2012/07/04

	فضائية «نسمة» التونسية وديمقراطية الربيع العربي...المبدأ الإقصائي سيسعى دوماً إلى البقاء
فضائية «نسمة» التونسية وديمقراطية الربيع العربي...المبدأ الإقصائي سيسعى دوماً إلى البقاء


جوان جان – الوطن السورية

لا يمكن بأي حال من الأحوال فصل الاعتداء الذي جرى مؤخراً على فضائية «نسمة» التونسية الخاصة على خلفية عرضها فيلماً كارتونياً عن سلسلة الاعتداءات التي تعرّضت لها فضائيات ووسائل إعلام عربية في السنوات الأخيرة من دول وجماعات وجهات تدّعي الديمقراطية وتتشدّق بالدفاع عن حقوق الإنسان وحرية التعبير، لكنها على أرض الواقع تسلك سلوكاً منافياً بالمطلَق لكل ما من شأنه أن يمت للإنسان وحقوقه وحريته، بل آدميته بصلة.

وفي عودة سريعة إلى ما تعرّضت له فضائيات ووسائل إعلام من عمليات بطش قبل استعراض قضية فضائية «نسمة» التونسية لنا أن نتذكر ما تعرّضت له فضائية «المنار» اللبنانية أثناء وعقب عدوان تموز 2006 على يد الجيش الإسرائيلي أولاً الذي قصف مقر القناة لإسكاتها ومنعها من إيصال حقيقة العدوان الإسرائيلي على لبنان، وعلى يد الأوروبيين ثانياً الذين تماهوا مع السلوك الإسرائيلي بدل إدانته فمنعوا القناة من الوصول إلى المشاهد الأوروبي بسبب قيامها بـ«التحريض» وهي الكلمة التي يستخدمها الأوروبيون حينما يضيقون ذرعاً بوسائل الإعلام التي تسعى لنشر الحقيقة، وهو ما جرى مؤخراً وبشكل مشابه مع فضائية «الدنيا» التي تم منعها من البث الأوروبي للسبب نفسه (التحريض) ونحن على ثقة بأن الأوروبيين أنفسهم لن يستطيعوا تقديم دليل واحد على (التحريض) الذي تقوم به فضائية «الدنيا» لأن الأوامر تقول حاصروا هذه القناة، ولسان حالهم يقول سمعنا ونفّذنا.

ولنا أن نتذكر هنا أيضاً القصف الذي تعرضت له فضائية عربية قبل أشهر من الطائرات الحربية الناتوية بحجة مثيرة للضحك وهي أن هذه القناة تعمل على إخافة الشعب، وهو بالطبع الشعب نفسه الذي قتلوا من أبنائه أكثر من خمسين ألفاً خلال أسابيع قليلة بهدف تحريره، ليتبيّن أن الهدف كان تحريره من حقه في الحياة.

ويأتي في الإطار نفسه ما تتعرض له بعض وسائل الإعلام والفضائيات من استبعاد وطرد من بعض المؤتمرات والتجمّعات، وهو سلوك لا يمكن بالطبع مقارنته بالقصف الجوّي، لكن المبدأ الإقصائي والإلغائي يبقى واحداً ولن يوفر هؤلاء فرصة استخدام القصف الجوي بحق وسائل الإعلام التي لا تروق لهم عندما تتوافر الظروف المواتية.

أما فضائية «نسمة» التونسية فذنبها أنها عرضت فيلماً كارتونياً استنتج بعض محدودي التفكير أنه مسيء، فما كان منهم إلا أن نزلوا إلى الشوارع بشكل سلمي مطالبين برأس القناة، فاستلوا أسلحتهم وقاموا بمهاجمة مقر القناة، ولم يكتفوا بذلك بل قاموا أيضاً بمهاجمة منزل مدير القناة فألقوا عليه القنابل الحارقة وقنابل المولوتوف السلمية ما كاد أن يتسبب بكارثة لعائلة الرجل التي نجت من الموت بأعجوبة بعد أن هرب أفرادها من الباب الخلفي، وقد أدى الهجوم حسب مصوّر لوكالة فرانس برس إلى إحراق جزء من المنزل، كما أكد أحد الجيران أن مجموعة المهاجمين فاق عددهم مئة شخص وصلت إلى البيت وهي مسلّحة بسكاكين وسيوف وابتدأت هجومها السلمي على البيت ما أدى إلى إصابة الخادمة بجروح نُقِلَت على إثرها إلى المشفى، وقد تم إطلاق سراح بعض من تمّ توقيفهم على خلفية الهجوم، ربما خوفاً من منظمات حقوق الإنسان الدولية التي ستعتبرهم ناشطين حقوقيين يدافعون عن حرية الرأي والتعبير.

مدير القناة صرّح بعد الحادثة أنه مصدوم مما جرى وأنه يخاف على عائلته من عودة المهاجمين للاعتداء على البيت مرة أخرى، ولم يجد الرجل مناصاً من تقديم اعتذار على بث الفيلم، لكن الاعتذار لم يفعل شيئاً في ترطيب النفوس المستعرة والثائرة من أجل كرامتها ضد فيلم كارتون.

ولم يقتصر الأمر على الاعتداء على منزل مدير القناة، فقد انتشرت تظاهرات التنديد بـفيلم الكارتون في عدة مناطق في تونس، علماً أن أحداً من المشاركين في هذه التظاهرات لم يسبق له أن شارك في تظاهرة واحدة بسبب العدوان الإسرائيلي الدائم على الأرض والمقدّسات، وهو الأمر الذي دفع معلّقاً تونسياً إلى القول إن القناة المذكورة لو عرضت فيلماً إسرائيلياً يبرر احتلال الأرض لما تحرّك هؤلاء معترضين لأن دورهم المرسوم لهم لا يتعدّى الدائرة التي يتحركون داخل إطارها، دائرة التخويف والترهيب.

الجانب المضيء من المجتمع التونسي لم يسكت على هذه المهزلة فانطلق إلى الشارع معلناً رفضه لمحاولات تكميم الأفواه التي يقوم بها فرسان الربيع العربي، وقد عنْوَن المحتجون على هذا الترهيب الإعلامي مسيرتهم بـ«اعتقني» أي «حل عني» على بساط أحمدي.

من جهتهم لم يتوانَ صبيان الفيس بوك عن الدخول على الخط فأطلقوا صفحة تستهدف قناة «نسمة» وصلت إلى حد إهدار دماء العاملين فيها، وهو الأمر الذي لم يستفز بطبيعة الحال منظمات الصحافة بلا حدود التي ربما تعتقد أن إهدار الدماء جزء ضروري من عملية التحوّل الديمقراطي التي تشهدها دول العالم الثالث.

وسبق للمجموعة نفسها أن هاجمت قبل فترة داراً للسينما وجامعة.. يأتي هذا في ظل ما تحدّثوا عنه من اندحار لزمن الاستبداد والطغيان وانبعاث لفجر الحريات التي وصلت إلى حد لم تعد معه مقولة «تنتهي حريتي عندما تبدأ حرية الآخرين» مقبولة لتسيطر على التفكير والسلوك مقولة «لي الحرية في أن أفعل أي شيء وكل شيء» فإذا كانت هذه الأساليب هي التي سترسم مسار البلاد العربية في الفترة القادمة فنِعْمَ الحرية هي، ونِعْمَ الأحرار هم.