2014/03/09

بعد "مملكة السماء" يتصدر أسماء أبطال "النبي موسى"
بعد "مملكة السماء" يتصدر أسماء أبطال "النبي موسى"

 

سناء بزيع – دار الخليج

 

 

فنان عالميٌ عربيٌ بامتياز، وقف على خشبات المسارح وفي شاشات السينما والتلفزيون متوجاً بأحلامه، مفتوناً بشخوص أعماله حتى الهذيان، غير مدرك بأن مسرح حياته سيثقل بالوجع . لم يكن يعلم أن ذاك الطفل الباحث عما وراء الجبل سيبحث لاحقاً عن بلده في أكوام الحكايا، وأن تلاوين الأزهار في طفولته ستصير تلاوين غبار، وإن تلك الأرض التي أورثته شغفه ستورثه حزناً وفقداً وصوراً، وصراخاً مخنوقاً في طرقات الشام .

صامتٌ في أوج هذا الصراخ، لا أرض تتسع لوحدته، لا مطر يبلل هذا اليباس، فقط حنينٌ يمتد من دمشق إلى غرب القلب، فيرجعه الصدى شرقاً حيث تهيم الروح .

* غسان مسعود . . لك تعريفاتك الخاصة للفن؟

- الفن زيفٌ نمرر على سطحه الحقيقة، ليس في تحويرها وقلبها، أنا بذلك أمدح الفن، لأن الخيال هو حصان الكذب، ومن يملك الخيال هم الشعراء والفنانون، لذلك طرد أفلاطون الشعراء من جمهوريته، ومن ثم ذم الإسلام الشعراء بقوله تعالى في القرآن الكريم: "الشعراء يتبعهم الغاوون" .

* ما الهدف من الفن إذا كان كذبة؟

- هذه فلسفة الفن وليست كذبة، هي فلسفة الشعر، وهي أيضاً ليست كذبة . الفن هو وسيلتنا للوصول إلى الناس، إلى عقولهم وقلوبهم، وبالفن نحول حياتهم إلى ملهاة أو مأساة . الفن والتمثيل تحديداً هو أحد أشكال التعبير والإبداع الذي يسهم في إعلاء أو إلغاء القيم، فالفن ضروري لخلق خيال مواز للخيال الشعبي كي نتقبل الحياة بعيوبها وحسناتها، بجمالها وقباحتها، بصعوبتها وسهولتها، كل هذا في الوقت نفسه، وتقبل الآخر بكل تناقضاته واختلافاته، بمواجهة كل هذه التناقضات تأتي الحالة الفنية لتمنحها القبول . من هنا تأتي ضرورة الفن والشعر كونها زيفٌ نمرر على سطحه الحقيقة فينتج عنها عمل ناجح .

* لقريتك الواقعة في محافظة طرطوس السورية أثر فيما وصلت إليه . هل تعتبر أن حلم الطفولة يتحقق بالمصادفة، أو بجرعة زائدة من الطموح؟

- إن وعيت هذا الحلم أكون كاذباً . ما بقي في ذاكرتي صورة الجبل وهو يسد الأفق . حين كنت أنظر إلى ذلك الجبل كان يخيل إلي أنه نهاية العالم، وكانت أقصى أحلامي في ذلك الوقت الوصول إلى قمته . ومع مرور الوقت، أي بعد أن بلغت الثامنة من عمري، اكتشفت أن ذلك الجبل لا يبعد عن بيتنا سوى 3 كلم، ولا يلزمنا سوى خطوات قليلة حتى يصبح الجبل خلفنا . إن صورة الجبل هذه أنتجت بداية الحلم، لم أدرك حينها لمن أنتمي، إلى فكرة المطر والثلج وجنون الربيع لأزهاره وتلاوينه في ابريل/نيسان لا أستطيع تفسير علاقتي مع هذه الصور التي لا تفارقني، من سقوط المطر فوق الأرض المحروثة والروائح التي تنبعث من التراب، بينما أمي وإخوتي يسابقون المطر الآتي من البعيد ونحن نراه مقبلاً باتجاهنا . لإنزال المونة والمحاصيل عن السطوح . لم أنس صدى المطر في الوديان وانسياب المياه من المزاريب وترنيمة الجداول احتفالاً بولادتها من جديد . . كل هذه المشاهدات كان لها أثر بالغ في نفسي للتوجه إلى الفن وليس إلى التمثيل ولا الإخراج .

