2013/05/29

عن محاربة السينما السورية عربياً..!
عن محاربة السينما السورية عربياً..!


فائزةداؤد – تشرين



اعترضت نخبة ما يسمى (هوليوود العرب) على قرار اللجنة المنظمة لمهرجان دمشق السينمائي الثامن الذي عقد عام 2010 والقاضي بمنع مشاركة بعض الأفلام التونسية التي شارك في إخراجها وإعدادها والتمثيل فيها ممثلون ومخرجون إسرائيليون في مهرجان دمشق الأخير، وحجة المعترضين على قرار المنع أو الإبعاد تجلى في عدم جواز الخلط بين ما هو سياسي وما هو فني وحتى أدبي, فكيف إذا كان هذا الفني أو الأدبي يتعلق بما اتفق على تسميته عالمياً بـ الفن السابع؟

رسالة الفن

إذاً من حق «الإسرائيلي» وفق ما يرى الهوليوديون العرب المشاركة من خلال السينما أو الفن السابع  في مهرجان دمشق السينمائي، والاعتراض على تدنيس أرض المهرجان المقدسة من قبل قتلة الشعب الفلسطيني واللبناني ومغتصبي الأرض العربية، بحسب ما يعتقد جهابذة الفن السابع يتنافى تماماً مع رسالة الفن العالمية التي تنأى بنفسها عن كل ما هو سياسي وعنصري وغير أخلاقي ودائماً وفق توصيف الهوليوديين العرب ولاسيما المصريين.

الهوليوديون العرب الذين تعاطفوا وتضامنوا مع الأفلام التونسية التي تفوح منها رائحة القتلة الإسرائيليين من ممثلين ومخرجين أفتوا بجواز المشاركة في مهرجان دمشق الثامن تحت مقولة (الفصل بين السياسة والفن) وهؤلاء هم أنفسهم وبوصفهم منظمي ورعاة مهرجان القاهرة الأخير قاموا بمنع ثلاثة أفلام سورية من المشاركة في المهرجان السنوي للسينما العربية. والكثير ممن تابعوا الخبر عبر بعض الفضائيات العربية والمستعربة تساءلوا عن الأسباب التي تقف وراء قرار استبعاد الأفلام الثلاثة.

ترى هل يتعلق الأمر بمستوى الأفلام المستبعدة؟!. إنه أحد الأسئلة التي تم طرحها من أجل ايجاد تبرير لقرار اللجنة المنظمة للمهرجان , وقد يؤخذ جواب هذا السؤال بعين الاعتبار لولا أن هناك من يؤكد أن الأفلام السورية الثلاثة لم تعرض أصلاً في أي من صالات عرض المهرجان , والحال هذه كيف يحكم على مستواها الفني وقيمتها الفكرية ورسالتها التي يراد إيصالها إلى الجمهور أو النقاد ؟ كما أن الإدعاء بأن الأفلام تسيء لرموز سياسية أو دينية أمراً يبدو  مستبعد اً لأن الأفلام لم تمس أصلاً!

احتمالات..!!

والحال هذه ستطرح احتمالات شتى قد تكون وراء قرار الإبعاد منها ما هو متعلق بسياسة المهرجان وقرارات منظميه وهي بمعظمها تلامس جوانب تقنية وشكلية قد لا يكون مخرجو وممثلو الأفلام الثلاثة التزموا بها, وقد يكون أحدها على سبيل المثال يتعلق بسلوك المخرجين تجاه المهرجان ومنظميه, وأقصد هنا موقفاً شخصياً, كما يجب أن نستبعد تعامل أي من المخرجين مع ممثلين إسرائيليين أو قتلة مأجورين يتبعون لتنظيمات إرهابية تتصدر لائحة الإرهاب العالمية وحتى لو فعلوا فلا يشكل هذا عائقاً أمام حق المشاركة لأن منظمي المهرجان هم أصحاب شعار الفن لأجل الفن وبالتالي استبعاد كل ما هو سياسي أو عنصري وعرقي عن الفن السابع والدليل على ذلك ألا يكون هناك مانع من مشاركة إسرائيل أو أي منظمة إرهابية في العالم في مهرجان السينما مادام شعار الفن السابع العربي يقول بعدم الخلط بين السياسة والفن.

طبق الدم

وبعد البحث في الكواليس والسؤال سنعلم بأن المخرجين الثلاثة والممثلين لا يتبعون لأية منظمة إرهابية محظورة ولا يوجد بينهم وبين منظمي مهرجان القاهرة أي ثأر شخصي أو موقف مسبق بل إن الأمر في كليته سياسي لكنه لا يتعلق بموضوع الأفلام كما قد يخيل للبعض ذلك لأن الأفلام الثلاثة استبعدت لأنها تحمل أسماء ثلاثة مخرجين رفضوا الانضمام إلى ما يتم التسويق له تحت عنوان (الربيع العربي) وتالياً رفضوا المتاجرة بدماء السوريين ونؤوا بأنفسهم بعيداً عن الزعيق ضد رموز ومؤسسات وطنهم السوري.

قد يبدو هذا القول بعيداً عن المنطق كأن يقال: ألم يقف منظمو مهرجان القاهرة وراء رفض قرار إبعاد ومنع الأفلام التونسية بسبب مشاركة إسرائيلية فيها, والحال هذه كيف يستبعدون مشاركة أفلام سورية رفض مخرجوها الانسياق لأكذوبة إعلام البترودلار المسيس من قبل اليهود ؟.

