2012/07/04

«عويدل الفسّاد» يفسفس لـ «بوسطة» في حوار شامل عبد الناصر مرقبي: «أنا ضدّ المركزية في الإدارة قبل الفن»
«عويدل الفسّاد» يفسفس لـ «بوسطة» في حوار شامل عبد الناصر مرقبي: «أنا ضدّ المركزية في الإدارة قبل الفن»


الخرق الأمني يجب أن يُحاسَب عليه كل مَن ساهم بإدخال السلاح إلى الداخل .


الشارع السوري هو مَن أسقط الفتنة منذ اللحظة الأولى وقبل أن يتكلم أي مسؤول.


«ضيعة ضايعة» كالمولود الذي انتظرته أسرة بلا أطفال لـ 20 عاماً.


الجشعون والخائفون في العاصمة يريدون تحويل أي منطقة خارجها إلى «زنكة» من «زنكات» دمشق.


لدينا فنانون عاشوا ورحلوا دون أن يسمع بهم أحد والسبب نقابة الفنانين.


يمكن للنقابة أن تشغّل الممثلين كما تفعل مع الموسيقيين.


من حقّي أن أعيش في مدينتي وأن أحقق ذاتي انطلاقاً منها.


مشكلة اللهجة جزء ممّا يروّجه البعض في الوسط الفني حتى لا يعمل الجميع.


خلافي مع حسين عبّاس قديم ومشاهدنا في «ضيعة ضايعة» كانت ممتازة.


اللاذقية جديرة بأن تكون عاصمة مسرحية للبلاد.

يكفي أن تقول «ناصر» في اللاذقية لتعرف مَن المقصود بالضبط. المدينة تعطيه ارتباطاً ووقعاً لأنّه مترع بحبّها حتى الثمالة، ويصرّ على أنّه انطلق منها ولن يتركَها مهما حصل. عبد الناصر مرقبي، المسرحي حتى النخاع والوجه التلفزيوني اللافت الذي يهجس بالسينما على الدوام، لا يبدو أنّ أمراض الشهرة وحسابات الوسط تعني له الكثير. «ابن اللاذقية»، كما يصف نفسه دائماً، بقي على بساطته الأولى بعد الشهرة المسرحية على خشبات القومي، وأصرّ عليها بعد الشهرة التلفزيونية الكبيرة من خلال «عادل الفسّاد» في «ضيعة ضايعة»، وهي الشخصية التي لعبها بمستوى لافت للجميع.


من فرق الرقص الشعبي في مسابقات الشبيبة، إلى الشهرة المسرحية من خلال تمثيل وإخراج «مسافر ليل» لصلاح عبد الصبور و«بيت الجنون» لتوفيق فياض، وصولاً إلى الشهرة التلفزيونية والمشاركات السينمائية، بقي «ناصر» متعصّباً لفناني المحافظات المهمّشين، برأيه، لحساب المركزية ورجال العاصمة الذين يريدون تحويل أي منطقة خارجها إلى «زنكة» من «زنكات» دمشق. وعندما اشتعلت الأحداث في البلاد، كان مرقبي من أوائل المتواجدين في الشارع لمنع الأمور من الانزلاق إلى المحظور الذي يخشاه الجميع في محافظة معقدة كاللاذقية.


«بوسطة» التقى عبد الناصر مرقبي ببساطة تليق به وجرأة لا تنقصه في حوار شامل وصريح في مقهى لاذقاني هادئ..

حاوره: علي وجيه

كانت اللاذقية من أوائل المناطق التي شهدت الأحداث في البلاد. كيف ترى الأزمة خصوصاً في أجواء الحوار الوطني التي يتمّ الحديث عنها الآن؟

سأقول رأيي الشخصي الذي لا يمثّل حزباً أو جماعة، ممّا رأيته وشهدته خلال الأزمة في اللاذقية، لأنّنا تحرّكنا في الشارع لاحتواء الفتنة قبل أي مسؤول أو شخصية عامة. كنّا نعيش في حالة من الاستقرار الأمني، ونكاد نحسد أنفسنا عليه قبل أن يحسدنا الغير. فجأةً، انتشرت في مناطق كثيرة من الوطن فوضى مسلحة ومنظّمة. هذا الخرق يجب أن يُحاسَب عليه كل مَن ساهم بإدخال هذا السلاح إلى الداخل. بالنتيجة، أفرزت الأزمة عدّة أنساق برأيي:

النسق الأول: غالبية الشعب السوري المطالب بحقوق مشروعة، سواءً كان مَن تظاهر منهم في الفترة الأولى أو مَن عبّر عن ذلك من خلال مواقع التواصل الاجتماعي. هؤلاء انكفأ غالبيتهم عن التظاهر لأنّ المظاهرات أخذت منحى آخر فيما بعد.

