2013/05/29

عمل درامي يشوِّه صورة الإنسان السوري
عمل درامي يشوِّه صورة الإنسان السوري


جوان جان – الوطن السورية

منذ إرهاصاته الأولى قبل أكثر من ألفين وخمسمئة عام قدّم الفن الدرامي وجهَي الحياة الإنسانية اللذين طبعاه بطابعهما منذ الأزل ألا وهما الخير والشر، وفي مرحلة أخرى تطورت النظرة إلى هذين الجانبين ليجري الحديث عما هو سالب وموجب في الشخصيات الدرامية، حيث أكد أساطين الدراما أهمية وجود هذين الجانبين في أي عمل درامي كي تكتمل دائرة إبداعه باعتبار الدراما هي الوجه الآخر للحياة التي لا يمكن أن تخضع لهذا الفرز بكل مستوياته.

ومما لا شك فيه أن الدراما السورية سواء أكانت مسرحية أم سينمائية أم تلفزيونية لم تشذ عن هذه القاعدة لإدراك مبدعيها أن الحياة، وبالتالي الدراما لا تكتمل إلا باكتمال الإحاطة بهذين الجانبين وإعطائهما حقهما كاملاً في العمل الدرامي كي يكون نموذجاً حياً لحالة الصراع الأبدية القائمة بين قطبي الحياة البشرية، الخير والشر، السالب والموجب، البراءة والإدانة، الطهر والدنس.. إلخ.

وباعتبار أن الدراما كانت ولا تزال انعكاساً طبيعياً للواقع كان همّ مبدعي الدراما أن ينقلوا هذا الواقع لا بحرفيته وتفاصيله بل باختزالاته وأبرز تكويناته وهو الأمر الذي يعني أن الدراما الجيدة والطبيعية التي تنقل النبض العام هي التي تعنى بجميع جوانب الحياة الإنسانية وإلا فقدت جوهرها وتخلّت عن أبرز عوامل القوة فيها. في درامانا السورية تحديداً كان دأب دراميينا منذ أيام أبي خليل القباني وحتى يومنا هذا تقديم أعمال فنية تعكس ما يمر به مجتمعنا من صراع دائم بين قواه الاجتماعية المختلفة، صالحها وطالحها، وهو ما أعطى المصداقية لدرامانا وجعلها متفوقة على مجمل الدرامات المحيطة بنا، على الأقل في منطقتنا العربية لأنها لم تجامل أحداً فتقدم المجتمع السوري مجتمعاً ملائكياً خالياً من الأخطاء، ولم تعتدِ وتفتئت على هذا المجتمع فتقبّح الجميل فيه وتزيد في القبيح فيه قبحاً وتشويهاً، وحتى في تلك الأعمال التي اتُهِمَت بنظرتها السوداوية كان دائماً بصيص الأمل يطلّ برأسه ليخفف من السواد وليضع في نهاية النفق ضوءاً لغد أفضل.

وبناء على ذلك اتسمت الشخصية السورية في درامانا بالعموم بتوازنها وواقعيتها حتى في أقصى حالات تطرفها، وإن وجِدت حالات التطرف هذه في شخصيات درامانا إيجاباً أو سلباً كان هناك في نفس العمل ما يقابلها ليواجهها ويعريها ويضعها أمام حقيقتها..

وفي ضوء هذه الحقائق كان من المدهش أن يخرج علينا عمل درامي مؤخراً لينسف هذا الإرث الذي شبّ عليه الفن الدرامي السوري وليقدم عملاً تفوح منه رائحة الحقد على الشخصية السورية مقدماً إياها في أبشع صورة يمكن أن تُقدَّم بها من خلال عديد النماذج التي حفل بها هذا العمل الذي صوّر الإنسان السوري كائناً شهوانياً، لا يجيد شيئاً سوى اختطاف النساء واغتصابهنّ وتشريدهن، تاريخ رجاله قائم على الشبق الجنسي والاعتداء على شرف الآخرين، في حين يقوم تاريخ نسائه على الخيانة ويجعل منهنّ نساء مستعدات للاندساس في فراش أي عابر سبيل حتى دون دعوة منه؟! نستطيع أن نتفهّم تقديم نماذج كهذه، بل وكنا من أكثر الداعين إلى تقديمها في درامانا كي لا نبقى مختبئين دائماً وراء أصابعنا، ولكن أن تصوَّر في عمل درامي واحد ومن خلال جميع الشخصيات دون استثناء بهذا الشكل المسيء لكل مواطن سوري فهو ما كنا لنتصور حدوثه اليوم ولا في أي يوم، وخاصة أن العمل المشار إليه لا يخفي كون شخصياته لا تمثّل نفسها بل تمثّل عدة مناطق وبيئات سورية باعتبار أن كل شخصية فيها تنتمي لجزء من الجغرافيا السورية بمكوناتها المتعددة، بل وأكثر من ذلك، أنها تمثل الأعراق والطوائف التي يتشكّل منها المجتمع السوري في ادّعاء مردود بأن هذا العمل يشكل الفسيفساء السورية ويصور العلاقة القائمة بين أركانها، فهل يريد هذا العمل أن يقول لنا إن الشكل الوحيد لتعايش السوريين المختلفين مذهبياً وعرقياً هو قيام رجال العرق (أ) باختطاف نساء العرق (ب) أو قيام نساء هذه الطائفة (ج) برمي أنفسهن في أحضان رجال الطائفة (د) دون وجود ولو نموذج واحد يشذ عن هذه الدونية والوضاعة في تناول شخصية الإنسان السوري؟ وهل يكون تصوير الجذور الحضارية للإنسان السوري بهذا الشكل الشاذ الذي يكاد يجعل من الجميع أولاد زنا؟

في الظرف العصيب الذي نمرّ به لسنا بحاجة إلى هكذا أعمال لا تشوه فقط صورة إنساننا بل وتضعه في مرتبة قد لا تصل إليها الوحوش الضواري، هذا عدا كونها تكرس وللمرة الأولى الفرز الذي تمقته النفوس وتعافه العقول السليمة.