2012/07/07

في ذكرى رحيل الفنانة نبيلة النابلسي
في ذكرى رحيل الفنانة نبيلة النابلسي


سلوى عباس – البعث


لعل من أروع الألقاب التي أطلقت على الفنانة الراحلة نبيلة النابلسي لقب "المثالية النبيلة" و"أجمل أمهات الدراما السورية" ومن منا ينسى أدوار الأم التي جسدتها وكانت تنضح بالحنان والشفافية، كانت تتماهى مع الدور لتعيشه حقيقة، فنالت بذلك محبة الجمهور وإعجابهم. بدأ حبها للفن بعمر مبكر وكان الدخول إلى عالم السينما أحد أكبر أحلامها وطموحاتها، وكانت بداياتها بالإعلانات التلفزيونية إلى أن اكتشفها المخرج نبيل المالح عام 1970 وأعطاها دور الفلاحة الفقيرة الحامل في فيلم "رجال تحت الشمس" وقفت فيه إلى جانب يوسف حنا وخالد تاجا واستطاعت أن تثبت أنها موهبة تستحق التبني.

وبعد النجاح الذي حققه الفيلم بدأت تنهال عليها العروض وشُرعت أمامها أبواب السينما في القطاعين العام والخاص ومن أفلامها "العار" لـ وديع يوسف 1974، "وجه آخر للحب" 1973 لـ محمد شاهين. واستمرت في السينما حتى منتصف التسعينيات، بعدها ابتعدت عن الفن فترة من الزمن بسبب الزواج والتفرغ لأسرتها، لتعود بعدها وتطل على الشاشة عبر مسلسل "دموع الملائكة" للمخرج غسان جبري، ومع فورة الإنتاج في الدراما السوريّة وانتشارها، أخذت المسلسلات مساحةً مهمة في حياتها المهنيّة.

فحققت في التلفزيون نجاحات كثيرة، وأسست لنفسها نجومية من نوع خاص ضمن أدوار قلّما تصنع نجومية ممثلة، لمعت في أدوار الأم وتركت بصمة مميّزة تخصها وحدها، ومنذ أيام قليلة مرت الذكرى السنوية الثانية لرحيل النبيلة الجميلة نبيلة النابلسي، التي عشقت الفن بكل جوارحها، وكرست له كل حياتها رغم الظروف العائلية الصعبة التي كانت تعيشها بسبب مرض ابنها الذي ولّد في داخلها حباً لو وزع على أطفال العالم كلهم لكفاهم وفاض عنهم، لأنها فنانة وإنسانة مثالية بأخلاقها وأمومتها وحبها وتواضعها وثقافتها وكانت سعيدة بهذه الألقاب ولكن القدر لم يمهلها لتعيش هذه السعادة بين أصدقائها ومحبيها. ونبيلة النابلسي اسم ليس بجديد في عالم الفن والتمثيل الذي رسخت أقدامها في صفوفه الأولى من خلال اختيارها الصحيح لما يشغل الناس والإتقان المبدع لكل تفصيلات أدوارها، ولكن ما لا نعرفه أنها تحمل الإبداع والحلم معاً في إدارة فنها وحياتها الشخصية..

شكلت حياتها الفنية مساحة كبيرة من المحبة والمودة مع الجمهور والكاميرا، حيث عايشناها في الكثير من أدوارها المتميّزة، وهي صاحبة التاريخ الطويل في الفن الذي بدأته في السينما في عمر مبكر عبر مشاركتها في أفلام عربية حققت فيها تميزاً وحضوراً، وبعدها شرعت لها أبواب الفن على مصراعيها، فكانت المبدعة والحالمة بأن ترتقي بهذا الإبداع إلى المستوى الذي يليق بها كفنانة سورية ، فكان لها ما رغبت وكانت رسالتها الفنية متناغمة مع رسالتها الإنسانية إذ ساهمت في رسم البسمة على وجوه كثير من الناس الذين قست عليهم الحياة، وهي الأم التي ترعى طفلاً معوقاً نذرت له حياتها وبذلت كل جهدها لتجعله يتجاوز إعاقته ويعيش الحياة بكل أبعادها الجميلة فكانت له مشاركات في الرسم والمسرح وكثير من الفعاليات، وهذا ليس بغريب على إنسان والدته فنانة آمنت أن الفن ليس ترفيهاً ولا متعة بلا فائدة، وإنما توجيه وتربية وشيء له علاقة بحياة الإنسان والمجتمع معاً، ولذلك ركزت اهتمامها في خياراتها الفنية على قضايا الناس ومشكلاتهم، لذلك كانت ترفض الأعمال التي تقتصر في مضمونها على الفرجة أو المتعة فقط.