النسق الثاني: مجرمون من الداخل والخارج، وهم الذين ساهموا بشكل كبير بالفوضى وخلط الأوراق.

النسق الثالث: متآمرون من الداخل والخارج يحرّكون عناصر على الأرض وفي الإعلام.

النسق الرابع: مَن ينتظرون لمعرفة اتجاه سير الأمواج ليمتطوها على دماء مَن مات بغض النظر إن كان يعنيهم أم لا، ليكونوا في الواجهة كأصحاب فكر تغييري وإصلاح. وهذه الفئة هي الأخطر، ويجب أن نحذر منها كشعب، وأن تحذر منهم القيادة السياسية.

الشارع السوري هو مَن أسقط الفتنة منذ اللحظة الأولى، وقبل أن يتكلم أي وزير أو مسؤول. هذا يدلّ على الوعي الكبير والحسّ الوطني والقومي للشارع السوري من جهة، وتقصير الجهات المسؤولة من جهة أخرى. ما حصل وما خطّط له ليس لضرب رمز شخص الرئيس أو النظام برمّته، وإنّما لإنهاء عقيدة قومية عربية موجودة في نبض المواطن السوري عموماً، وهذه كانت من أولويات المؤامرة. وأيضاً لضرب الإسلام المعتدل الموجود في سورية، وبالتالي خدمةً للكيان الصهيوني الذي يسعى لتثبيت يهوديته بشكل عنصري بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي وأمريكا.

حدّثنا عن مشاريعك القادمة والتي قدّمتها مؤخّراً؟

انتهيتُ من تصوير جزء من دوري في فيلم «الشراع والعاصفة»، إخراج غسان شميط وإنتاج المؤسسة العامة للسينما. أيضاً أشارك كضيف شرف في فيلم «هوى» إخراج واحة الراهب وإنتاج المؤسسة العامة للسينما. في المسرح، انتهينا مؤخّراً من تقديم مسرحية «شكسبير ملكاً»، تأليف رضوان شبلي وإخراج لؤي شانا، على خشبة قومي اللاذقية. تلفزيونياً، أشارك في مسلسل عراقي بعنوان «أيوب» الذي قام بإخراج القسم الأول منه مأمون البني ويتابع الآن خالد الخالد، حيث أقدّم شخصية إشكالية بشكل جديد على مستوى الساحة الفنية، تتعلّق بالأمراء الإسلاميين المدّعين الذين يقومون ببثّ الفتنة ونشر الفوضى في العراق. أتمنّى أن أوفّق في تقديمها للجمهور.

بعد «ضيعة ضايعة 2» كان هناك عدّة أعمال للفضائية التربوية منها «حضارة العرب»، إضافةً إلى مسلسل «زلزال» إخراج محمد الشيخ نجيب، الذي أدّيتُ فيه شخصية درويش الحارة «درمش».

أنتَ من الأسماء المرتبطة بعمل كوميدي لاقى شعبية ساحقة على امتداد الوطن العربي هو «ضيعة ضايعة» بجزأيه من خلال شخصية «عادل الفسّاد». كيف تصف هذه التجربة؟

سبق أن شبّهتُ «ضيعة ضايعة» بالمولود الذي انتظرته أسرة بلا أطفال لـ 20 عاماً. «ضيعة ضايعة» عمل من صنيع البيئة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى. تفاصيل البيئة وطرافة اللهجة ساهمت إلى حدّ كبير بنجاح المسلسل، إضافةً إلى ارتباط معظم الممثلين المشاركين بالبيئة التي خرج منها. النسج تمّ على واقع افتراضي بحت، فالكل يعلم بعدم وجود مثل هذه اللهجة أو البحر في الجبل، والجميع مدرك لندرة مثل هذه الشخصيات النمطية الغرائبية وفرادة طريقتها في العيش، ولكن تمّ من خلال هذا النسيج الفريد ملامسة الواقع العربي والسوري وطرح أفكار وانتقادات بأسلوب حسّاس وصادق، وهذا تضافر مع حبّ العاملين والفنانين للعمل كله في تقديم إنتاج جيّد حاز على رضا الجمهور.

