2012/07/04

	عندما تمر المحن بالشعوب تبدأ الرؤية بالتغيير...طلحت حمدي لـ«الوطن»: أنا سعيد لأي فرصة تحقق هاجسي وكرامتي
عندما تمر المحن بالشعوب تبدأ الرؤية بالتغيير...طلحت حمدي لـ«الوطن»: أنا سعيد لأي فرصة تحقق هاجسي وكرامتي


ديالا غنطوس – الوطن السورية

يجسد الفنان (طلحت حمدي) بمشواره الطويل سجلاً فنياً غنياً بالأدوار والشخصيات والحضور في المجالات الفنية المتعددة، مابين التمثيل والإنتاج والإخراج وكتابة السيناريو.. هو فنان متعدّد المواهب يعمل في مجال الإذاعة منذ فترة طويلة، عمل في مجال التلفزيون.

وكان له تجربة في الإنتاج لم تدم طويلا بسبب سيطرة الشركات الكبيرة على الإنتاج التلفزيوني. من الفنانين السوريين المخضرمين وهو أحد الأعمدة للدراما السورية. قدم العديد من الأعمال الاجتماعية والبيئية من أعماله: (حمام القيشاني- حارة الجوري- تل اللوز- طرابيش- المستجير) ومن آخر أعماله الفيلم السينمائي (يوم القيامة)، الفنان السوري الكبير طلحت حمدي كان لنا معه الحوار الآتي:


أنت من أوائل الممثلين الذين عملوا في المسرح القومي الذي تأسس عام 1960، ماذا تحدثنا عن تلك المرحلة؟

في فترة الأربعينيات والخمسينيات، لم يكن في سورية تلفزيون أو مؤسسات ترعى الحياة الثقافية والفنية والمسرحية، بل كان يوجد مجموعة من الفرق الجوالة التي تعرض أعمالها في المدن والأرياف والقرى الصغيرة، وكان هؤلاء الفنانون في ذلك الوقت منبوذين من المجتمع حيث لم يكن هناك احترام للفن آنذاك، وكانت هناك معاناة مادية شديدة، كما عانى المسرح من عدم وجود العنصر النسائي بالشكل المطلوب، حيث كان يضطر بعض الفنانين إلى استخدام الماكياج لتأدية أدوار المرأة. هؤلاء الفنانون الكبار هم الذين أسسوا الطريق لحب المسرح واحترام المسرح كظاهرة ثقافية، منهم مع حفظ الألقاب «عبد اللطيف فتحي»، «محمد علي عبدو»، « عدنان بركات»، «رفيق سبيعي»، فكان هؤلاء بمنزلة فدائيي المسرح، عام 1959 بدأ يتشكل بدمشق نواد ثقافية، فنية واجتماعية، ذات نشاط مسرحي ثقافي بعيد عن أسلوب المسرح الجوال الكوميدي والتهريجي أحياناً، فتشكل النادي الفني الذي قدم أعمالاً من المسرح العالمي ومن مؤسسيه نذكر: «نهاد قلعي»، «زهير براق»، «سعيد النابلسي»، «عدنان عجلوني»، «فطمة الزين»، إضافة إلى تشكيل نادي العهد الجديد الذي كان يضم أعمدة من المثقفين منهم «الدكتور أنطون الحمصي»، «وليد مدفعي»، «غسان جبري»، «جان ألكسان»، وقدم هذا النادي أعمالاً من المسرح العربي، وفي ذلك الحين كنت أنا أتدرب في إذاعة دمشق كممثل ومذيع وتعرفت على أعضاء نادي العهد الجديد وقدمنا أعمالاً مسرحية للكاتب توفيق الحكيم، وكان المكان فقيراً جداً فقمنا نحن الممثلين الأوائل بترميم المكان وبنيناه بسواعدنا وأعدنا إحياءه، وأسسنا المسرح، وصولاً إلى العام 1960 حي ازداد الاهتمام بالحياة الثقافية، فأنشأت وزارة الثقافة وتأسس التلفزيون والمسرح العسكري والمسرح الجوال ومسرح العرائس، فبدأ الناس يعيدون اعتبارهم للفنان ما دامت الدولة قد اعترفت به، وتم اختياري مع مجموعة من الممثلين لتأسيس المسرح القومي عام 1960، والمسرح القومي كان يتألف من مسرحي الحمراء والقباني، عام 1964 استقلت من العمل في المسرح القومي وتفرغت للإذاعة كلياً، فعملت مخرجاً في إذاعة دمشق حتى عام 1970 إلى أن قدمت استقالتي مجدداً، فأنا بطبعي إنسان أهوى التغيير ولا أقوى على روتين العمل.

