2012/07/04

«قضية يوسف» هزّت الرأي العام درامياً وواقعياً
«قضية يوسف» هزّت الرأي العام درامياً وواقعياً

إيلي هاشم- دار الحياة   انتهى مسلسل «قضية يوسف» على شاشة «أل بي سي» الأرضية بعد ست حلقات استطاعت أن تعطي صورة شاملة عن قضية يوسف شعبان التي هزّت الرأي العام وفتحت عيون المجتمع على قصة إنسانية على رغم أنّها لم تفتح باب السجن قبل 15 عاماً ليخرج منه شعبان بعدما هُدِر عقد ونصف العقد من حياته. كان من المفترض أن تكون هذه السداسية دعماً معنوياً هدفه تحريك قضية ذلك الرجل «السلفاطي» الأصل، عفواً الفلسطيني الأصل، ولحسن الحظ صدر العفو الخاص عن شعبان فخرج من السجن وعاد إلى أهله وعائلته بعد غياب طويل.   بالكلام عن المسلسل، أول ما نلاحظه هو تمويه أسماء الشخصيات والبلدان بشكل غريب، فالكاتب شكري أنيس فاخوري ابتعد عن الأسماء المباشرة لأنّه حينها كانت القضية لا تزال عالقة ففضّل الهروب من كلّ ما قد يعيق سير تنفيذ المسلسل. استطاع فاخوري بخبرته في الكتابة الدرامية أن يضرب عصفورين بحجر واحد فتطرّق إلى موضوع القضية الفلسطينية في لبنان الذي يُستبعَد أن تسمح به الرقابة عندنا لدقة وضعه ولما قد يثيره من بلبلة نحن في غنى عنها. استفاد من الأسماء المستعارة و «الخيالية» ليستطيع التعبير بحريّة معتمداً التلميح بدل التصريح ولكن من دون أن تحتاج الأمور إلى الكثير من التوضيح!   إخراجياً كانت كارولين ميلان ناجحة في خلق نظام كامل لبلدان مختلفة فأوجدت عَلَماً خاصاً لسعفال وآخر لوردان وآخر لسلفاط وهي أسماء البلدان المتخيّلة أو بالأحرى المموهة. كما تنبّهت إلى التفاصيل الدقيقة مثل نِمَر السيارات وبزّات الشرطة مع الرتب على أكتاف عناصرها... أدارت ميلان ممثليها بشكل حسن بالإجمال وكذلك فعلت مع حركة الكاميرا فجاء التقطيع مناسباً لكل مشهد. يبقى موضوع الإضاءة هو العالق بسبب اللون الأزرق الغامق الغريب الذي يُفتَرَض أن يكون ضوء القمر مع العلم أنّه بعيد كلّ البعد عن ضوء هذا الأخير، فنرى ضوءاً بعيداً من الواقع يدفع بنا للخروج من جوّ القصة ويبلبل المُشاهد فيسأل نفسه مثلاً: «كيف أتى هذا اللون إلى داخل حيطان السجن»؟   تمثيلياً كان الأمر صعباً، بل كان بمثابة تحدٍّ لكل مَن شارك في هذا المسلسل بما أن الأدوار لأناس واقعيين يشاهدون على الشاشة كيف يجسّد الآخرون حياتهم، لذلك سيكونون هم أوّل الحاكمين على واقعية الأداء. ولكن بصرف النظر إن كان الأشخاص الواقعيون تصرفوا ويتصرفون بهذه الطريقة أم لا، لا بد من الإشارة إلى أنّ عمّار شلق كان كعادته ساكناً في دوره، والشخصية التي يؤدّيها ملصقة به... إذ استطاع أن يجسّد دور سجين مظلوم يشتاق إلى أهله وإلى زوجته وأولاده ويحاول أن يستعيد حقّه بالبراءة تارةً باللين والانكسار وتارة أخرى بالغضب والقوة. أمّا بقية الممثلين الذين شاركوا في العمل فكان لهم حضور قوي على قدر ما سمحت لهم مساحة أدوارهم فبرز ألكو داوود ويمنى بعلبكي وروزي الخولي.   «قضية يوسف» كانت أيضاً قضية في عالم الدراما فظهر جلياً أنّنا لا نستطيع أن نتحدّث عن الكثير من المواضيع إلاّ بعد «اللف والدوران»، ولا نستطيع تسمية الأمور بأسمائها إلاّ في حالات نادرة، ولا نستطيع أن نطلق على شخصيات الأعمال الدرامية أسماء تدل على الدين مثل «جورج» أو «محمود» أو «علي» أو «عمر» إلاّ إذا أوجد الكاتب مبرراً «مقبولاً» لذلك! في الدراما اللبنانية لا نستطيع أن نعكس حقيقة مجتمعنا ولا أن ننقل واقع شارعنا كما يفعل إخواننا في البلدان العربية، فنضطرّ إلى تخيّل مجتمع خاص للدراما وهو عادة متطرّف، فيكون حيناً شديد التهذيب وأحياناً كثير التفلّت... كما نضطر إلى ابتكار شارع أُناسه مبرمجون على الكلام والتصرّف بما لا يفتح أعين الرقابة ولا يخدش مسامع المتزمتين ولا يعكر مزاج الساكنين فوق الغيوم! فمتى سيحين الوقت لنفتح «قضية دراما» في لبنان؟