في زمن الفضائيات الرأسمالية من يعيد الثقة بالتلفزيونات الوطنية؟

سامر محمد اسماعيل - السفير

يراهن التلفزيون العربي السوري على عراقته في تغطية أحداث بلاده، على إمكانياته المتواضعة أمام طفرة الفضائيات الإخبارية العربية. التلفزيون الذي احتفل بعيده الذهبي في الثالث والعشرين من تموز الماضي، يحمل ذاكرة نصف قرن من العمل المضني في مخاطبة جمهوره. لكن الحكاية تبدلت كثيراً، فلم تعد كما كانت بعد أن اكتسحت القنوات المتعددة الجنسيات فضاء البث، خصوصاً مع الفكرة التقليدية عن التلفزيونات الرسمية وما يتخلل برامجها ونشراتها اليومية من جمود في الصورة ومخاطبة الذات.

إلا أن التلفزيون السوري ليس كمثله من التلفزيونات العربية، صحيح أنه متواضع في حجم إمكانياته، بيد أنه التلفزيون الوحيد المصر على صفته العربية قبل السورية، التلفزيون العربي الأكثر عراقة بين أقرانه والحافل بذكريات لا تنسى لمن عملوا في استديوهاته منذ أول إرسال له من على سفح جبل قاسيون، بإدارة الدكتور صباح قباني العام 1960. بل هو الوحيد الذي حافظ على علمانية خطابه وتوازنه وعلى المساحة الفضلى للمادة الثقافية على حساب مواد الترفيه والعظات وبرامج تلفزيون الواقع.

الفضائية السورية التي بدأت بثها العام 1995 تشتبك، وللمرة الأولى مع الفضاء الأكبر لأسواق وبنوك الأخبار الدولية المدعومة بإمكانيات خيالية، وبشبكة مراسلين حول العالم، وما برحت تعد تقاريراً جريئة ولافتة خرجت عن سكونيتها المعتادة في توضيح ما تتناقله كل من قنوات «الجزيرة»، و«العربية» و«بي بي سي العربية»، و«فرانس 24» و«الحرة» الأميركية. يحاول التلفزيون وللمرة الاولى مواجهة كل هؤلاء بإمكانيات محلية، يبث منذ انطلاقة الأحداث في الخامس عشر من آذار الماضي تقاريراً بالصوت والصورة عما يجري في الشارع السوري.

التلفزيون الذي تعرض للقصف في حروب عديدة مع إسرائيل يواجه اليوم قصفاً من نوع آخر. فالقصة تعدت إنكاره الذاتي لتظاهرات شعبية بدأت بمطالب سياسية ومعيشية، فقد بات واضحاً أن الإعلام الرأسمالي العربي يمارس دوراً جديداً تحت إملاء أجندات كبرى، لتصل المواجهة إلى أشدها في قناة «الجزيرة» مساء الثلاثاء الماضي: تسأل مذيعة القناة القطرية عضو مجلس الشعب السوري خالد العبود عن عدم سماح قوات الأمن لسيارات الإسعاف بإنقاذ الجرحى، يأتي ذلك بعد تقرير أعدته «الجزيرة» عن قتل مدنيين ومحاصرة الجيش لمدينة بانياس الساحلية، يرد العبود مسجلاً تحفظه على تقرير القناة القطرية، محيلاً إياها إلى ما بثه التلفزيون السوري لجنازات ضباط وجنود الجيش الذين قضوا في كمين مسلح من قبل متشددين على أتوستراد اللاذقية -بانياس في العاشر من الجاري. لكن المذيعة ليلى الشايب تتجاهل ذلك لتصر على روايتها وعلى أنها لا تأخذ برواية التلفزيون الحكومي، يضيف العبود «لماذا لا تشاهدين التلفزيون السوري، صحيح أنه يعاني من ضعف في المهارات المهنية، لكنه يمتلك قدراً كبيراً من المصداقية، ويتكلم باسم الشعب والدولة».

يحتدم النقاش بين الشايب والعبود، لكن كلمة الأخير لا يمكن أن تمر جزافاً، فالتلفزيون الذي يفتتح بثه بنشيد العلم لا ينقصه فعلاً المصداقية، لكن ماذا يفعل التلفزيون الوطني مع غابة من مراسلي القنوات النفطية؟ كيف له الصمود في وجه كل هذا التضليل الإعلامي المتقن تحت شعار «الإعلام المحايد»؟ وهل يوجد في العالم كله إعلام محايد يا سيدتي المذيعة؟ ثم أين الحياد في هذا الإنكار المستمر لواقع أخذ ليبيا إلى حرب أهلية ومفترق التقسيم؟ وفي تغطية ما يحدث في البحرين؟ وفي التغطية الخجولة لأحداث غزة؟....

ماذا يفعل التلفزيون السوري وحده؟ من يصدق مذيعه علاء الدين الأيوبي وهو يكاد يجهش إزاء تقرير أعده التلفزيون عن شهداء الجيش وعن حقيقة وجود عصابات مسلحة تطلق النار في المدن السورية؟ ثم من يجرؤ على التعاطف ولو من بعيد

مع إعلام الدولة في ظل القمع الإعلامي الممنهج لبرمجة الشعوب العربية ضمن قالب سلفي؟ من يعيد ثقة الجمهور بتلفزيوناته الوطنية؟ وهذه المرة مثلها مثل الراعي في قصة سوء حظه، عندما جاء الذئب فعلاً ظن الجميع أنه مقلب آخر من مقالب الراعي