2013/05/29

(على أثير دمشق).. برنامج عن سكان الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون!
(على أثير دمشق).. برنامج عن سكان الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون!


سامر محمد إسماعيل – تشرين

يمكن للمشاهد السوري أن يتفاجأ بحجم البرامج الجديدة التي تنهل من معين إذاعة دمشق، فمن برنامج «هنا دمشق» للزميل أمجد طعمة إلى برنامج «على أثير دمشق» لمعدته ومخرجته الزميلة منال صالحية، برامج تراهن على ماضي الإذاعة التي انطلقت أربعينيات القرن الفائت، وكانت لها اليد الفُضلى في ترسيخ ذائقة فنية وثقافية على مدى أكثر من ستة عقود متتابعة، هكذا يراهن «أثير دمشق» على مشاهد نوعية عن ذكريات الزمن الجميل، فعلى سبيل المثال التقت الحلقة الأخيرة من هذا البرنامج مع الفنان مروان قنوع الذي تحدث عن ذكرياته في الإذاعة، سارداً مشقات العمل ولذة التعايش مع الميكرفون لنشاهد (قنوع) بين أشرطة مكتبة الإذاعة غارقاً في تلك الأيام التي أسست تاريخاً من الأسماء الكبيرة في عالم الطرب والتمثيل والإخراج، فلم تكن الحكاية بهذه البساطة.. يحكي قنوع أنه أمضى أياماً طويلة فقط لانتقاء مختارات موسيقية لبرنامجه «حكم العدالة» يخبرنا نحن المشاهدين عن ذلك الشعور الخاص بنكهة صياغة الأصوات داخل استوديوهات على الهواء، لكن المشكلة تبقى في طريقة إخراج «على أثير دمشق» الذي حافظ على جدران مكتبة الأشرطة وعلى ضيوف إذاعيين وأماكن تصوير إذاعية، وكأن برنامجاً عن الإذاعة يجب أن يحتفظ فقط بأماكن عملها.

ثمة نمط عجيب في برامج الفضائية السورية لا يستطيع القائمون عليها تغييره أو المساس بشكله النهائي، نمط يموت في الاستوديوهات المغلقة، بلقطات مقفلة ومدوزنة على وجه الضيف، فلا ينقطع الكلام إلا إلى تقرير لا يتفاعل مع موضوعه.. ثمة مشكلة صميمية في مخاطبة الذات، وهذا طبيعي في نوع من أنواع البرامج التابعة للإعلام الحكومي، لكن أن نغرق في هذا الأسلوب من دون أي رغبة بالتجديد والإشراق، فهذا لن يخرجنا من المونولوجية التي تحكم عمل الإعلام السوري عموماً، فكيف يمكن أن نفسر هذا النوع من البرامج التي يلتقي بها العاملون في الفضائية السورية بزملاء لهم في «إذاعة دمشق» أليس هذا نوعاً من مخاطبة الذات؟ ألا توجد طريقة لصناعة برامج تخاطب الآخر؟ ألا يمكن للزميلة صالحية التي تعد من المخرجات اللامعات في تلفزيوننا الوطني أن تبحث كمُعدة عن مسارب أخرى لبرنامجها، حيث لا نلتقي مع بعضنا بعضاً على هذا النحو فتنتج الفضائية السورية برامج عن إذاعة دمشق، وهذه الأخيرة تنتج بدورها برامج عن الفضائية السورية، وهاتان تنتجان برامج عن «جريدة تشرين»!.

لم تكن إذاعة دمشق يوماً إذاعة للسوريين وحسب، فالإذاعة التي انطلقت منذ الأربعينيات كانت ولا تزال تردد على الدوام في مقتبل فقراتها وفتراتها البرامجية والإخبارية: «هنا دمشق إذاعة الجمهورية العربية السورية» كما أن الفضائية السورية كانت وما زالت امتداداً للتلفزيون العربي السوري، وهذا يعني مباشرةً ومن دون لبس أن كلتا المؤسستين هما إذاعة وتلفزيون العرب من دمشق، فلماذا وقعنا في السنوات الأخيرة بهذا الداء؟ لماذا نشاهد على الفضائية هذا النوع من البرامج التي يواظب معدوها على إجراء مقابلات مع زملائهم؟ هل هذا نوع من الاستسهال المهني؟ فنقول انه في إمكاننا «تمريق» برنامج خفيف نظيف من دون أن نخطو ولو خطوة واحدة خارج مبنى الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون؟ هل سيبقى موظفو التلفزيون والإذاعة يلتقون بعضهم بعضاً على هذا النحو بحجة النوستالجيا؟ أليست هناك حلول لإيجاد صياغات برامجية بعيداً عن صيغة «بيت فستق»؟.

إن المونولوجية وخطاب الذات في إعلامنا الوطني داء مهني لا يمكن الخروج منه والخلاص من مرضه العضال إلا بالوصول إلى سياسة إعلامية أكثر انفتاحاً، صيغة تجعل اسم «التلفزيون العربي السوري» اسماً على مسمى، فلا يعود هناك مجال لنشاهد ما يشبه برامج الاحتفاء بين سكان مبنى الهيئة العامة، بل تخرج الكاميرا، حتى ولو كانت تسجل عملاً عن ذكريات إذاعة دمشق إلى المباني التي شغلتها الإذاعة قبل حلولها الأخير في ساحة الأمويين منذ الستينيات، ونشاهد نجوم «هنا دمشق» في أماكن أخرى غير مكتبة الأشرطة، بل يمكن أن تكون هناك حلقة جدية عن مفقودات هذه المكتبة التي تزخر بكنوز حقيقية في أرشيفها الرائع، وكيف تمت معاملة هذا الأرشيف الذي يذوي في مستودعاته الرطبة سيئة التخزين؟ حقاً هل نستطيع أن نخرج ولو مرة من هذه الاحتفائيات الفارغة؟ لا إلى جلد الذات، بل إلى إصلاح ذات البين.. أتمنى ذلك.