2012/07/04

عبدالمعين عبدالمجيد: برنامجي متنفس السوريين
عبدالمعين عبدالمجيد: برنامجي متنفس السوريين

  رنا زيد – دار الحياة توجه المذيع السوري عبدالمعين عبدالمجيد عام 1987 إلى مدرسة دار السلام الذائعة الصيت في دمشق، ليسجل أولى حلقات برنامجه «التلفزيون والناس». لم يخطط معد البرنامج وقتذاك، وبعد اتفاقه مع مدير الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون السوري الكاتب عبد النبي حجازي، إلا لفكرة مبدئية عن برنامج اجتماعي يتواصل مع الناس. المهلة الممتدة لأربعة أيام حتى يصور حلقة كاملة (ساعة ونصف ساعة) لم تربكه أبداً. وجه عبدالمجيد الكاميرا إلى وجه معلمة نمطية في أحد الصفوف، وبين ارتباكها الشديد (كيف ستظهر على شاشة التلفزيون؟ وما ستقول؟)، لم تخف رغبتها في التأكد من مظهرها، مطالبة بمرآة لتتأكد أن شعرها منسق، وأحمر الشفاه ما زال لامعاً. «عندما قالت لي أنا جاهزة للتصوير الآن، أجبتها انتهت المقابلة معك»، يقول عبدالمجيد في لقائه مع «الحياة» شارحاً نهجاً كاملاً اتبعه من دون انقطاع في تسجيل حلقات برنامجه الأسبوعي. يضيف: «أردت أن أظهر طيبة المعلمين. هم يخافون الكاميرا، ويحبون الظهور في شكل نجومي أيضاً على التلفزيون، فعرضت التسجيل كما هو». كسر عبدالمجيد بحلقته الحاجز الأول بينه وبين المشاهد السوري وبدأت شعبيته مع دخوله إلى كل حديقة ومتنزه في سورية، كما لم يتوان عن قرع أبواب البيوت لرؤية وجوه مبتسمة ومرحبة له خلفها. ضجة الحلقات الأولى لم تلق استساغة ملائمة لنجاحها داخل المؤسسة الرسمية كما يقول. فجدية وجوه مذيعي التلفزيون السوري ورصانتهم سيطرت لوقت طويل على المنحى البرامجي والحواري على القناة الأرضية السورية في غياب تام للتقارير الاجتماعية. يعترف عبدالمجيد أن خبرة مذيعي تلك الفترة أرهبته قبل انطلاقة برنامجه وعمله المقتصر على الريبورتاجات. يقول: «لا ينس أحد نبرة صوت المذيع عدنان بوظو، أو جدية طرح نجاة قصاب حسن في برنامجه «المواطن والقانون»، وسواهما مثل توفيق الحلاق في «سالب موجب»، وعواطف الحفار». يقاطع النادل جلستنا ويطلب من عبدالمجيد تسجيل لقاء معه. يعزو عبدالمجيد سر تلك الجماهيرية إلى «حب الناس لوجود من يتكلم عنهم ويحاورهم، كما لو أنهم مشهورون». أسلوب عشوائي بعض الشيء في إنتاج حلقات «التلفزيون والناس» تصبح معه الأمور أكثر واقعية. يخرج عبدالمجيد مع مصور البرنامج، ويصعد كلاهما في السيارة من دون معرفة الوجهة. «لا يكون هناك أي خطة ومع ذلك لم أرجع يوماً خالي الوفاض». محاولة اللقاء بكل من يصادفه من الناس في الشارع والأماكن المزدحمة «الطريقة المثلى» لتسجيل برنامج تقلصت مدة حلقته بعد أكثر من عقدين إلى نصف ساعة. احتجاج بعض الأشخاص بتأخرهم على مواعيد عملهم للمذيع المألوف يجعله «يجري مقابلة سريعة معهم، مقدراً ديناميكية الطبيعة البشرية» كما يقول. «أن تجعل الناس يتكلمون فهذا أمر يحتاج إلى حنكة، لكن الأكثر صعوبة أن تكشف خبايا الشخصيات أمامك» يشرح عبدالمجيد الذي يتبع كل الوسائل اللائقة في «اصطياد حقيقة الطرف المستضاف». يخبرنا قصصاً عن أناس طلبوا مقابلته للحديث في شؤونهم العالقة أو الصعبة، ثم انتهوا أثناء التسجيل إلى قول أمور لم «يرغبوا أو يتوقعوا يوماً قولها، ناسين مشاكلهم الأساسية». سقف المواضيع المعالجة في «التلفزيون والناس» يبدأ من الأمور الخدماتية والمعيشية، وينتهي بالزوجة والأولاد. يرى عبدالمجيد أنه وصل إلى أماكن في سورية لم تدخل لها كاميرا قط. يقول: «يحتاج الأمر إلى خبرة للظهور في شكل طبيعي. البرنامج متنفس للمشاهد السوري، ينقل من خلاله ما يحدث في سورية وعليّ أن أكون صادقاً»، متنبهاً لنقل وجهة نظر الناس «من دون صراخ أو مهاجمة لأحد». لم يحظ «التلفزيون والناس» بفرصة عرضه على الفضائية السورية سوى لعامين، فتقلصت مساحته بين الجمهور العربي، وقوبلت بالرفض أيضاً رغبة المعد في تطوير البرنامج ونقل تسجيلاته إلى أستوديو لمناقشته مع جمهور آخر، أو الخروج به لالتقاء السوريين المغتربين. «لم يأت على إدارة التلفزيون السوري منذ عشرين سنة أي عقل إداري»، يقول عبدالمجيد بمرارة. دخول «التلفزيون والناس» إلى سجل غينيس للأرقام القياسية عن فئة أطول برنامج اجتماعي عرض في شكل مستمر في العالم (على مدى 23 سنة)، تعرقله، كما يقول عبدالمجيد، صعوبة إيجاد كشوفات أول تسجيل للبرنامج، إذ أهملت أرشفتها في مكاتب التلفزيون السوري، هذا عدا عن انقراض الأشرطة القديمة للبرنامج بسبب محوها للتسجيل عليها مجدداً. يبين معد ومذيع أفضل برنامج كوميدي («منكم وإليكم والسلام عليكم») في مهرجان القاهرة لعام 1993، يبدي حماسة أكبر للقاء بائع متجول، من إجراء حوار مع فنان معروف، في حين لا يزال «التلفزيون والناس» برنامجه الأهم في مسيرته الإعلامية، يشق طريقه إلى الجمهور السوري بكلفة لا تتجاوز 300 دولار للحلقة الواحدة.