2013/05/29

فنانون يسردون تاريخهم... على هواهم
فنانون يسردون تاريخهم... على هواهم


ماهر منصور – السفير

سنكون على موعد مع مسلسلات سيرة ذاتية بالجملة، خلال المواسم الدرامية القادمة. وهذا ما تعدنا به اليوم، تصريحات عدد من نجوم التمثيل والغناء والرقص أيضاً. فقد اتفقت المنتجة ناهد فريد شوقي مع كاتب السيناريو بشير الديك على كتابة مسلسل عن سيرة والديها الراحلين فريد شوقي وهدى سلطان. ويتناول العمل بالتحديد قصة صعود الفنانين الراحلين وقصة حبهما أيضاً، وذلك بحسب الخبر الذي تناقلته وسائل الإعلام. ومن المنتظر أيضاً أن تعكف الممثلة والراقصة نجوى فؤاد على كتابة مذكراتها حتى تكون حياتها هي الأخرى قصةً لعمل تلفزيوني "يخلّدها"، بحسب تعبيرها. وفي هذا الوقت قال أحد أبناء الفنان وديع الصافي، إن العائلة بصدد اختيار السيناريو المناسب لسيرة حياة والده، لتكون فيلماً سينمائياً، ينفذ بإشراف العائلة. ولا تزال الصراعات محتدمةً حول من سيجسّد شخصية وردة، في المسلسل الذي سيتناول سيرة حياة الفنانة الجزائرية الراحلة، وسيشرف على تنفيذه ابنها رياض.

والمسلسلات على هذا النحو، تعدنا بسير ذاتية كثيرة الدسم خالية من العيوب، ما دامت ستكتب وتمثل بإشراف أصحابها أو ورثتهم. وبالتالي لا مكان فيها إلا للون الأبيض، وأكثر من ذلك لا مكان فيها إلا لبشر بحلة الملائكة.

وإن كانت مسلسلات السيرة الذاتية عوّدتنا على حالات تطهيرية لأبطالها، سواء بتجنُّب الجوانب السلبية في حياتهم أو تبريرها، فإن ما تعدنا به المسلسلات القادمة هي حالة من التزوير. إذ لن يكتفي أصحابها بتنحية الجوانب السلبية من حياتهم وحسب، وإنما سيعمدون إلى كتابة حيوات لم يعيشوها، وسيغيرون في حيوات من عايشوهم، وفقاً لما يخدم روايتهم الشخصية، ويرضي الأنا لديهم، وهي "أنا" متضخمة أصلاً، فكيف إن أتيح لها التحكّم بمصائر الناس حولها.

المثير للسخرية ليس في سير يكتبها صاحبها عن نفسه وعمّن عاصرهم، وإنما في الأهمية الحقيقية لتلك السيرة، وإمكان تحويلها إلى دراما. فكل فنان معجب بحياته الشخصية، لكن ما ذنبنا نحن؟ هو يعتقد أن في تجربته ما يجب على الناس معرفته ومتابعته، وحتى التعلّم منه، ولكن أي منها يهم الناس حقاً؟ ألا يغدو الفنان خلف الكاميرا مثل أي منا؟ وقد تنطوي أيام إنسان آخر يعيش على هامش الحياة على صراع درامي وإثارة، ما يفوق ما في حياة هذا الفنان بكثير. ولماذا إذاً، لا يفوّت الفنانون فرصةً لتحذيرنا، من أن حياتهم شأن شخصي، علينا عدم المساس بها؟ ولماذا يقرر فجأةً أنه يريدنا أن نعيشها معه؟

لا شك أن كل من وردت أسماؤهم أعلاه، هم من أساطين العرب في التمثيل والطرب والرقص. ولكن أي منهم يمتلك الجرأة ليقول أنه صنع أسطورته وحده؟ أليس المجالات الفنية التي برعوا فيها، تقوم على العمل الجماعي؟ ألم يكتف بعضهم بدور المؤدي لما كتبه ولحّنه سواه؟ وخارج الإطار الفني لهؤلاء، ما القيمة الحياتية الدرامية في حياة نجوى فؤاد أو وديع الصافي أو وردة أو فريد شوقي وهدى سلطان أو سواهم، وكلّهم لم يكن لهم أي دور سياسي أو اجتماعي واضح في الأزمنة التي عايشوها، كما كان الحال مع أم كلثوم، وأسمهان، وجبران خليل جبران، ومحمود درويش، وتحية كاريوكا، وصباح... فسيرة هؤلاء حين صيغت درامياً، كانت تلقي الضوء على مرحلة سياسية واجتماعية عاشوا فيها وأثّروا بها. فأي جدل سياسي أو اجتماعي ستثيره دراما سيرة يكتبها أصحابها؟ ألا تكفينا بطولات على الورق، أبطالها وهميون؟ أم أن تاريخنا لم يشبع تزويراً بعد، ويجب علينا أن نتخمه بأساطير كاذبة عن الفن وأهله؟