2012/07/04

في (منحنى خطر)...عروة العربي يصنع منحناه الخاص إخراجياً..!
في (منحنى خطر)...عروة العربي يصنع منحناه الخاص إخراجياً..!

لميس علي - الثورة

كقطعة إسمنت تدخل في بناء هرم، ما إن تسحبها حتى تتسبب بانهيار كامل البنيان وسقوط أساساته.. سيقت حكاية العمل المسرحي

الأخير والأحدث للمخرج عروة العربي (منحنى خطر)، تأليف: ج.ب.بريستلي، حيث تصاعد الحبكة المتواتر بانتظام مربوطاً ومرتهناً بإشارة

بسيطة

(بصندوق) يكشف خفايا الأحداث، يقلب ظاهرها باطناً، وباطنها ظاهراً.‏

هل كان هرماً من قش.. عالماً من وهم..؟!‏

الغريب والجميل بالآن ذاته والمشكل لنقطة (الضدية) الأميز في العرض..‏

حدوث جريان على صعيدين، على التوازي، لكن تختلف سكة مسار كل منهما.‏

فلطالما انحاز عروة لأشكال وأنساق إخراجية تنهل من (التجريب).. تستغل كامل مساحات الشرطية المسرحية إلى أقصاها.. (الأسلبة).‏

أما الآن وقد اطمأن لاختبار إمكانياته الطرائقية الإخراجية الإبهارية ظاهرياً، يركن إلى أسلوبية أكثر محاكاة لحياتنا، العادي منها. ولهذا كانت

السينوغرافيا بالكامل واقعية.. كل شيء في الديكور موظف لخدمة الحكاية بحدودها المدركة والأكثر التصاقاً بالمألوف.‏

موقع الأحداث شقة يجتمع فيها الأصدقاء، كل ما فيها يأخذ شكله المعتاد... لا غرائبية.. ولا إدهاش في التوظيفات (البصرية).‏

لن تقع عيناك.. على ما يشكل علامة استفهام تلح عليك سؤالاً .. لا يعني ذلك أن أعمال (العربي)، ابتداء من (الليغرو) لم تكن ذات مضامين

واقعية، آنية، معاشة.. على العكس تماماً..‏

المقصود أن أدوات التعبير لديه اختلفت.. نمت.. لتصبح أهدأ.. أنضج.. ومحققة بالوقت ذاته القدرة على الإبهار.. وشد المتفرج.‏

كيف ذلك؟‏

نقطة الجاذب الأكبر تمثلت أصلاً بالحكاية وطريقة صوغ الحبكة المبنية على انفلاش خيوط اللعبة تدريجياً.. كل جزئية معلقة بالأخرى... كل

تفصيل يؤدي إلى انكشاف الآخر... وهكذا كرّت سلسلة (منحنى خطر) وصولاً إلى غاية: أن لا حقيقة خالصة موجودة.. لا شيء حقيقياً يحكم

المحيط بنا.. وكل ما هو ظاهري يكمن خلفه عالم مغاير.. التزييف- المزيف سيد للموقف.‏

وهنا ملمح تتطرق المسرحية من خلاله لقضية مجتمعية سائدة بل مستشرية.‏

هناك سيناريو علني يتقن الكل أداء دوره فيه، كما شلّة الأصدقاء: (جلال الطويل: مثنى، ربى الحلبي: سلمى، أريج خضور: راما، جوان الخضر:

تيم، وسيم قزق: غيث، علا باشا: نادين، داني القصار: مامر)‏

يتستر كل منهم على جزء من الحقيقة المطمورة خلف ذاك السيناريو المعلن.‏

ودائماً المخفي أعظم.. المخفي يخبئ السارق فيهم.. الشاذ.. القاتل.. الخائن.. الكاذب.. المخادع.. وكل ألوان وأنواع (الوساخة) الجامعة لهم

كبؤرة قذارة.‏

الغريب أن رائحة النتانة لم يستشعرها أي منهم إلا بانزياح تلك (القشة- ظهور الصندوق) التي قصمت الظاهر من حيواتهم (الهشة)،

فقسمتها إلى أشلاء تستحيل لملمتها بعدما انفرط عقدها.‏

على هذا النحو تسير تفاصيل الحكاية نحو إبانة دنيا الوهم التي تحياها شخوص العمل.‏

منحى خطر تحكمه سكتان: أولى من حيث المضمون، تسفر عن عوالم قائمة على زيف وتضليل (وهم).‏

وثانية من حيث الشكل منحازة إلى حلول إخراجية (واقعية).‏

ثنائية (الواقع، الوهم) هي جوهر الضدية الملعوب عليها بانسيابية وحيلة تكنيكية تدرك أن موضوعة الحكاية بالأصل هي حامل لسير العمل

تسقط معه مختلف أساليب بهرجة الجذب البصري.‏

البطل الغائب‏

ثيمة تتواجد في أعمال عروة العربي، فدائماً لديه البطل غير الظاهر فيزيولوجياً على الخشبة، إنما يتواجد من خلال أحاديث الشخصيات

الأخرى عنه.‏

ومع ذلك تبقى خيوط اللعبة بين يديه.. يسيّرها وهو الغائب.‏

بينما الشخصيات الأخرى تتشارك رسم لوحة تكمل صورة (مامر) لدى المتلقي.. صورة الشخص- البطل الذي يلعب بمصائر المحيطين به..

شرير.. مقامر.. شاذ.. إلى آخر الصفات السلبية التي توضح من هو (مامر) البطل الغائب الحاضر..‏

لكن..‏

يجب الانتباه إلى أن صورة (مامر) الموجودة في أقصى يمين الخشبة كانت بملامح وتقاسيم لا تشي بتلك الصفات السلبية بل بخلافها.‏

هل في الأمر إشارة إلى أن (مامر) ليس أكثر من رمز إلى الخطيئة الكامنة في كل منهم- منا.. ربما.‏

مادون ذلك..‏

هناك نوع من بطولة تشاركية، يلف عليهم واحداً فآخر دور البطل، فالجميع أبطال.. الجميع يتقاسمون وصول الحبكة، كذا مرة، إلى الذروة

والصحيح وجود (ذرا) تتصاعد خلالها الأحداث مرات وفق خط أداء تصاعدي يتناوبونه بأسلوب يتناغم ما بين صعود وهبوط.‏