2012/07/04

عباس النوري, يمكن أن أحب فتاة يهودية
عباس النوري, يمكن أن أحب فتاة يهودية

عباس النوري ـ يمكن أن أحب فتاة يهودية

ـ الجانب العاطفي في وطننا العربي تتحكم به عناصر أمنية ـ

الدراما التركية لن تؤثر على الدراما السورية..

الموضوع ليس مثل الذي فتح دكان دراما بجانب دكان الدراما السورية.. والسوق يتسع للجميع..

علي أحمد - بوسطة

بالرغم من أن الفنان عباس النوري لم يشارك في الجزء الثالث من مسلسل باب الحارة إلا شخصيته "أبو عصام" بقيت في أذهان الجمهور العربي، وهذا لأن الفنان عباس أجاده وبرع بأدائه لها، حتى أن الناس في الشارع باتوا يلقبونه بأبي عصام. لكن الفنان عباس لم يتوقف عند هذه الشخصية وأستمر في تألقه وفي أكثر من تجربة فنية، "ليس سراباً ـ أبو جعفر المنصور ـ الاجتياح ـ ممرات ضيقة..". حتى أنه حصل على جائزة أفضل ممثل عربي من المجلس الأعلى الكويتي. في لقاء معه حدثنا الفنان عباس عن أخر مشاريعه الفنية:

*ماذا عن مشاركتك في مسلسل قلبي معكم؟

**هي تجربة أقرب لقناعاتي وأسلوب تفكري، فهناك جزء كبير من نص العمل الذي كتبته أمل حنا يتقاطع مع لمسات شفافة، لعمل سبق شاركت فيه سابقاً "على حافة الهاوية" مع المخرج المميز المثنى الصبح وهو من جيل الشباب الرافد لمهنة  الإخراج التلفزيوني في سوريا، فقد لمست في كتابات أمل حنا مستوى من الشفافية العالية، والدخول إلى أعماق الناس، بحيث أشعر أنني أقرأ الحياة بطريقة لطيفة وجريئة، فتراهم على حقيقتهم وليس كما يشتهون أن يبدون عليه في واقعهم، فأي شخصية اجتماعية من واقعنا عندما تقع تحت قلمها، فإنها تتعرى من عيوبها. وهذه الميزة هي لصالح العملية الفنية، لأنها تستفز عناصر التعبير عند المخرج والممثل. قلبي معكم رسالة شفافة لكل مواطن عربي، كي يقرأ الجانب العاطفي في تكون شخصيته الاجتماعية، سيما أن شخصيتنا تتحكم في بنائها عدة عوامل، الديني والتربوي والمذهبي في بعض الأحيان، بالإضافة إلى التابوهات الكبيرة التي نرثها أو التي تتشكل معنا في مسيرة حياتنا.

*وما أهمية الجانب العاطفي؟

**هو هام ومظلوم وقد يبدو أحياناً ظالم، فهي أكثر الجوانب المعرض للممنوعات للتابوهات والمحرمات، فتبدأ هذه الملاحظات بالعيب ولا تنتهي بالحرام، لأنها كثيرة في حياتنا الاجتماعية. وكي لا ندخل في مبدأ التنظير والتثاقف لابد من قراءته بجرأة حتى نكتشف أن العامل العاطفي مسؤول عن كوننا حقيقيين كي لا نختبئ وراء مشاعرنا ونعلن مسؤوليتنا عنها، لذلك المرء عليه أن يشكل شخصيته بعيداً عن التابوهات والممنوعات، فكما يحب أن يعيشها لأنه سيعيشها لمرة واحدة. ويتابع النوري: الجانب العاطفي في هذا النوع من الأعمال، يكون جذاب للمشاهدين، مع أنه لا يرغب بمشاهدة قصص حب فقط، إنما يريد أن يرى المشاعر الحقيقية التي تولد صراعات مع القيم والنفس، والعمل يتطرق لهامش كبير من هذا الجانب، والجانب العاطفي لدينا كمواطنين في وطننا العربي مظلوم وتتحكم به عناصر أمنية إذا صح التعبير. وبصورة مختصرة العمل يحمل رسالة حقيقية لنواجه عواطفنا بصدق وبدون خوف من أي ممنوعات أو تابوهات أو محرمات، ففي مجتمعنا العربي قصص الحب غالباً ما تتلازم معها قصص الخيانات والتي هي أكثر ما تكون مفاهيم قيمية سائدة، يجب التوقف عندها والنظر فيها. والحب بشكله الطبيعي يفترض أن يأخذ أبعاده وكل الاحترام حتى وأن أدى ذلك إلى نتائج سلبية أو منعكسات اجتماعية لا تناسب مزاج العام للمجتمع.

