرة العنبر رقم ستة إعداد سعيد حناوي, وخطبة لاذعة لرجل جالس تأليف غارسيا ماركيز, وإعداد جوان جان.تم تقديم العرض المسرحي الذي حمل عنوان ظل رجل القبو.على خشبة مسرح القباني في دمشق. مع العلم أن هذا العرض قد نال جائزة الإخراج في المهرجان الشبيبي المركزي العام الفائت, ورغم كونه ينتمي لمسرح الهواة, إلا أنه حمل مزايا فنية وفكرية جعلته يقترب من مسرح المحترفين.أما فكرياً فإن توليفة العمل حاولت التركيز على علاقة الإنسان الفرد بالعالم المحيط به من ناحية بما يتضمن الآخر, ومن ناحية أخرى علاقة هذا الفرد بذاته, أي عوالمه الداخلية, التي تجد أن الأشياء والأشخاص من حولها لهم وجود شبحي, هو خليط بين تهويمات وهذيانات مجنونة يغيب عنها العقل, والاغتراب عن عالم لايني يتفسخ وينحط, وهو ما يذكرنا بالمسرح التعبيري الذي أراد أن ينحي الواقعية جانبا, أو بالأحرى الهروب منها نحو الموقف العاطفي الغني حسيا, بحيث تنفلت وتنعتق نزعات النفس البشرية من واقعها الاجتماعي, نحو ذرا خيالية وشكلانية لا تعنى بطرح الموضوعات, بقدر اهتمامها بوصفها وتكثيفها.فالتركيز على الحالة الفردية والشخصية بدا جليا في عرض ظل رجل القبو, إذ تم تكريس مجموعة من الشخوص الساكنين في العالم الداخلي للشخصية, وهم ظله وطفولته وأمه وزوجته وحبيبته, والأهم من ذلك تجسيد خوفه عبر شخصية مستقلة لها حضورها.إذاً اختلط الوهم بالواقع لدى الرجل, وهو رجل لايحمل أي صفة أو ملامح خاصة, وهي مسألة لم يهتم بها العمل لأنه أراد الانتقاص من العالم الذي ينتقص بدوره من الفرد, وهو لهذا لا يستحق التحديد أو التعيين, والتعيين فلسفيا هو الوجود المحقق والملموس للكائن بذاته ولذاته.والهروب من هذا التعيين جعل العمل يهيم في متاهات ليس النفس فقط, بل والأطروحة المثالية أيضا, والتي في رفضها للواقع الآثم تكرسه, وبالمحصلة تدافع عنه دون أن تدري, كونها لا تسعى لإيجاد واقع آخر بديل, لا معرفيا ولا اجتماعيا.مما يؤدي إلى خلل في الرؤية وضياع المعنى.وعلى المستوى الفني فإننا نجد أدوات المسرح التعبيري ذاتها في إعمال الخيال ورمزية التجسيد, إضافة إلى توظيف كل العناصر الفنية كالإضاءة والموسيقا واللون وجسد الممثل لتكون جميعها متشابهة في تعبيرها عن الفكرة, حيث تماثلت في وظيفتها مع الكلمات المنطوقة في توكيدهما للمعنى.لقد استطاع سعيد حناوي أن يدير دفة العرض كممثل ومخرج بأسلوبية تحسب له, حيث عمد إلى استغلال تلك المفارقة اللونية التي بين السواد والبياض, فالعالم الداخلي للرجل بدا شاحبا بمسحة بيضاء, بينما كل ما يحيط به اتشح بالسواد وهو دلالة على قتامة العزلة والنبذ, فالجنون الذي اتسم به هذيانه المحموم قد استحضر له كل الذين شكلوا محطات متباينة من ماضيه, وبالتالي كانت ذكراهم عبئاً على حاضره المأزوم, فالأزمة ليست فقط في ثقل الذكرى, بل أيضا في أوجاع الحاضر وقسوة اللحظة المليئة بالألم. لقد احتوى عرض ظل رجل القبو شفافية وبعدا رومانتكيا رغم كل تلك السوداوية, فهو بحمله لتلك الرهافة والعاطفية شغل الدراما عن صراعاتها الواقعية, وألبسها حلة جديدة بأن أدخلها إلى متاهات اللامعقول, نظرا لكون العرض لا يبتغي طرح الأفكار وإنما اقتصرت مهمته على تجسيدها حسيا وفنيا, كمن يلتقط الفكرة كي يلبسها رداءً آدميا ويحاسبها ويدينها وأخيرا يلفظها. ‏