2012/07/04

فيروز والأخوان رحباني.. ودرسٌ عمره أكثر من خمسين عاماً
فيروز والأخوان رحباني.. ودرسٌ عمره أكثر من خمسين عاماً

عهـد صـبيحة


في تسجيل نادر يعود إلى العام 1956، تلتقي إذاعة صوت العرب بالسيدة فيروز والأخوين رحباني في ذروة عطائهم الفني المشترك، (هذا اللقاء تقدمه لكم بوسطة في ذاكرة السَمَع)، وبعد استماعي للحوار لعدة مرات وجدتُ أنه يستحق الإشارة والتنويه والحديث عنه، وهذا ما سأفعله في السطور التالية.

تسأل المذيعةُ السيدةَ فيروز في بداية اللقاء عن علاقتها بمصر فتجيب سفيرتنا إلى النجوم، في جملتين، بأن أيام زواجها الأولى قضتها في مصر وأنها في السنة السابقة سجلت بعض الأغاني في استوديوهات صوت العرب. ذاك كان الاسترسال الوحيد في الكلام للسيدة فيروز في هذا الجزء المسجّل من الحوار النادر، فبعدَها استأثر الأخوان عاصي ومنصور بالإجابة على الأسئلة بطريقة قد يراها المتابع لحال  فيروز مع أبناء عائلة رحباني هذه الأيام بأنه استبداد مارسه الاثنان على كلامها، وقد يرى فيها خجلاً عُرفت به فيروز، ولا زالت، خجل جعلها نادرة الظهور في وسائل الإعلام، وخصوصاً بعد الحملة الأخيرة التي أصابتها بسبب علاقتها المالية غير الواضحة مع أبناء منصور أحد أهرامات اللقاء الذي نتحدث عنه، والحديث عن محاكمٍ ومنعٍ من الغناء، كما سمعنا أخيراً، الأمرَ الذي استنفر جمهوراً من المثقفين دفاعاً عن الصوت الملائكي، وفي هذا الشأن مقالٌ ومقامٌ آخرين.

أعود إلى تسجيلنا ففيه، وبتناوب رائع، يجيب الأخوان رحباني على أسئلة المذيعة فيشرحان سببَ تسمية بلدتهما "أنطلياس" بهذا الاسم ويعرضان تاريخ البلدة السياسي وبعض ملامحها الجغرافية التي صبغت ألوانها على قصائد الأخوين كما فعلت طبيعة لبنان، وسمّيا هذا النوع بـ "اللون الوصفي" في التأليف واللحن، وقدما مثالاً أغنية "نحنا والقمر جيران" وأنهيا هذا الجزء من الحوار بقصيدة للشاعر الكبير سعيد عقل "وقرىً من زمرّدٍ عالقاتٍ".

في الجزء الأخير من هذا التسجيل النادر نستكشف بلسان الأخوين، أنواع الغناء في لبنان الذي يقسم إلى ثلاثة أقسام: أولاً غناء الفولكلور، وهو غناء وراثي لا يُعرَف صاحبُ لحنه، ثم الأغاني المستوحاة من أغاني الشعب وتنهج نهجها، وأخيراً وثبة لبنان الجديدة في الغناء، وهو غناء مبني على أصولٍ حديثة المنهج، أما أغاني الفولكلور اللبناني فتقسم أيضاً إلى أقسام ثلاثة: فولكلور فيه رجولة، وهو نادر في أي فولكلور في العالم، والفولكلور العاطفي، والفولكلور الحزين، ويضربان لنا أمثلة وافية الشرح لأغنيات "مشق الزعرورة"، و"عالهدا"، و"البنت الشلبية".

قدّم الأخوان رحباني ومعهما السيدة فيروز محاضرةً غنية ممتعة في السياسة والتاريخ والجغرافية والشعر والغناء في ثماني عشرة دقيقة في برنامج إذاعي قبل خمسين عاماً، وأظن أن في الأمر مفارقة غريبة في زمننا الذي سيطرت على فضائياته برامج منوعات ضخمة بإمكانيات لا توصف ولا نجد فيها برنامجاً واحداً قادراً على حملك على التسمّر أمامَه لأكثر من عشر دقائق! وأكاد أجزم أن أحداً من مطربي أو مطربات هذا الزمن لا يستطيع الإجابة على سؤال واحد من الأسئلة السالفة الذكر في تسجيلنا حتى ولو كان سؤالاً تافهاً عن معنى اسم بلده التي نشأ فيها!!

وصفتُ ثماني عشرة دقيقة كفيلة بجعلك تأسف على زمنٍ ولّى، أو... ربما، تشعل سيجارة وتنسى كل هذا الهراء وتقلّب جهاز التحكم بين محطات "الهشّك بشّك".


[email protected]

للإستماع للمقابلة كاملة

{play}images/music/songs/faerouz1956.mp3{/play}