كانت الصداقة مقدسة بالنسبة لنبيلة النابلسي، ولم تقتصر على الوسط الفني فقط بل كانت منفتحة على كل شرائح المجتمع، لكن كانت غالبية أصدقائها من الرجال لشعورها أن الرجل كان أكثر وفاء لها من المرأة، لذلك اقتصرت صداقتها في الوسط الفني على صديقتين كانتا مقربتين جداً لها، إضافة إلى أن الفن لم يأخذها من بيتها وأولادها، فكما كانت حاضرة في الفن كانت مثال الزوجة والأم في منزلها تديره بأدق تفاصيله وكان يشغل كل وقتها.

لقد ارتبط اسم الفنانة نبيلة النابلسي، من خلال تجربتها التي رسخت في وجداننا، بالزمن الجميل للسينما السورية -أي فترة السبعينيات- والتي عرفنا من خلالها أسماء الكثير من النجوم، وشهدنا جملة من الأفلام التي كانت حصيلة وثمرة تعاون بين القطاع العام والخاص من جهة، وبين نجوم ومخرجي السينما العرب ولاسيما في سورية ومصر ولبنان من جهة أخرى، وكان العمل في الأفلام المشتركة بين سورية ومصر ولبنان أكثر ما يسعدها، حيث قالت في أحد لقاءاتها الصحفية: "أعتز بأفلامي في القطاع العام، وكانت معظمها أفلاماً ذات قيمة فنية عالية وأفكار هادفة".

وبالنسبة لأدوار الأم في تجربة نبيلة النابلسي الفنية لم تكن سوى خيار أرادته في سن مبكرة، لدرجة تروي فيها أنها كانت تضطر في أدوار الأم الأولى التي قدمتها للجوء إلى المكياج لتبدو مقنعة أكثر، ومع تقدم العمر كانت أدوار الأم تبدو الأكثر التصاقاً بالراحلة النابلسي، وقد نجحت في أدائها فكانت في كل مرة تضفي من روحها ما هو مختلف على النص المكتوب، لتخرج علينا بشخصية أم جديدة لا تشبه ما قدمته من قبل الأمر الذي جنّبها الوقوع في مطب التنميط.

وكان دور نبيلة النابلسي في «الفصول الأربعة» للمخرج حاتم علي الأبرز في تجربتها الفنية ولا سيما أنّها قدّمت في شخصيتها في آن واحد دور الأم والجدة وزوجة الأخ... وأبدت فيه ديناميكية كبيرة في الأداء وعلى نحو ينسجم مع طبيعة الحلقات المنفصلة للمسلسل... ولم تقتصر تجربة الراحلة على السينما والتلفزيون بل كان لها حضورها أيضاً في المسرح حيث شاركت في عدة أعمال مسرحية هي «لحظة من فضلك» و«مطلوب مسؤول»، و«ناس التي تحت»، و«شباب آخر زمن» و«خيوط العنكبوت» وكان آخر أعمالها المسرحية مسرحية «بكرا أحلى» التي قدمتها لذوي الاحتياجات الخاصة، إضافة إلى العديد من الأعمال الإذاعية.

كانت آخر إطلالة للراحلة في مسلسل «ليس سراباً» للمخرج المثنى صبح وبعدها أقعدها المرضُ في البيت، الذي أنهى حياتها وهي في قمة عطائها وحَرَمَ منها أهلها ومشاهديها، لكن رغم الغياب لازالت نبيلة النابلسي في ذاكرة المشاهدين أيقونة للفن الحقيقي.