إذا صحّت عبارة: «عادل الفسّاد أشهر من عبد الناصر مرقبي». هل يزعجك الأمر؟

لا يزعجني لسبب بسيط هو أنّ «ناصر» مَن صنع «عادل» وليس العكس. هذا دليل نجاح، وأيّ فنان يتمنّاه. ما يسعدني أكثر بخصوص «عادل» هو حبّ الناس له رغم أنّه شخصية إشكالية في المجتمع السوري بصفته مخبراً. تحقيق هذا التوازن كان صعباً ومضنياً بالنسبة لي.

بصراحة، هل تخشى أن تكون شهرتك من خلال «عويدل» طفرة أو ذروة مؤقتة فقط؟

أبداً. رغم إدراكي للمشاكل الكثيرة المنتشرة في الوسط الفني، ولكنّني متفائل بالمستقبل، ولديّ إيمان بأنّ لكل مجتهد نصيب. قبل «ضيعة ضايعة» بسنوات، كان لي تجربة طيبة في مسلسل «البحر أيوب» بشخصية «الريّس عصام»، ولكن بعدها توقفتُ عن العمل التلفزيوني لصالح المسرح، لذلك أعتقد أنّ المستقبل أفضل.

شخصيات مسرحية كثيرة أدّيتها بسوية تُحسَب لك على مدى سنوات، إضافةً إلى عدّة مشاركات تلفزيونية. هل من العدل أن يعرفك الجمهور فقط بشخصية «عويدل الفسّاد»؟

بالتأكيد ليس عدلاً. سأتكلم عن نفسي هنا كلاماً طالما طالبتُ به. العمل الفردي لا يمكن أن يوازي عمل المؤسسات مهما عظم، ونحن تابعون لجهة تُدعى نقابة الفنانين باتت تحتاج لإعادة صياغة حقيقية. هذه النقابة غير مفعّلة فيما يخصّ الدراميين في حين أنّها تقدّم بعض الخدمات للموسيقيين. يجب أن تُعطَى فرص لكل الفنانين بعدالة ليتمكّن كل منهم من تقديم نفسه للجمهور. حجّة النجوم ورغبات الشركات والمخرجين تبقى واهية في ظل وجود نقابة يُفترَض أن تدافع عن جميع أعضائها، على اعتبار أنّ كلهم مؤهلون وفقاً لاختبار القبول الذي خضعوا له. الرعيل الأول قال إنّ النقابة قيد الإحداث، والآن يقولون إنّ النقابة أصبحت هرمة وبحاجة لدم جديد. هل يعني الدم الجديد أن نأتي بدم فاسد؟ هذا سؤال. النتيجة، للأسف، أنّ لدينا فنانين عاشوا ورحلوا دون أن يسمع بهم أحد. لماذا لدينا تصنيفات للممثلين دون مستوى الممتاز والجيد جداً والجيد؟ لماذا أوهم شخصاً بأنّه ممثل جيّد وأقبله في النقابة لزيادة عدد الأعضاء والأموال المحصّلة منهم ثم لا أقوم بتشغيله في أيّ عمل؟ هذا واقع مرفوض، وفيه ظلم للممثلين الجيّدين وحتى لهؤلاء المقبولين تحت تصنيفات مختلفة.

البعض يقول إنّه لا يحق للنقابة إجبار الشركات الخاصة على تشغيل ممثل معين، لأنّ لديها أيضاً حساباتها وتصنيفاتها وارتباطاتها مع الفضائيات المشترية لأعمالها..

يمكن للنقابة فعل ذلك كما قامت بإجبار المطاعم على تشغيل الموسيقيين من النقابة. عندما تضمّ النقابة الممثلين الممتازين والجيّدين فقط، يمكنها التحرّك بقوّة ودافع أكبر تجاه شركات الإنتاج وفق صيغ توافقية، كأن تقوم الشركة بانتقاء أسماء الصف الأول أو عدد معين من الممثلين من طرفها، والباقي يتمّ تشغيلهم بواسطة النقابة حصراً. أعتقد أنّ هذا التحرّك يمكن أن يحقق بعض العدالة للجميع.

