2012/07/04

«فيروس البيزنس» يضرب «قلب» الدراما المصرية
«فيروس البيزنس» يضرب «قلب» الدراما المصرية

5حواس - البيان جدل كبير يُثار حول الدراما المصرية ذات الباع الطويل والخبرات الكبيرة على الخريطة العربية، هل لاتزال على حالها من التميز والانتشار في كل بيت عربي كما كانت قبل عقد أو عقدين من الزمان، أم أنها انسحبت على استحياء تاركة الريادة للدراما السورية، بل الخليجية والتركية التي بدأت تحقق نجاحات متتالية في فضاء الدراما العربية.. الغريب أنك تجد آراء من الصعب أن تلتقي؛ فبين قائل إن الريادة كانت مصرية، وستظل كذلك، وبين متشبث بلفظة «كانت» ، مؤكدًا أنها التعبير الأدق لحال الدراما المصرية التي باتت تاريخًا، بينما الحاضر لم يعد حليفها، وبين قائل بأنها تمر بكبوات عديدة، لكنها لاتزال قادرة على الحفاظ على مكانتها، تفاصيل أكثر في السطور التالية...منذ بزوغ نجم الدراما السورية، وإقبال كثير من المشاهدين العرب عليها، إضافة إلى رواج الدراما التركية، باتت الشكوك متعاقبة حول مصير الدراما المصرية، ففيما قال البعض بتراجع مستواها واكتفائها بالعيش على أمجاد الماضي، مستندين في ذلك إلى نتائج المهرجانات التي عُقدت في الأعوام الأخيرة.والتي خرجت فيها الجوائز إلى جنسيات أخرى في الوطن العربي، رأى آخرون أن المشكلة لم تصل بعد إلى درجة «الأزمة»، بدليل ثراء موضوعاتها، والكم الهائل الذي تنتجه، والذي يصل إلى 60 مسلسلاً في العام..وهذا ما يؤكده السيناريست فيصل ندا، الذي حمل الإعلانات الجزء الأكبر من أزمة الدراما المصرية الرائدة، وذلك بتحكُّمها في الأعمال، وقال: «إن مصر رائدة الدراما العربية منذ العام 1961، عندما قدمت للعالم العربي مسلسل «هارب من الأيام»، ووقتها لم يكن يعلم العرب معنى كلمة مسلسل».. لكنه في الوقت نفسه أبدى تحفظًا على الدراما المصرية بشكلها الحالي، واتهمها ببيع نفسها إلى شركات الإعلانات، التي تحكمت في موضوعات الدراما وأفكارها. وأضاف أن الفضائيات لا يعنيها سوى الإعلان فقط، وأكد أنه لا بد من مواجهة «فيروس» الإعلانات الذي أصابها في مقتل، بالإضافة إلى القضاء على ظاهرة تحكم النجم «الممثل» في الدراما، ومضمون الفكرة، وهذا يحدث في مصر أكثر مما هو موجود في البلدان العربية. دراما أصيلة ويُبدي ندا حسرته على عصر الدراما الأصيلة، عندما كان المؤلف والمخرج هما أساس العمل، كما رفض فكرة التفرقة بين مصر والدول العربية من حيث أسبقية كل منهما في الوصول إلى عرش الدراما العربية، فالتاريخ يؤكد جدارة مصر. لكن للأسف لم تلبث هذه الجدارة أن تستمر في مكانتها المعهودة، حتى أصابها الوهن نتيجة الإعلانات، مثلما حدث مع الدراما السورية التي تلهث خلف الإعلانات هي الأخرى.. معترفًا أن الدراما المصرية تواجه مشاكل مادية، بعدما اختفى مضمون المسلسلات، ودخولها مرحلة «البيزنس». القلب أما السيناريست محمد صفاء عامر فأوضح أن الساحة الفنية فيما مضى كانت خالية تمامًا من المسلسلات، لكن مع تطور الفكر الثقافي لدى العديد من الدول العربية، أُنتجت المسلسلات بطريقة مستحدثة وراقية، وعلى الرغم من ذلك لم تستطع أي من هذه الدول مجاراة مصر في المنافسة على لقب «قلب» الدراما العربية». وأضاف: «إن كم المسلسلات التي ننتجها كل عام لخير دليل على