*ماذا عن دورك في العمل؟

**أمثل شخصية الدكتور بشر، وهو من شريحة الأطباء وهي المرة الأولى التي تتناول فيها الدراما السورية هذه الشريحة من جانبها الإنساني، وبشكله الاجتماعي البسيط. والدكتور بشر صاحب مشفى ورثها عن والده وتأخذه عوالم المهنة إليها، بينما مشاعره وعواطفه ملقى جانباً ومهمشة، وحياة الطبيب تكاد تشبه حياة العسكري الذي تتحكم بحياته مجموعة من القوانين، وتتطلب منه الحزم بقراره وأدائه. وبشر يبقى وحيداً بين أسرته فلا يبقى له إلا شقيقته خارج البلاد بعد وفاة والدته التي توصيه بالزواج فيتزوج متأخراً من فتاة تصغره بخمس وعشرون عاماً، لاعتبارات اجتماعية كونها جميلة وذات حسب ونسب ولأنها فتاة ذات بنية قوية فستحمل له أبناء أصحاء، وبعد الزواج يقع بشر في صراع ومواجهة مع مشاعر زوجته التي تكن له الحب، وتقوم تعليمه كيف يحب وما معنى المشاعر والعواطف في الحياة، ونتيجة لاكتشافه لحالة الحب يصطدم في مواجهة نفسه ويتعلق بمشاعر يراها في إطار حياته الزوجية فيعشق امرأة أخرى، ومن هنا تبدأ أحداث جديدة داخل العمل. وطالما أن المشفى هو البلوك الرئيسي لأحداث الشخصية وبناءها العاطفي والمهني. وكل مريض  يأتي إلى المشفى يحمل معه مشاكله الاجتماعية، وكل هذه المشاكل عبارة عن أحداث صغيرة تتضمن العمل لتشكل منه موزاييك جميل.

*هل تتوقع أن يحظى العمل بمتابعة من قبل الجمهور العربي؟

**لدي تفاؤل كبير بأن العمل سيحظى بمشاهدة عالية، ومعظم من قرأ العمل قال أنه للكبار فقط. *هل هذا يعني أن العمل فقط إثارة؟ **أبداً هو بعيد تماماً عن ذلك، وليس هناك اقتراب لأي جانب يخدش الحياء العام، فهو يتناول حالة بسيطة جداً، لكنه يتناولها بعمق وشفافية، وقد لا تناسب المزاج العام، خاصة هؤلاء الذين يتمتعون بأفكار مسبقة، أو قيم ثابتة لا تتحرك في رؤوسهم. سيما أن الشخصية العربية مبنية على قيم ثابتة وموروثة ولا مجال لمناقشتها على الإطلاق، والمسلسل يأتي ليشكل رأس دبوس ينغز بهذه القيم ليناقشها. وقد نختلف مع ما يطرحه العمل.