طُرحَ هذا الموضوع منذ فترة في اجتماع للجنة صناعة السينما والتلفزيون مع شركات الإنتاج، بناءً على نقاشات مع نقابة الفنانين، فرفضته كل الشركات بلا استثناء. ما الحل إذاً؟

مشكلة مسؤولينا أنّهم يسمعون أفكاراً ويقومون بالعمل عليها بشكل ارتجالي غير ممنهَج. لا يمكن أن تقول النقابة لشركات الإنتاج: «لدينا 800 ممثل يجب أن تشغلوهم». هذا طرح مرفوض قطعاً. يجب أن تُدرَس صيغ قانونية تشاركية بين النقابة من جهة والقطاع العام وشركات الإنتاج من جهة ثانية، بما ينظّم العلاقة والالتزامات والحقوق بين الطرفَين، وبما لا يتعارض مع مصالح أيّ طرف. كنتُ من أوائل الذين دعوا لذلك، ولكن بعيداً عن الاعتباطية والارتجال والكلام الجميل فقط.

الكل يعلم أنّ الفضائيات العربيّة تطالب بممثلين محددين في العمل كشرط لشرائه. كيف يمكن أن تلزم شركة متعاقدة مع فضائية على الاتفاق مع النقابة على أمر خارج عن إرادتها أحياناً؟

الفضائيات تطالب بأسماء الصف الأول فقط، وهذا حقها. ما زال هناك أدوار صف ثان وثالث ورابع يمكن لبقية الممثلين أن يأخذوا فرصهم الحقيقية فيها، ومَن يثبت جدارةً سينتقل إلى صف أكثر تقدّماً، وهكذا إلى أن يصل إلى مرحلة ينضمّ فيها إلى «قائمة المطلوبين» من قبل هذه الفضائيات نفسها.

مجهودك واضح ولمساتك ظاهرة في الشخصيات التي تلعبها سواءً على المسرح أو التلفزيون. كيف تحضّر الشخصية عادةً؟

لا أسمح لنفسي بالذهاب للشخصية أو الاستسلام لها حتى لا تضيّعني، بل أصيّرها لتخدمني. أجلب الشخصية وأعاملها كالولد الصغير، فأعلمها الحبو والمشي وأكبّرها بالتدريج. أيضاً هناك البحث وطرح الأسئلة حول مفردات الشخصية وتأويلها وطريقة تفاعلها مع الآخرين، والسؤال الأهم: عندما تختلي هذه الشخصية بذاتها، بمَ تفكّر وماذا تفعل؟ كلها أساليب للوصول بالشخصية إلى النضوج والاكتمال.

أنت مستقرّ في اللاذقية بشكل دائم. هل تعتبر وجودك، مع الكثير من الفنانين، في المحافظات عائقاً آخر أمام التقدّم في المشوار الفني؟

طبعاً. ليس هذا السبب الوحيد. هناك أيضاً الشللية والمحسوبيات وأولوية العلاقات في الوسط الفني نفسه. المركزية هي المشكلة الأكبر، وهذا ما علينا تجاوزه في القرن الحادي والعشرين، ليس في الفن فقط، ولكن في كل المجالات. فلتتوزّع الوزارات خارج دمشق، ولتُلغَ المركزية لتفعيل كل المحافظات السورية. عندها سيختلف الحال في الفن والثقافة والإدارة والعلم وكل شيء.

لماذا لم تفكّر بالانتقال إلى دمشق من أجل فرص أفضل في العمل؟

لم ولن أفكّر بذلك، ولستُ مضطراً أصلاً. من حقّي أن أعيش في مدينتي وأن أحقق ذاتي انطلاقاً منها. عندما قدّمنا عرضاً مسرحياً (عرض «الممثل» إخراج لؤي شانا) في قصر الأمم المتحدة بسويسرا خرجنا من اللاذقية كممثلين عن سوريا كلها، وهذا ما أطمح إليه. يمكن للفنان أن يسافر من أجل عمل معين ويعود إلى بيته بعد الانتهاء منه، ولكن لن أنقل مقرّ إقامتي من أجل العمل والفرص. بالعكس، على الدولة أن تسعى لإلغاء المركزية ليحصل الجميع على فرصة. لا يمكن أن يترك كل فناني سوريا بيوتهم إلى دمشق. هذا غير منطقي.