الريادة المصرية في مجال الدراما؛ حيث إننا ننتج أكثر من 60 مسلسلاً في العام، وهذا يؤكد أن مصر لا تزال على القائمة»، وتساءل: «أين البلد العربي الذي ينتج هذا الكم من المسلسلات كل عام؟!». اللقب مصري فيما أكد عمدة الدراما المصرية أسامة أنور عكاشة أنه يبتعد عن المجاملات والعواطف في الحكم على البلد العربي الذي يستحق لقب «قلب الدراما العربية»، وقال: إن مصر هي الأحق بذلك، فلا توجد دولة منافسة لها في حجم الإنتاج الدرامي، والوضع الكائن - حاليًا - يؤكد صحة ذلك، فالنقاد العرب يعلمون جيدًا حجم مصر دراميًا. وأضاف إن المنافسة من حيث عناصر الإنتاج ومقوماته تحكم العلاقة بين الدولة الأقوى والأضعف، فإذا نظرنا إلى الموسم الفائت، وتحديدًا الموسم الرمضاني، نجد أن عدد القنوات التي كانت تعرض المسلسلات المصرية كبير جدًا، وأن الإنتاج الدرامي في مصر يزداد كل عام، ويدخل منتجون ومؤلفون جُدد إلى الساحة الدرامية. لكن هناك محاولات من جانب بعض المنتجين والمخرجين العرب لمنافسة مصر في ذلك، لكن حجم الإنتاج الدرامي المصري كان عائقًا كبيرًا أمامهم، خاصة أن الجمهور المصري لا يمل من كثرة عرض المسلسلات مهما كان المضمون. كوادر وخبرات وذهب الفنان محمود ياسين إلى أن الدراما المصرية لا تزال في صدارة الساحة عربيًا ، مشيرًا إلى أن مصر هي الأقرب إلى وجدان شعوب المنطقة من الدراما «المدبلجة» الوافدة من تركيا، كوبا، أو المكسيك. وعزا تراجع الدراما المصرية إلى تراجع دور القطاع العام في الإنتاج، فقد أصبح المجال الدرامي يخضع لرغبات المنتجين والمُعلنين، ومعظمهم رجال أعمال، أو أصحاب قنوات فضائية، وما يشغلهم هو الربح من دون التوقف عند القيمة الفنية، أو الموضوع، وصار الأساس هو اسم النجم الذي يتم التسويق به. كما أكد أن تميز الدراما المصرية، وتصدرها الساحة ليس من فراغ، فالكوادر الفنية، والخبرة، ووجود أقدم أكاديمية للفنون - منذ نصف قرن - جعل لدى مصر مواهب في التمثيل، الإخراج، الكتابة، الباليه، الموسيقى، والديكور، وهو ما يضعها في مكانة لا تصح مقارنتها بغيرها. رصد واقع في سياق متصل، شرح المخرج إسماعيل عبدالحافظ رؤيته في المكانة التي تحتلها مصر حاليًا؛ حيث قال: مصر هي البلد العربي الأول في إنتاج الأعمال الدرامية، وهي التي قدمت الدراما بمعانيها المختلفة إلى البلدان المجاورة. وهناك بعض من تعلَّم منها، بالإضافة إلى اتساع أفق المؤلف، والمنتج المصري في تقديم أعمال درامية جديدة تختلف عن الأعمال السابقة، وباتت المسلسلات المصرية مطلوبة في كثير من البلاد العربية؛ لبساطة مضمونها».. مستنكرًا محاولات النيل من مكانة مصر في مجال الأعمال الدرامية بهذه الصورة، وأوضح أن العمل الدرامي في مصر يرصد الواقع بشدة بعيدًا عن الخيال، أو تقديم مادة درامية لا يجدها المواطن المصري أو العربي في الحقيقة، وهذا ما مكَّن مصر من الاستمرار في وضعها الحالي.. مؤكدًا أنها ستظل «قلب الدراما العربية، ولن يغيرها الزمن. في المضمار أما الفنانة إلهام شاهين فأكدت تربُّع مصر على عرش الدراما العربية، واستدلت على ذلك بكَمِّ الأعمال المعروضة في الفضائيات العربية، ما يحدد مكانة مصر الدرامية، وأضافت أنه لا يكفي أن ينجح عمل عربي واحد ليؤثر سلبًا في الدراما المصرية، فالجمهور يحب