* ما الرابط بين الفن والحلم واللون والشكل؟

- وعيي صاخب بمخزون واف من الأحلام والألوان والأشكال . هذه الخلطة العجيبة كانت يمكن أن تترجم بالشعر أو بالمسرح أو بالموسيقى، أو بالرسم مع أنني في البدايات كنت أرسم بشكل مقبول ومعقول، لكن فيما بعد تخليت عن الرسم من أجل المسرح . ما قلته سابقاً كان مقدمة منطقية لنتيجة منطقية بأن أتوجه صوب الفن والخيال، من هنا جاء تعريفي للفن بأنه تجارة الأحلام، فأنا أسرد أحلامي للآخرين .

* بين دمشق وهوليوود مسافة شاسعة . . وأنت وصلت إلى هوليوود، أي إلى العالمية، بعد أن أثبت موهبتك في دمشق، حدثنا عن هذه التجربة؟ .

- عندما ذهبت إلى هوليوود، لم أكن صغيراً وكنت قد أنجزت ما أنجزت في بلدي، ذهبت إلى هناك بعد أن وقفت في دمشق على أرض صلبة، لذلك لم أخدع ولم أنبهر، ولم أكتشف نفسي هناك لأنني أعرفها تماماً . سألوني كيف تستطيع أن تتعايش مع حالة الفن في بلدك بعد أن ذقت حلاوة هوليوود؟ أجبتهم: إن أي فنان في العالم يحلم بالعالمية وهذا ما لا أنكره، والعالمية باختصار هي مفهوم "ماركيتينغ" أي تسويق، وهوليوود تسوق حول العالم بتقنيات مجنونة وبالتالي احتكرت مفهوم العالمية .

* ألم يغرك الفيلم الأول "مملكة السماء" لتخطفك أضواء هوليوود والبقاء هناك؟

- بصراحة أبداً . . بعد انتهاء التصوير عدت إلى قريتي، وعندما سألوني لماذا تركت أضواء أمريكا الساطعة؟ قلت لهم: من وجدني في الفيلم الأول يستطيع أن يجدني أينما كنت إن أرادني حقاً، لذلك يقال: طالب الولاية لا يولى . أنا وصلت إلى هوليوود وأنا كبير في السن، وكنت أحمل معي تجربتي ومعرفتي بصناعة السينما، لذلك وعيت القصة والخداع البصري ولم أمكث هناك لاصطياد الفرص التي يمكن أن تأتي ولا تأتي، لا أريد أن أكون عالمياً على هذا النحو بل أريد أن أثبت نفسي في بلدي وبيئتي ومجتمعي، وربما السبب الرئيسي لعودتي لوطني هو وعيي الكامل بأن هوليوود اختارتني وأنا في هذا العمر، وهذا يختلف فيما لو اختارتني وأنا في الخامسة والعشرين من عمري، لذلك لن أرتهن لوهم قد لا يكون حقيقياً، وقد يصح لعدة مرات لكن لن يصح كمشوار عمر، فلماذا أربط مصيري بهذا الوهم؟ لذا أنا أتعامل مع هذا الموضوع كأنه يحدث في دمشق

* هل العالمية لقب وماذا يعني أن تكون عالمياً؟

- أنا لم ولن أذكر كلمة عالمية على الإطلاق، ولكن الناس عندما يقررون شيئاً لا يستشيروننا فيه، وكذلك عندما يسحبون منا ألقابنا لا يستشيروننا، الناس والإعلام والنقاد منحوني هذا اللقب وأنا شاكر لهم، لكني لن أقول عن نفسي إني عالمي .

