2013/05/29

فيلم مريم أنشودة الجمال وقسوة الحنين
فيلم مريم أنشودة الجمال وقسوة الحنين


نضال قوشحة – تشرين


يبدو فيلم مريم حالة متفردة في أفلام السينما السورية وخاصة تلك التي تنتجها المؤسسة العامة للسينما, بالنظر إلى العديد من المكنونات التي اختص بها في تفاصيل عمله أو في رؤاه الفنية والمهنية .

فالفيلم يحمل المشاهد إلى عوالم سينمائية مختلفة ويضعه في أتون مناخات إنسانية دافئة مملوءة بالشفافية والقوة على امتداد زمنه الذي قارب الساعتين, وكذلك يطرح في المستوى الفكري العديد من الأسئلة والإشكاليات المزمنة المتعلقة بتاريخنا الحيوي حيناً, وزمننا المعاصر حيناً آخر, كذلك يقترب أحياناً أخر من مفاصل تاريخية بالغة الحساسية ويسلط الضوء عليها, دون الولوج في مماحكات الجدل النظري الساخن.

مريم فيلم يروي حكاية سورية, في سرد تاريخي مختلف, فيرحل بنا في مسار الزمن عبر رحلة تقارب المئة عام, عبر حكايات ثلاث, لنساء أسماؤهن مريم ينتمين لأزمنة ثلاثة. الأولى فتاة تعيش حوالي العام 1918 أثناء سقوط الدولة العثمانية (لمى الحكيم), والثانية سيدة مسيحية جولانية (سلاف فواخرجي) تعيش أحداث نكسة حزيران عام 67 أما مريم الثالثة (ديمة قندلفت) فهي فتاة معاصرة تعمل في مجال الغناء, وتجاهد لرفع الظلم عن جدتها التي يضعها أولادها في دار للمسنين بشكل جبري. وفي تأطير درامي بالغ الشفافية يجمع القدر حكايا المريمات الثلاث, من خلال تقاطع مصائر حيوات أشخاص آخرين يمتون بصلات لهؤلاء المريمات الثلاث.

الممتع في سردية فيلم مريم أنه لا ينتهج بناء قصصيا تقليديا, بل يحاول من خلال تيمات حكائية ما, رواية ما هو أوسع وأكبر.

في فيلم مريم أسلوب روائي مختلف يترك المشاهد في حالة توتر ذهني, دافعاً إياه لتقديم حراك ذهني عالي المستوى بغية ربط دلالات وأسئلة قدمها عبرحكاياته المتعددة زمانيا ومكانيا. هذه التوليفة المتفردة تبدأ باختيار اسم الفيلم (مريم)  - وبالطبع خصوصية هذا الاسم في التاريخ الحضاري لسورية والمنطقة - ولا تنتهي عند بعض الدلالات البصرية والمونتاجية وصولا لمقولة الفيلم النهائية .

باسل الخطيب أقدم منذ سنوات على إخراج فيلم سينمائي حمل اسم الرسالة الأخيرة ومريم هو التجربة الثانية له في هذا المجال . ويظهر جليا هنا, هواه السينمائي الهادئ وعالي المستوى الذي يميزه, وظهر تأثره بمدارس سينمائية يحبها كما في سينما المخرج السوفييتي الراحل تاركوفسكي .

الخطيب صور في الفيلم مشاهد سينمائية ترقى إلى مستوى المشاهد السينمائية التي نراها في السينما العالمية خاصة بدايات الفيلم. تلك المشاهد التي فيها من الجهد الإخراجي على مستوى اللغة البصرية, ما يؤكد أننا أمام فيلم مهم, وهي التي تضع المشاهد في أجواء بديعة من الريف السوري الجميل, في فسيفساء لونية وحركية متناسقة ورشيقة . كذلك قدم الخطيب مع فريق الفيلم الفني فيما يتعلق بالغرافيكس مستوى متقدماً جداً, بحيث كانت الإضافات الفنية والحلول التي قدمها الغرافيكس للفيلم غير مسبوقة, أقل في السينما السورية, تجلى ذلك تماما في مشاهد الفرس وكذلك وجود الدبابات في بعض المشاهد الحربية إبان مرحلة النكسة, التي لن يستطيع المتلقي التميز بأنها لم تكن موجودة في أصل المشهد.