هل تعتبر أنّ فناني المحافظات يُذكرون ويُطلبون ويحققون شهرة عند الحاجة إليهم في أعمال البيئة فقط؟

ربّما يكون هذا صحيحاً أحياناً، ولكن هناك عامل متعلق بالفنان نفسه وكيفية تقديمه لنفسه والطريق الذي يسلكه بعد هذه الشهرة. بعض زملائي في «ضيعة ضايعة» قدّموا أدواراً جيدة في أعمال أخرى بعد «ضيعة ضايعة»، ولكن نظراً للصدى الخاص الذي لاقاه هذا المسلسل عند الجمهور، اعتبر البعض أنّهم لم يقدّموا الكثير بعده. بالنسبة لي، شخصية «درمش» في مسلسل «زلزال» لا تقلّ أهميةً عن «عادل الفسّاد» في «ضيعة ضايعة»، وكل نجوم العمل ومخرجه أشادوا بأدائي فيها، ولكن ظروف عرض المسلسل الذي أنتجه التلفزيون السوري في الموسم الرمضاني المزدحم لم تكن جيدة بالقدر الكافي لتُشاهد كما يجب.

البعض يقول إنّ فناني المحافظات لم يتخلصوا تماماً من لهجاتهم، ما يؤثّر على إمكانية عرض كل الأدوار عليهم. كيف ترى هذه النقطة؟

هذا كلام مرفوض تماماً. بالنسبة لي، عملتُ في أعمال شامية وفلسطينية وعراقية وحتى إنكليزية باللكنة البريطانية دون أي مشكلة. هذا جزء ممّا يروّجه البعض في الوسط الفني حتى لا يعمل الجميع. خذ مثالاً العديد من نجوم الدراما السورية الذين خرجوا من اللاذقية مثل زهير رمضان وجهاد سعد وعابد فهد، كلهم يعملون في مختلف الأعمال بعيداً عن حسابات اللهجة الضيقة.

تفاءل الكثيرون بقيام الفضائية التربوية بتفعيل استديو اللاذقية واستخدامه لتصوير أعمالها بعد أن بقي مهمَلاً لسنوات، وبناءً عليه عمل عدد كبير من فناني اللاذقية وفنيّيها قبل أن يتوقف ذلك فجأةً. ما الذي حصل؟

الذي حصل أنّ جشع بعض الفنانين تحرّك مرة أخرى، لدرجة أنّ بعض النجوم المعروفين في دمشق ممَن لا تنقصهم الأدوار والشهرة باتوا يتصلون بالمخرجين ليعملوا في هذه الأعمال. يسعون للمشاركة في أيّ عمل، فيركضون نحو التلفزيون ويلهثون خلف الإذاعة، ولديهم وقت للدوبلاج مقابل 200 ليرة للمشهد الواحد. هذا عائد إلى الجشع والطمع والخوف من دخول أسماء جديدة على الخط، فهم لا يتحلون بالقدر الكافي من الثقة. شخصياً، تركتُ الدوبلاج نهائياً لأنّ غيري أحقّ، رغم أنّي كنتُ من أوائل الذين عملوا فيه. أزمة التدخل هذه تجاوزت الممثلين إلى الفنيين، فحرموا الكثير من الفنيين الأكفّاء في المحافظة من العمل. باختصار، يريدون تحويل اللاذقية، وأيّ محافظة، إلى «زنكة» من «زنكات» دمشق.

في نفس الإطار، قيل الكثير عن علاقة فناني اللاذقية ببعضهم وانقسامهم إلى شلل وتيارات مع وجود حروب وخلافات معروفة بين العديد منهم لدرجة كتابة التقارير ببعضهم وغير ذلك. لماذا وصل الوضع إلى هذا المستوى؟

هذا طبيعي في ظل الفراغ وعدم وجود عمل، وهي ليست حالة عامة وتبقى محصورةً ضمن مساحات معروفة. هناك غيرية إيجابية بين معظم فناني اللاذقية بما يدفعهم للعمل والإنتاج، وهذا رأيي وما أعرفه على الأقل.