* هل هذا تواضع؟

- هذه واقعية ووعي، نعم أعرف ما قمت به وأعرف ما وصلت إليه من علاقات تربطني بمشاهير السينما العالمية، ولكن لن أدّعي هذا اللقب لنفسي؟

* ماذا عن آخر أفلامك "النبي موسى" الذي انتهيت للتو من تصويره؟

- فيلم "النبي موسى" للمخرج ريدلي سكوت، هو الفيلم الثاني الذي أتعاون به مع هذا المخرج الذي تربطني به علاقة جيدة جداً، دوري في الفيلم هو مستشار فرعون الذي يعيش زمنين: زمن رمسيس، وزمن والده، وأنا في هذا الفيلم أقوم بدورين أو شخصيتين، الدور الأول شخصية المستشار، والدور الثاني الشاهد على عصره، والذي أبدو فيه صامتاً طوال الوقت مراقباً، وهذا صعب لأنه عليّ أن أعبّر بملامح وجهي وليس بالكلمات عما يدور من أحداث، هذه الشخصية أتعبتني أكثر من الأولى، وهنا لا أخفيك بأنني حينما فسّر لي المخرج الدور وأهميته أسعدتني الفكرة لأنها فكرة جديدة بالنسبة لي .

* سنوات عدة تفصلنا عن وصول نجم عربي إلى العالمية . هل هذا كافٍ وما هو المطلوب من السينما العربية لتقترب من العالمية؟

- عام 2007 راودتني فكرة فيلم عن شاعر عربي مهم هو المتنبي، وفكرة حوار الحضارات، وكيف نقدم صورة عن ثقافتنا وحضارتنا وإسلامنا غير الصورة النمطية الموجودة عند الغرب . لم يكن أمامي سوى المتنبي وعصره فأسسنا لهذه الفكرة، وهي عبارة عن نص . جلست مع كثيرين من أصحاب القرار في العالم العربي لأقول لهم التالي: "ألا تريدون للأمة أن تحضر على شاشات العالم بشخصية المتنبي وشعره وثقافته وزمنه، وذلك لتغيير الفكرة النمطية التي يحملها الغرب عن العروبة والإسلام . أخبرتهم عن كلفة الفيلم أي ما يقارب 20 مليون دولار . وتدخل في صناعة هذا الفيلم التقنيات العالية في هوليوود ونستعين بنجم من نجومها ويسوق لهذا الفيلم عالمياً . كنت أجد الحماسة لفكرة الفيلم، لكن كلام الليل يمحوه النهار . عشت هذا الحلم الكسيح من ذلك الوقت حتى اليوم ولم أر على أرض الواقع من انتصر لهذا الرقم الذي هو رقم سخيف في خزائن الدول والأثرياء العرب" .

* بالعودة للمحلية قدمت عدداً من الأعمال الناجحة في سوريا والعالم العربي في المسرح والسينما والدراما . هل أنت خائف من أن يطالها الخراب كما يطال كل شيء؟

- إن لم يطل الدمار هذه الأعمال وهي في خزائن المحطات سيطال صانعي الأعمال، وعندما تدمرين صانع الأحلام فأنتِ تدمرين الأحلام المتبقية أو غير المكتملة أو المؤجلة، وذلك كمن يقصد نبعاً ويرمي به سماً .

* ما العمل إذن لننأى بالثقافة والفن عن هذا الخراب؟ .

- لا أريد أن أكون طوباوياً أكثر من اللازم لأن الواقع أقسى من أية طوباوية، ما حصل ويحصل مخيف جداً لأن الجسم الثقافي كان هشاً كالزجاج من نقرة عليه انهار وتحول إلى شظايا . هذا صعقني وصدمني وأشعرني بمرارة لا تنتهي .