نقطة توهج مهمة ظهرت في الفيلم, وهو الحشد الكبير من الفنانين الذين يشكلون قامات فنية مهمة في صناعة الدراما السورية قاطبة. وهذا ما يحسب للمؤسسة العامة للسينما التي بذلت طاقة إنتاجية مكنت في تحقيق هذا الهدف الكبير والمهم. لذلك كان الفيلم متميزا وغير مسبوق في عدد النجوم الموجودين فيه كممثلين. منهم الفنانون: أسعد فضة, سلاف فواخرجي, ديمة قندلفت, جهاد سعد, نادين, ميسون أبو أسعد, صباح جزائري, عابد فهد, ضحى الدبس وغيرهم. وقلما نجد عملاً سورياً, يضم هذه المجموعة الكبيرة والمهمة من الفنانين.

كذلك كان للموسيقا التصويرية دور مهم في إنجاز فيلم متميز, فالموسيقا (حازم العاني) أوجد موسيقا موظفة كانت تشكل مع المشاهد حالات من التناغم البصري السمعي بحيث لا يمكن فصل أحدهما عن الآخر، وكانت الموسيقى غالبا حدثاً دراميا في تشكيل بصري جميل, وليست بعداً صوتياً تزيينياً.

يمكن التأكيد على أن فيلم مريم هو مرحلة متقدمة وناجحة في إنتاجات المؤسسة العامة للسينما وهو يشكل قفزة نوعية نحو سقف آخر مرتفع تؤكد إدارة المؤسسة دائماً على الرغبة بالوصول إليه وتبذل كل ما في وسعها بغية تحقيقه، وهو الهدف ذاته الذي يطمح له كل المخرجين الذين يعملون معها ويساهمون في تحقيقه كل حسب طريقته. والذي يبدو أن عدداً منهم يمتلكون مشاريع أفلام في المرحلة القادمة ستجعل من تجاربهم وتالياً السينما السورية محطات مهمة في تاريخ الفن السوري.

ومن المؤكد أن أهمية الفيلم قد بدأت تتجلى، من خلال حصده للجائزة الكبرى في أول مهرجان يشترك فيه، من خلال فوزه بالجائزة الكبرى في مهرجان الداخلة السينمائي في المغرب, متفوقا على اثني عشر فيلماً عربياً في المسابقة. ولابد من أن مستقبل مشاركاته في العديد من المهرجانات السينمائية العربية والعالمية سيجعله على منصات التتويج غير مرة .


البطاقة الفنية للفيلم:


إنتاج: المؤسسة العامة للسينما و شركة جوى فيلم.

إخراج: باسل الخطيب.

سيناريو: باسل الخطيب وتليد الخطيب.

استشارة درامية: ديانا جبور.

المخرج المساعد: شامل أميرلاي.

التعاون الفني: تليد الخطيب.

بطولة: سلاف فواخرجي، ديمة قندلفت، أسعد فضة، صباح الجزائري, عابد فهد، ميسون أبو أسعد، ريم علي، نادين خوري، ضحى الدبس، لمى الحكيم. تمثيل: جهاد سعد، بسام لطفي، أحمد رافع، سهيل جباعي، فاروق الجمعات، محمد الأحمد، أمية ملص، مجيد الخطيب، كارين قصوعة، رباب مرهج.

مدير الإنتاج: فايز السيد أحمد

مدير التصوير: فرهاد محمودي

الموسيقا التصويرية: حازم العاني

مونتاج: جهاد خضور، كنان شربجي

مهندس الديكور: حسان أبو عياش

تصميم الملابس: رجاء مخلوف