ولكن الخلاف بينك وبين الفنان حسين عبّاس، الذي أدّى شخصية «حسّان» في «ضيعة ضايعة»، معروف، وهذا مثال..

الخلاف بيني وبينه شخصي وقديم ويتجاوز عمره 10 سنوات تقريباً، أي قبل «ضيعة ضايعة» بكثير، وكان منسياً ولا يذكره أحد. عاد الموضوع بعد عملنا معاً في «ضيعة ضايعة»، خصوصاً أنّ المشاهد المشتركة بيننا كانت ممتازة، فظهرت الغيرة الفنية التي تحدّثنا عنها وعاد الحديث مجدداً. هذا لم يمنع العمل في الجزء الثاني لاحقاً بسوية أفضل من كلينا، وهذا له علاقة بالاحترافية والمهنية، فعندما أعمل ضمن مجموعة عليّ أن أتجاوز كل  الأمور الشخصية في سبيل نجاح الكل والفرد.

بالحديث عن المسرح واللاذقية، البعض يرى، ويصرّ، أنّ اللاذقية تشهد حراكاً مسرحياً متميزاً عن باقي المحافظات بمهرجانات متخصصة ومتتالية وعدد مهم من المشتغلين، ما يجعلها مؤهلّةً لتكون عاصمةً مسرحية للبلاد. كيف ترى هذا الطرح؟

هذا طرح مهم، وفيه الكثير من الصواب. هناك نشاط مسرحي دائم ومهم في اللاذقية، وأنا قلتُ سابقاً إنّ لدينا نقص في المسارح قياساً إلى الكوادر والطاقات وعدد العروض الممكنة كل عام والجمهور الذوّاق والدؤوب على الحضور. 5 مسارح في اللاذقية يمكنها أن تعمل على مدار العام، وأنا مسؤول عن كلامي. لذلك، أرى أنّ اللاذقية جديرة بأن تكون عاصمة مسرحية للبلاد، وهذا أيضاً كلام الضيوف الذين يأتون من خارج سوريا.

حدّثنا عن العامَين اللذين انعزلتَ خلالهما للدراسة والاطّلاع واكتساب المعرفة. هل كانا نوعاً من التحضير الأكاديمي كونك لم تدرس في المعهد العالي للفنون المسرحية مثلاً؟

لا أنظر للموضوع على هذا النحو. هذه الفترة كانت نوعاً من التهيئة الذاتية لأدخل المسرح بشكل صحيح. لأفكّر بأفق مفتوح وعقل متقبّل لكل شيء دون رفض أو إلغاء مع القدرة على تحليل المضمون، وهذا من أرقى مراحل المعرفة والثقافة. إضافةً إلى القراءات المسرحية والنقدية، عدتُ إلى أساس الفكر والأسئلة الوجودية وما استطعتُ الحصول عليه عن عوالم الإنسان الداخلية وآلية التفكير والبحث والميثولوجيا والديانات ما قبل السماوية. ساعدني على ذلك الدراسات القرآنية والفقهية التي تلقيتها في معهد الأسد لتحفيظ القرآن الكريم، ووصلتُ إلى القناعة التي ذكرتُها بأنّ الفرد لا يصنع مجتمعاً، بل المؤسسة تفعل كتكوين وحراك جماعي.

هناك طموح فني تذكره دائماً. ما هو؟

دراسة السينما هاجس دائم عندي. ربّما أصل إلى سنّ السبعين وأبدأ دراستي هذه.

ما هو وضعك العائلي؟


متزوّج ولديّ طفلان: ورد (8 سنوات) وسام (سنة واحدة).

كلمة أخيرة من خلال «بوسطة»..

احذروا من القادم، وانتبهوا أنّ التغيير يبدأ من الفرد، ويتمّ من الداخل وليس من الخارج. لا تضعوا حدوداً لطموحاتكم، وليكن أفقكم مفتوحاً على كل الاحتمالات والخيارات. نحن جديرون بالحياة كأشخاص وكبلد. كل المحبة لموقع «بوسطة» ومتابعيه.