التنويع والتغيير، وفي النهاية يتابع العمل الجيد سواء كان مصريًا أم سوريًا أم تركيًا.. وأشارت إلى أنه من غير المنطقي أن تُتَّهم مصر بالتراجع، فقد كانت قديمًا كالمتسابق الوحيد في المضمار، وأمر بديهي أن يبدو أن هناك تراجعا وسط دخول آخرين في السباق، ومعنى وجود المتسابق الأول في السباق - كمًا وكيفًا - خير دليل على أنه مازال متصدِّرًا، مع كل الاحترام للمتنافسين الجدد. لقيطة لكن السيناريست أحمد عوض بدوره يصف الدراما المصرية بأنها أصبحت «لقيطة»؛ لعدم وجود اهتمام من الجهات الإنتاجية.. مشيرًا إلى أن تقلص عدد كُتَّاب الدراما أثَّر سلبًا في مستوى الدراما، فنحن في حاجة إلى جيل جديد من الموهوبين، كما حذَّر من استمرار الأزمة في الأعوام المقبلة، إذا لم نجد حلولاً موضوعية، ومدروسة. تراجع نسبي وتحدى الفنان حسين فهمي أي ممثل سوري بالقدرة على مبارزة الممثل المصري، كما انتقد الدراما السورية ووصفها ب«الناجحة مؤقتًا»، واستدل بأن النجوم السوريين اتجهوا إلى مصر - صاحبة الدراما الأقوى - ليشاركوا فيها، إلا أنه اعترف أن تراجع الدولة في الإنتاج الدرامي سبب تراجعًا نسبيًا في الدراما المصرية، ولجوئها إلى الإنتاج الخاص الذي لا يعنيه إلا الربح، وليس الفن، وقيمته. منافسة شرسة لكن الفنانة عفاف شعيب أكدت تقدم كثير من البلدان العربية في ظل المنافسة الشرسة، إلا أنها أكدت تفوق مصر، وريادتها الدرامية، وطالبت بانتقاء الموضوعات؛ لإنقاذ الدراما من الركود النسبي، والتكرار الممل أحيانًا. ولفتت إلى أن مصر مليئة بالمبدعين من كُتَّاب، مخرجين، وممثلين وغيرهم من الكوادر، لكن يجب توظيف كل هذه الطاقات؛ لتخطو الدراما المصرية نحو مكانتها الطبيعية وسط منافسة شرسة من دول عربية أخرى بدأت في الظهور على الساحة منذ وقت قليل. مناخ سيئ واعترف الكاتب محفوظ عبدالرحمن بوجود سوء في مستوى الأعمال الدرامية، خاصة فيما يتعلق بالموضوعات أو تنفيذها، بعيدًا عن التفاصيل الصغيرة التي - في كثير من الأحيان - لا تجد الاهتمام؛ لضيق الوقت، أو تقليل التكلفة، وقال: «إن الدراما المصرية لاتزال في المقدمة. إلا أن المنافسة صارت صعبة مع الآخرين» ،مشيرًا إلى أن المناخ في مصر - حاليًا - غير مُجهَّز ليساعد كُتَّاب السيناريو على الإبداع، كما أكد ضرورة عقد ورش عمل؛ لتدريب الكُتَّاب الشباب على كتابة السيناريو.. منتقدًا اهتمام الجهات الإنتاجية بالنجم، وتجاهل الآخرين، ما جعل النجم يتحكم في كل أدوات العمل. استسهال يرى الناقد طارق الشناوي أن الدراما المصرية قد تكون تراجعت بعض الشيء، لكنها لاتزال محل اهتمام كبير، مضيفًا أنه مع انتشار القنوات الفضائية بشكل كبير أصبح المشاهد المصري والعربي لا يكتفي بالمسلسل المصري فقط، فبالضغط على «الريموت كنترول» يستطيع أن يشاهد الآخرين. وقد كشف هذا عن مستويات جيدة في مجال الدراما في دول عربية عديدة، فعدد كبير من القنوات الفضائية أدى إلى تغير في درجة تذوق المتلقي الذي كان مرتبطًا بالدراما المصرية، ولا شك في استسهال بعض النجوم المصريين في اختيار وتنفيذ الأعمال، وعلى الرغم من كل هذه السلبيات. فإن الدراما المصرية لا تزال قلب الدراما العربية، خاصة أن هناك بوادر تحسن ملحوظ لتجاوز كثير من السلبيات التي ظهرت في الأعوام الأخيرة.