من مكتشف طلحت حمدي ولمن يعود الفضل في نجاحك؟

قصتي طريفة مع الفن، نشأت في عائلة فقيرة الحال، والدي كان يعمل «دركياً»، ووالدتي من بانياس الجولان، بعد استقالة والدي من العمل انتقلت عائلتنا إلى الجولان للعمل في الأرض والزراعة، أخي الكاتب المعروف رحمه الله «خالد حمدي» كان يعمل ممثلاً في فرقة «زهير الشوا» وذات يوم احتاجوا إلى ممثل في العاشرة للعب دور صغير في مسرحية كان اسمها «في بيوت الناس»، ورشحني أخي خالد للعب الدور، وافقت شريطة عدم إخبار والدي وهكذا كان، عرضت المسرحية في سينما فريال حيث كانت المسرحيات تعرض في السينما أو أي مكان آخر لعدم توافر المسارح المستقلة، تعلقت بالفن وطلبت من مدرسي في الابتدائية أن أقوم بتقديم مسرحية مدرسية فوافق، وفعلاً قمت بكتابة المسرحية وإخراجها وهي ذات المسرحية التي مثلتها مع أخي وكنت قد حفظتها جيداً، وكانن مسرحية رائعة صفق لها الجميع لكن النتيجة كانت أن علم والدي وعنفني بشدة، بعد ذلك اضطر أخي خالد إلى وقف العمل في التمثيل وعمل كوكيل مدرس، لكن ذلك لم يمنعني عن مواصلة جهودي فكان الفن حلماً يرافقني.

قمت بتأسيس شركة إنتاج وأخرجت العديد من الأعمال، لكنك قمت بإغلاق الشركة، لماذا؟



عندما أسست شركة إنتاج، بدأنا بإنتاج أروع أعمال حكمت محسن منها «لوحات دمشقية»، «دنيا مضحك مبكي» مع الفنان تيسير السعدي، «المكافأة»، «شاري الهم»، «الطرابيش» إضافة إلى سلسلة لوحات عالمية معدة إعداداً محلياً، كما أنتجت لمصلحة التلفزيون السوري سهرة تلفزيونية بعنوان «خريف الأيام» ومسلسل «الظل والنور»، أما عن سبب إغلاق الشركة فيعود إلى دخول رأس المال الكبير، خاصة الخارجي الذي أدى إلى زيادة تكاليف الإنتاج بشكل لا تتحمله الشركة فقد زادت التكاليف نحو 500% إن لم يكن 1000% فارتفعت أجور الفنانين وأجور الأماكن والنقل وغير ذلك، فأستطيع القول إن الشركات الكبرى قضت على الشركات الصغرى ما اضطرني إلى إغلاق الشركة.

هل ترى نفسك في الوقت الحالي مخرجاً أكثر منك ممثلاً؟

لا فرق عندي بين التمثيل أو الإخراج، فأية فرصة فيها كرامتي وتحقيق هويتي وهاجسي وارتباطي بفني أكون سعيداً بها، وأنا الآن بصدد مشروع من إنتاج القناة الفضائية التربوية السورية، حيث قمت بإعداد سيناريو لثلاثين قصة قصيرة لأهم كتاب القصة القصيرة في سورية منذ بداية الأربعينيات وحتى الآن، وسوف أقوم بإخراج هذه الأفلام (مدة كل منها دقيقتان تقريباً)، وأنا سعيد جداً بتبني الفضائية التربوية السورية لهذا الأثر الفني القيم ليتم تقديمه للجمهور.

ما سبب نجاح حمام القيشاني الكبير؟

مسلسل «حمام القيشاني» دراما عن الحياة السياسية في سورية وأهميته أنه سمى الأشياء بمسمياتها، وعكس التحولات الواقعية التي عاشتها سورية كتوثيق درامي لمجتمع كامل، أما شخصية شوكت القناديلي فهي شخصية إشكالية، هو تاجر برجوازي يحب السهر والحياة والنساء كما أنه وطني جداً، لا ينتمي إلى حزب معين بل يبارك بجميع الأحزاب ولا يتأخر عن تلبية نداء الوطن متى ناداه، بيته يمثل برلماناً فكل ولد من أولاده ينتمي إلى حزب معين فأصبح بيته الدمشقي مرفأ الديمقراطية وحرية التعبير، أنا أعتقد أن الناس أحبت العمل لأن شخصية شوكت القناديلي على مدار حلقاته التي بلغت نحو مئة وخمسين حلقة لم تكن شخصية أحادية الجانب فكانت متطورة بجميع أبعادها. وطبعا يعود الفضل في نجاح العمل إلى التلفزيون السوري الذي قام بإنتاجه والتسويق له بالشكل المناسب.

ما سبب غيابك مؤخراً عن أداء أعمال الدراما الشامية علما أن آخر عمل يتناول البيئة الشامية مثلت فيه كان مسلسل «الشام العدية» بدور أبو رسلان البغجاتي لماذا هذا البعد عن الدراما الشامية؟

أنا إنسان صريح بطبعي ولا أحب المجاملات، الوسط الفني حصلت فيه تحولات كبيرة، من كتاب ومخرجين وممثلين وشركات إنتاج، نحن جيل لدينا كرامة فنية، فأنا لا أقبل بعد رحلة 50 عاماً من الفن أن أوضع في مكان لا يليق بي ويقلل من شأني، اعتذرت سابقاً عن العديد من الأعمال ولكنني عدت مجدداً إلى الشاشة الدمشقية بدور «أبو رسلان البغجاتي» لكي أعيد التوازن إلى وجودي على الساحة الفنية، أنا لست ضد الأعمال الشامية شريطة أن تكون موضوعية وصادقة وتحكي عن تاريخ وطننا من شرقه إلى غربه.