*وأنت ما هو موقفك مما يطرحه العمل؟

**صحيح أنني بطل العمل، لكن قد تختلف قناعاتي بعض الشيء مع ما يطرحه العمل، لكن لا بد من مناقشة هذه القيم، فلماذا بجعل هذه القيم عبارة عن تابوه من ملامحنا الرئيسية التي يستحيل التخلي عنها، وإلى متى سنبقى أمة عقائد، نعتقد بالعقيدة ولا نعرف حق معرفتها، إنما ندافع عنها لأنها موروث فقط، لذلك أقول أنه يجب أن تتحول قيمنا إلى أفكار يمكن مناقشتها، وعندها يجب أن نقبل الصحيح والخطأ ونقبل التنازل والتصاعد، وبالتالي هذه مسألة حريات شخصية، فحتى الإيمان إذا لم تكن الحرية في جوهره فسيكون منقوص.

*

نستطيع أن نقول أن الحوار المطروح في قلبي معك يتشابه فيما طرح في عملك السابق "ليس سراباً"؟

**هناك تشابه بين العملين، لكن بعيدة، وأشكرك على هذه الملاحظة، فهذه التجربة كانت مثيرة لي كفنان على كافة الأصعدة، كوني كنت البطل للعملين، وأحب أن أنوه أن التجربتين تحملان توجهات مناقشة حقيقية لقيمنا الاجتماعية من الداخل، وكنت محظوظا بالعمل مع مخرجين قادرين على قراءة هذه الأفكار، بصورة جميلة وهامة مثيرة. فالمثنى الصبح قرأ "ليس سراباً" بشكل هام ومثير، وكذلك مسلسل "قلبي معكم" كان يحضر له المخرج سيف سبيعي الذي كانت لديه رؤية في منتهى الجمال والإثارة، ثم جاء سامر البرقاوي الذي لا يقل عنه أهمية، وله رؤيته الخاصة. هذه التجارب الشبابية الهامة ستقدم صورة ورؤية مختلفة عن الأفكار التي يفترض أن نناقشها في درامانا، لكن مشكلتنا أننا لا نحترم اتفاقاتنا فكيف سنحترم اختلافاتنا.

*ماذا تعلمت من تجربتك في مسلسل "ليس سراباً"؟

**العمل جعلنا نكتشف إلى أي مدى الجمهور العربي  متعطش لقراءة  نفسه على المستوى العاطفي، عبر قصص حب يمكن أن تلامس قيمه الاجتماعية التي تكبت مشاعره، وقد يكون هذا أيضاً سبب نجاح الأعمال التركية التي دخلت من خلال هذا الجانب في حياتنا، وأنه هو المجتمع المشتهى وهذا تعبير عن حالة تعويض للشخصية العربية لقراءة نفسها على الجانب العاطفي، ولو كان بأعمال غير عربية، إنما لان المجتمع التركي قريب بشكله وعلاقاته الاجتماعية وقيمه التي تحكمه من المجتمع العربي، لكن المجتمع التركي متقدم أكثر من خلال نظرته العلمانية للحياة والتي أكثر ما نكون نحتاجها في مجتمعنا العربي، وهذا ما أكد عليه مسلسل "ليس سراباً" وسيعيد التأكيد عليه وبقوة مسلسل "قلبي معكم".

*طالما تحدثت عن الأعمال التركية، فهل يمكن أن تؤثر على الأعمال السورية؟

**أعتقد أن هذه الرؤية ضحلة وسخيفة وسطحية، فكيف سيكون التأثر، وهل الموضوع مثل الذي فتح دكان بجانب دكان الدراما السورية، أعتقد أن الموضوع عبارة عن سوق مفتوح، فلولا اختلاف الأذواق لما نفذت البضائع من الأسواق.

*كنت تعول على مسلسل "الاجتياح" الذي شاركت في بطولته، فهل جاءت التوقعات كما توقعت؟

**كنت وسأبقى معول عليه، وسيبقى هذا العمل كثيراً في ذاكرة الناس، وقد شرفني العمل فيه على مستوى خمسون عاماً إلى الأمام، خاصة أنه العمل العربي الوحيد الذي دخل دائرة المنافسة بين 500 عمل من كل أنحاء العالم، وهو المسلسل العربي الذي وصل لمستوى فني ليدخل المسابقة والمنافسة، وبعد الغربلة القاسية جداً للجنة التحكيم حصل على الرقم الصعب ونال الجائرة الذهبية وكان الاجتياح الأول على العالم.

