2012/07/04

فانتازيا تاريخية
فانتازيا تاريخية


راسم المدهون – دار الحياة

بين حلول فنية وفكرية متعدّدة، كانت «الفانتازيا التاريخية» حاضرة فـــــــي الدراما التلفزيونية العربية، في صورة لافتة لأكثر من عقد طويل، تحققت خلاله أعمال كثيرة نجحت في اجتذاب المشاهدين على نحو غير مسبوق. والواضح ان تلك التجارب حققت حضورها الفني بالاتكاء على ما تمتلكه الصورة من جماليات ومن قدرة على أن توظف الشكل الفني لصالحها.

مع ذلك، يمكن القول إن «الفانتازيا التاريخية» لم تستطع أن تعمّر طويلاً، فهي اختفت بسرعة تماماً مثلما صعدت فجأة وحققت نجاحاتها بسرعة. أسباب النجاح الخاطف كانت هي ذاتها عوامل الاختفاء السريع وشبه النهائي الذي يعيشه هذا اللون من الفن الدرامي. يقول كثر من النقاد إن أزمة «الفانتازيا التاريخية» جاءت ممن اعتبره المنحازون اليها نقطة قوّتها، أي اعتبار الصورة هي الوسيلة والغاية على حد سواء: هنا بالذات تشير معظم القراءات النقدية إلى فشل الفانتازيا التاريخية في التعامل مع الصورة على نحو حيوي. فهي مالت غالباً إلى استثمار الصورة في معزل عن علاقتها بالمضامين الفكرية التي يفترض أن تحملها وتعبر هنا.

وهكذا بدت الصورة التلفزيونية «غير درامية»، أو مجرد زينة لا علاقة لها بالسياق الدرامي. فلم تلبث أن فقدت قوّة تأثيرها ففقدت معها الدراما كثيراً من عوامل قوّتها في العلاقة مع مشاهديها.

كانت أبرز ذرائع «الدراما التاريخية» الأعمال المسرحية الخالدة للكاتب الإنكليزي وليم شكسبير التي رأى محققو الفانتازيا أنها مرجعيتهم في واحدة من أهم مواصفات هذه الدراما المعاصرة، وهي غياب الزمان والمكان، أو أحيانا افتراضيّتهما، وعلى نحو يدفع السياق الدرامي كله في اتجاه الحكاية ومفاهيمها بغض النظر عن زمان أو مكان حضورها ما دامت الغاية تقديم قضايا إنسانية واجتماعية لا تتبدّل عبر الأزمنة والأماكن. هي وجهة نظر على كل حال، ومع ذلك لم تمنع هذه «العودة» إلى شكسبير من وقوع «الفانتازيا التاريخية» العربية في مأزق «الحدوتة»، أي في تجريد السرد الدرامي من مناخه الاجتماعي الذي لا ينفصل بيسر عن المكان أو الزمان.

بدأت «الفانتازيا التاريخية» بمسلسل «غضب الصحراء» الذي كتبه هاني السعدي وأخرجه هيثم حقي في تجربة يتيمة له مع هذا اللون، ولكنها ازدهرت مع هاني السعدي ونجدت أنزور بعد ذلك ابتداء بمسلسلهما «الجوارح».

وكانت تجربة لها عشاقها ومن تابعوها بشغف واهتمام، لكنها خبت بسرعة فائقة لتصعد موجات أخرى كانت على اختلافها تتميز بواقعيتها وباقترابها من الحياة بأمكنتها وأزمنتها.