2012/07/04

في ظل «الخبر الخاطئ» والصياغة التحريضية: إعلام موضوعي.. أم طرف في الصراع؟
في ظل «الخبر الخاطئ» والصياغة التحريضية: إعلام موضوعي.. أم طرف في الصراع؟

ماهر منصور- السفير

يشكل غياب مراسلي الصحف والفضائيات عن أرض الأحداث السورية، أو تغيبيهم، مساحة فراغ لا يملؤها إلا شهود العيان. تسقط فيها موضوعية نقل الخبر ومصداقيته، لمصلحة تقديرات شخصية يتحكم بها تارة غضب ردود الفعل حول الحدث الساخن، وتصوغها تارة أخرى تكهنات مصدر يسمع عن الحدث من دون أن يكون جزءاً منه، وتترك طوراً مساحة الفراغ تلك للشائعات التي تصنعها غرف الأخبار السوداء. وفي المرات الثلاث تسقط الحقيقة، تشوه وتحرف، قبل أن تدخل الشريط الإخباري، وتتصدر نشرات الأخبار ومانشيتات الصحف.

المخيف أن كثيراً من المواقف على الأرض تبنى على ما تبثه نشرات الأخبار تلك. وهذا الأمر ليس سراً، بل يدركه القائمون على تلك النشرات جيداً، ويبنون على الشيء ما تقتضيه مصالحهم الشخصية، على اعتبار أن ما من إعلام حيادي. ولكن من يراعي مصلحة المشاهد المتلقي لنشرات الأخبار، والحائر أمام تدفق صيغ متعددة ومتناقضة للخبر ذاته وفق هذه المعادلة؟

هل يكفي أن ننسب الخبر إلى وكالة ما، أو إلى شاهد عيان ضبابي الملامح لإدعاء الموضوعية في التعامل مع الأحداث؟ وعمن تقع مسؤولية الخطأ وتداعياته إن وقع في ما ترده تلك المصادر من أخبار؟!

منذ أيام أعلنت وكالة الصحافة الفرنسية أن 26 قتيلاً في مدينة درعا وقعوا في أحداث يوم السبت، ثم ما لبثت أن تراجعت عن الخبر لتقول: «إن القتلى وقعوا يوم الجمعة الماضي وليس يوم السبت»، معتبرة أن «الخطأ غير مقصود»، محملة المصدر الذي زوّدها بالخبر مسؤولية هذا الخطأ. إلا أن خبر الوكالة الفرنسية كان دخل شريط الأخبار في فضائيات عدة، وراح يكرر نفسه مع دوران الشريط، ويترك تأثيره المؤذي على المشاهدين.

اعتذرت الوكالة عن الخبر الخاطئ وحسب، ومعها تراجعت فضائيات عنه أيضاً، وتجاهلت تصحيحه فضائيات أخرى لساعات. ولكن من يهدئ من روع المشاهد الذي أصابه الهلع لسماع الخبر؟

ترى كم من الأخبار التي بثتها وكالات الأنباء سابقاً، نقلاً عن شهود عيان، تحتمل أن تكون «خطأ غير مقصود»، أو حتى «خطأ مقصود»!

الخبر الخاطئ خطأ بشري.. وجل من لا يخطئ. تلك قد تكون حجة من يدافع عما أوردته الوكالة الفرنسية على سبيل المثال. ولكن من يبرر الصياغات الصحافية التي تحمل بمضمونها فتنة هي أشدّ من القتل، كما فعلت وكالة «رويترز» حين نقل مراسلها في عمان خبراً بعنوان «شاهدان: إصابة خمسة أشخاص في اشتباك عرقي في مدينة سورية»، وقد تضمّن الخبر إشارات واضحة لطائفة كل من طرفي الصراع في الخبر؟

الخبر كما أوردته الوكالة أثار استياء عدد كبير من السوريين، فيما أشار اليه الكاتب السوري خطيب بدلة، في صفحته على موقع «فايس بوك»، معلناً استياءه من «صيغة الخبر الذي عمّمته وكالة «رويترز» عن اشتباك (عرقي) في بانياس، بغض النظر عما إذا كان الخبر صحيحاً أم لا..»، داعياً من يشاركه هذا الاستنكار التوقيع معه على الصفحة ذاتها، معتبراً أن الجميع في سورية «يستاؤون من المنطق الطائفي والعرقي». وتلك قناعة يلتقي فيها الكاتب بدلة مع الغالبية العظمى من السوريين وظهرت بوضوح في التعليقات الواردة على الخبر.

المثالان السابقان، خطأ الوكالة الفرنسية «غير المقصود»، وصياغة «رويترز» لخبرها بمنطق طائفي، يشيان بوضوح بأن عدداً من الوسائل الإعلامية لم تزل حتى الساعة دون المسؤولية الأخلاقية والموضوعية المهنية. وإن كان الإعلام الرسمي يوضع دائماً في خانة التشكيك باعتباره يمثل طرفاً في ما يحدث على الأرض، فلمصلحة من تتخلى تلك المصادر الإعلامية عن مسؤولياتها المهنية والأخلاقية؟!

وأمام التناقض الكبير في مضامين بعض ما يرد من أخبار، وإزاء الأخطاء المقصودة وغير المقصودة، وإزاء الصياغات غير المسؤولة، أليس حرياً بنا أن نستعين بمقولة الإمام الشافعي: «رأينا صواب يحتمل الخطأ ورأي غيرنا خطأ يحتمل الصواب»، لنحتمي بها من شرور الأخطاء والصياغات الاستنسابية والتكهنات؟