*هل يمكن أن ترتبط الجائزة بسبب تقديم العمل لشخصيات يهودية؟

**وما المشكلة في تقديم شخصيات يهودية، والدين اليهودي دين سماوي، واليهود مثلهم مثل المسلمين والمسحيين، وهم من الأجناس الموجودة في الشرق الأوسط.

*قد يكون الأمر مرتبط بفكرة التطبيع؟

**أبداً العمل لم يذهب إلى أي اتجاه سياسي، ولم يأخذ ضوء أخضر من أية جهة حتى ينافس على المسابقة. لكنني أقول كيف يمكننا ألا نرى  وفق هذه النظرة المسبقة من التآمر والتواطؤ والتشكيك بنجاحاتنا، فنحن أمة قادرة على التطور. ولن نكون قادرين التطور ما لم نناقش أنفسنا ونحتدم في صراع حقيقي مع أنفسنا قبل أن نختار أعدائنا، فللأسف نحن أمة أعدائها تختارها ولا تختار أعدائها. وأعتقد أن هذه النظرة ضحلة وتنتقص من القيمة الحقيقية للعمل، مع أنه قدم التجانس الطبيعي، فماذا يعني أن أحب كعباس النوري فتاة يهودية، فقد أحب فتاة يهودية وليست إسرائيلية، وهذا دين سماوي ونؤمن بالرسالة السماوية التي جاء بها سيدنا موسى عليه الصلاة والسلام ، قبل رسالة سيدنا محمد، ولن نكون مسلمين إذا لم نؤمن بموسى.

*كانت لك مشاركة في الجزء الثاني من مسلسل الحصرم الشامي؟

**أنا سعيد بهذه المشاركة، لكونها من المشاريع الجريئة، التي نحتاجها في الأعمال الدرامية، على أكثر من مستوى فنية وثقافية وفكرية. والحصرم الشامي مشروع ينظر بجرأة لتاريخ الشام وهذه الجرأة لا تناسب الكثيرين، الذين تعودوا على قراءات كل ما سلف من ماضي وتاريخ وحوادث بطريقة تدعوا للافتخار والنظر بأحادية الجانب. الحصرم الشامي  لم يضع ضمن مشروعه أي تنكر لكل ما هو جميل في تاريخ بلادنا، وتاريخ الشام تحديداً، فعندما يستند إلى أي مرجعية تاريخية، فهو يسعى إلى مناقشتها أكثر ما يسعى إلى تأكيد حضور بعض الأزمات التي قد تسيء إلى أولئك الذين يريدون أن تكون الشام جميلة فقط، وكأنها صفحة بيضاء لا تشوبها شائبة وليس فيها أي نقطة تدعوا للتساؤل، شأن العرب عموماً, وشأن العقل والثقافة العربية المخترقة للأسف، فلم تظهر لنفسها حدوداً والتي مازالت تجبن عن قراءة ما حولها.

*تساؤلات كثيرة طرحت عن توقيت فتح هذا الباب على البيئة الشامية، بتسليط الضوء على هذه المشاكل والسلبيات؟

**هذه نظرة ضيقة لمن يفكرون بهذه الطريقة، فهم أحرار في نظرتهم هذه، لكنني أعتقد أن "الحصرم الشامي" فيه نظرة شمولية حيث يتناول دمشق في فترة زمنية تمتد من منتصف القرن الثامن عشر إلى منتصف القرن التاسع عشر ثم إلى القرن العشرون، عبر مسيرة درامية لها مرجعياتها التاريخية ووثائقها ومستنداتها، وليس المقصود منها إثارة بعض القضايا أو تقبيح بعض الجوانب الحياتية عند أهل الشام، لكن هناك شأن فني طغى على قراءة التاريخ الشامي وبخاصة من خلال جهاز التلفزيون الساحر والغبي بنفس الوقت.