2012/07/04

عروة العربي يعيد إحياء هاملت الدانمركي على خشبة الحمراء
عروة العربي يعيد إحياء هاملت الدانمركي على خشبة الحمراء


سامر إسماعيل- سانا


أعاد المخرج عروة العربي الروح لمسرحية هاملت معتمداً في ذلك على نص أعده الدكتور رياض عصمت عن أصعب وأطول مسرحيات الشاعر الإنكليزي وليم شكسبير ليكون جمهور مسرح الحمراء أمس الأول على موعد مع العرض الذي أنتجته مديرية المسارح والموسيقا مكملةً عروض موسمها لهذا العام الذي بلغ قرابة خمسين عرضاً مسرحياً كان من بينها 30 عرضاً للأطفال.

وتميز العرض الذي امتد قرابة الساعتين على الخشبة بتوزيع المخرج لفضاءاته المتعددة موظفاً الصالة والمسرح لمجاميع ممثليه كاسراً بذلك ما يسمى بالجدار الرابع بالغاً علاقة مع الجمهور الذي تفاجأ ببزوغ بطل العرض هاملت الفنان الشاب وسيم قزق من بين كراسي الفرجة مردداً مونولوجه عن قتل أبيه ملك الدانمرك بعد مؤامرة بين عمه وأمه الملكة للاستيلاء على العرش وإبعاده عن مملكة أبيه.

وتعتبر المسرحية التي كتبها شكسبير حوالي عام 1601 أيقونة من أيقونات مسرحيات الانتقام التي يقول عنها الشاعر الإنكليزي الرومانسي كوليردج بأن شكسبير كتب هاملت رغبة منه في تحقيق التوازن بين عنايتنا بما تدركه حواسنا وتأملاتنا فيما يجري في أذهاننا بين العالم الحقيقي والعالم الخيالي فهذا التوازن في شخصية الأمير الدنمركي مضطرب كون أفكاره وأخيلته أشد وضوحاً لديه من مدركاته الفعلية ما يبرر إحجامه عن القيام بالفعل في قتل قاتل أبيه بعد تأكده من ذلك عبر مسرحية يقوم بتقديمها أمام عمه ووالدته الملك والملكة بسبب النشاط الذهني العارم الذي يتملكه.

وقسم مخرج العرض مساحة الخشبة إلى خمسة مستويات متباينة في علوها معتمداً في ذلك على بارتي كابلات خشبية وزع على مساحتها الضوء جاعلاً منها مناخاً بصرياً لتغيير المناظر وتبدل الأماكن والأزمنة على المسرح منتقلاً من القصر إلى المقبرة إلى السفينة إلى مخدع أوفيليا حبيبة هاملت إلى مخدع الملك وفراش الملكة الأم إلى قاعة المبارزة وفق حلول لافتة على مستوى تكوين السينوغرافيا من إضاءة وديكور أعدهما المخرج العربي بنفسه.

وأهدى مخرج العرض مسرحيته إلى روح الفنان الراحل خالد تاجا قائلاً.. هاملت شكسبير معركة نتمنى أن نكون خضناها بشرف فيما قال الفنان جهاد سعد مستعيراً من المسرحية.. الصرح الشامخ في مملكة الزمان ينهار.. ذرت الريح كل ما بناه الوقت.. وهمٌ سرابٌ ودمٌ حرامٌ وهروب.. يا حسرتي على من ضلَّ الطريق.. في الذات نور الآتي.. والوحش الكامن خلف الظلمة فينا.. قد يصحو فينا فنمضي.. أو نمضي قبل أن نصحو.. أنكون الوحش الوحش.. يا كل العالم فلتشهد.

ونجح الفنان الشاب وسيم قزق في إيجاد صيغة جديدة لأداء شخصية هاملت التي تعتبر رائعة شكسبير وأصعب ما كتبه حيث تمكن هذا الممثل من إضفاء صبغة مغايرة في الصوت وردود الفعل على الخشبة موظفاً طاقة داخلية عالية في إدارة أدواته مع شركائه على الخشبة حيث برزت أيضاً الممثلة الشابة بتول محمد في دور أوفيليا التي تموت غرقاً بعد إصابتها بالجنون في نهاية العرض بعد مقتل أبيها خطأ على يد حبيبها هاملت.

كما استطاعت الفنانة رجاء مخلوف مصممة الأزياء أن تجد معادلاً بصرياً متحركاً عبر دقتها في تصميم الملابس التي حاكت فيها أزياء عصر النهضة الأوروبية بكل تفاصيلها مقدمةً قرابة عشرين ثوباً لرجال ونساء من تلك المرحلة التاريخية لنكون أمام تضافر عدة جهود فنية لصياغة مشهدية عالية لواحدة من كبرى مآسي الشاعر الإنكليزي نجح عبرها كل من الفنان زهير العربي في إيجاد صيغ ملائمة من قطع الديكور المتحركة توافقت معها إضاءة ذكية لنصر الله سفر إلى جانب موسيقا الفنان أحمد الأشرم الذي أوجد بدوره معادلاً صوتياً لأجواء هذه التراجيديا من خلال دمج مؤثرات عدة من قرع أجراس كنائس وأصوات بشرية.

بدورها نجحت الفنانة يارا عيد في تقديم لوحات راقصة من أجواء العصر الإليزابيثي استخدمها المخرج في مفصلة مناظره وصراع شخصياته إلا أن العرض حافظ على خيار المتحفية الخالصة مقدماً نسخةً كلاسيكية لم تخضع لفن الإنشاء الدرامي أو ما يسمى بالدراماتورجيا ليكون ذلك خياراً فنياً جاهر به مخرج العرض مفضلاً المحاكاة في كل عناصر العرض من أزياء وموسيقا وحوار وإضاءة دون العمل على مستويات أخرى من صراع الشخصيات تقرب العرض من جمهور عام 2012 لنكون أمام مسرحية آثرت استعادة العصر الذي كتبت فيه دون إسقاطات أو تأويلات جديدة للنص الشكسبيري الأصعب والأكثر وجودية لاسيما جملة بطله الشهيرة..أكون أو لا أكون هذا هو السؤال.

يذكر أن مسرحية هاملت من تمثيل كل من الفنانين يوسف المقبل -محمد خير الجراح -عدنان عبد الجليل- محمود نصر- وسيم قزق- أحمد علي- أروى عمرين- بتول محمد- كرم الشعراني- تصوير فوتوغرافي حسين صوفان- مكياج أحمد الكردي- كوافير حسام الكردي- مساعد مخرج خوشناف ظاظا- مخرج مساعد خالد أبو بكر- رؤية صوتية منار منصور، والعرض مستمر حتى العاشر من شهر أيار الجاري يومياً على مسرح الحمراء بدمشق.