ولتوضيح الفكرة أكثر لابد من تفصيل الخبر الذي يقول: لقد قرر منظمو مهرجان القاهرة السينمائي استبعاد فيلم (العاشق) للمخرج العربي عبد اللطيف عبد الحميد وفيلم (مريم) للمخرج باسل الخطيب بالإضافة إلى فيلم (صديقي الأخير) للمخرج جود سعيد. وقرار الاستبعاد تم بسبب مواقفهم السياسية الداعمة لوحدة الوطن السوري رافضين في الوقت ذاته الشهرة كغيرهم على طبق من دم أشقائهم السوريين.

وهنا يبرز سؤال يتعلق بمقولة الهوليوديين العرب (ضرورة الفصل بين السياسة والفن) والسؤال هو: لماذا نادى هؤلاء بضرورة تطبيق هذه المقولة حين تعلق الأمر بمشاركة إسرائيلية للأفلام التونسية في مهرجان دمشق السينمائي، في حين تم الخلط بين السياسة والفن حين تعلق الأمر بمشاركة سورية في مهرجان القاهرة الأخير وقاموا باستبعاد ثلاثة أفلام لمخرجين سوريين كبار من المهرجان الذي يفترض من منظميه أن يساهموا من خلاله في بلسمة جراح الوطن السوري بوصفه شقيقاً، لا في توسيع شرخ الجرح من خلال سياسة إلغاء الآخر المختلف؟.

خيال الحرية

قبل الإجابة عن هذا السؤال لابد من الإشارة إلى أن الفن خيال والخيال حرية والحرية إخلاص للرسالة التي يؤمن بها الأديب والفنان وتالياً يفترض منهما أن يعملا كل ما بوسعهما من أجل إيصال رسالتهما إلى الجمهور المفترض، ووفق ما هو معروف فإن الفصل بين الرسالة والشعور بالإنتماء إلى الوطن مستحيل مهما ادعى الفنان عالميته أو انتماءه الكوني أو الإنساني الخالص، فالإنتماء إلى الإنسانية جمعاء لا يلغي ولا يتناقض مع الانتماء إلى المحلية الضيقة, فكيف الحال بقضية الإنتماء إلى الوطن الكبير؟.

وفي جميع الحالات فإن ما قدمته (إسرائيل) للعرب يتنافى مع المفهوم الإنساني أياً كانت هويته، والحال هذه يفترض بأن تستبعد أي مشاركة إسرائيلية في مهرجان سينمائي يقام في أية عاصمة عربية فكيف إذا كانت هذه العاصمة العربية دمشق؟ وفيما يخص قرار اللجنة المنظمة القاضي باستبعاد أفلام المخرجين السوريين المذكورة أسماؤهم بسبب مواقفهم السياسية فلنا أن نسأل أعضاء اللجنة عما يقصدون بعبارة مواقفهم السياسية؟ ترى هل يعنون بذلك ما يتم الترويج له عبر وسائل الإعلام من قتل وتدمير وطائفية وعرقية تحت شعاري الحرية والديمقراطية؟ إذا كان تصريح اللجنة يعني ذلك وأقدر أنه كذلك فلنا أن نسأل إن كانت الحرية تعني كم أفواه الآخرين الذين يمتلكون رؤية أخرى مغايرة, كأن يعتقد معظم أفراد الشعب السوري ومعهم المخرج عبد اللطيف والمخرج باسل الخطيب وكذلك المخرج جود سعيد أن ما يحدث في وطنهم هو خراب ودمار واستبداد ولا علاقة له بما كانوا يطمحون إليه من إصلاح وحرية وديمقراطية ذلك لأن مفهوم الأولى يعني أن يكون الفرد سيداً بكل ما يفعله ويقوله، وفي الوقت ذاته يكون مسؤولاً عنه, ومفهوم الثانية وفق ما هو متداول ومعروف يعني أن يكون الفرد حاضراً ويدلي برأيه من دون أن يكون مهدداً بساطور يقطعه أو رصاصة تحرمه الحياة، وفي أحسن سجن ينتظره. والسؤال لماذا تعاطف منظمو مهرجان القاهرة مع ربيع يطرح شعارات براقة يتعطش لها الشارع العربي وفي الوقت ذاته يمارس سياسة الإلغاء والرفض لكل من يقف قولا وفعلا في وجه الخراب والدمار الذي يهدد سورية الإنسان والحضارة والتنوع؟, لماذا عمل الهوليوديون العرب على معاقبة المخرجين الذين رفضوا الربيع الإسرائيلي؟ ولماذا تصدى هؤلاء لقرار اللجنة المنظمة لمهرجان دمشق السينمائي التي قال أفرادها: لا لأفلام تونسية تفوح منها رائحة قتلة الشعبين الفلسطيني واللبناني؟ ترى هل يعني هذا أن منظمي مهرجان القاهرة السينمائي يقفون إلى جانب إسرائيل وربيعها الذي يريدنا أن نتوهم بأن وحشيتها  أكثر رحمة من وحشية المنظمات الإرهابية التي تقتل وتدمر وتسرق تحت شعار الحرية المقدس وادعاءات الديمقراطية؟ هل غدت إسرائيل الابنة المدللة للهوليوديين العرب كما هي لغيرهم ؟ وهل عالمية بعض المنظمين لمهرجانات السينما العربية تتطلب منهم الترحيب بالقاتل الإسرائيلي ورفض السوري الموالي للوطن والرافض لقتل إخوته وتدمير وطنه؟.