ماذا عن الأعمال المصرية- السورية المشتركة، هل كان لك إسهامات رائدة فيها؟ أم إنك تفضل الأعمال السورية حصراً؟

بالنسبة للأعمال المشتركة، أنا أخاف أن أقع في مطب اللهجة فلا أتقنها، ذلك أن التمثيل في أعمال مصرية مثلا يتطلب الإتقان في اللهجة كما الأداء وليس كل من مثل أعمالاً غير سورية نجح وأبدع، غير أن العديد من الممثلين نجح بصورة كبيرة كالفنانة سلاف فواخرجي التي برعت في دور « أسمهان» والفنان تيم حسن الذي تألق في دور «الملك فاروق»، لذلك فأنا لا أفضل حالياً أن أبتعد عن الدراما السورية، علماً أنني خضت تجربة لامعة في مسلسل «كليوبترا» من إخراج وائل رمضان الذي فسح لي المجال للتعرف على كبار فناني المسرح المصري، فكانت تجربة فريدة من نوعها.

ماذا عن السينما، انقطعت فترة طويلة عن السينما لتعود إليها في فيلمي «حسيبة» و«دمشق يا بسمة الحزن» إضافة إلى فيلم «هوى» لواحة الراهب و«يوم القيامة» الإيراني، لماذا هذا الانقطاع؟


المؤسسة العامة للسينما هي مؤسسة جادة وتحمل هماً إنسانياً وأخلاقياً ووطنياً، وعندما أكون بعيداً عنها أشعر بالحزن فهي تضم خيرة الكتاب والمخرجين والمنتجين، مثلت في عام 1982 فيلم «أحلام المدينة» من إخراج محمد ملص ثم حصل غياب عن العمل السينمائي لا أعلم سببه الحقيقي، إلى أن عدت مجدداً حين استدعاني المخرج ريمون بطرس، فمثلت في فيلم «حسيبة» عام 2007، كما حللت ضيف شرف في فيلم «هوى» إخراج واحة الراهب، إضافة إلى فيلم إيراني شارك فيه العديد من الممثلين من أقطار عربية كلبنان والكويت وسورية بعنوان «يوم القيامة» وهو فيلم عظيم جداً يتحدث عن معركة كربلاء وما سبقها، ومن المفروض أن يتم الإعلان عن بدء عرضه قريباً.

هل أنت راض عن واقع الدراما السورية في الوقت الحالي؟


أنا أرى أن الدراما السورية في الخمس عشرة سنة الأخيرة ابتعدت كثيراً عن مسؤولياتها، وابتعدت عن عالم الرواية والكتاب والمبدعين الذين يحملون هماً أخلاقياً، اجتماعياً، سياسياً واقتصادياً، فشركات الإنتاج الحالية لا تهتم سوى بالربح والتسويق، صحيح أنني عملت سابقاً في مجال الإنتاج إلا أنني لم أنسلخ يوماً عن أفكاري وهموم المجتمع ومعتقداتي فكانت أعمالي انعكاساً صادقاً لمجتمعنا، كما أن جميع الأعمال التي قدمتها سببت لي إشكاليات معينة، فما قيمة الفن إذا لم يحرض لواقع أفضل؟! أنا أرى أن ما يسوق له إعلاميا الآن لا يمثل مجتمعنا، فالدراما الحالية أصبحت دراما خيالية افتراضية تدور حول المخدرات والقتل والعنف المجتمعي والانحلال الأخلاقي وهذا بطبيعة الحال لا يمثلنا، في حين نجد بعض القضايا المصيرية كالقضية الفلسطينية لا يسوق لها كما يجب أبداً، فهي بعيدة عن الشاشة إلا ما ندر.

ما الرسالة التي يجب أن يحملها الفن في الظروف الصعبة التي يعيشها وطننا الحبيب؟

عندما تمر الشعوب بمحنة معينة، تبدأ بفرز رؤيتها بالتغيير، وعلى اعتبار أن سورية تعيش الآن ذروة المحنة، لابد بعد المخاض أن تأتي الولادة مع مناخ مناسب للعمل الفني والإبداعي في التلفزيون والسينما، حالياً لا يوجد مناخ مناسب في الوسط الثقافي، فالوسط الثقافي مهمش بشكل لا إرادي، ليس من الدولة، بل لأن مسرحه وجمهوره غير موجودين، أنا آمل أن تنحل الأزمة قريباً وتولد حالة ثقافية جديدة واعية، كما أنني أترحم على شهداء الوطن جميعاً ونصلي لكي تتحسن الأوضاع وتنفرج الأزمة.