2013/06/21

كميل نصراوي : لا يمكن للدراما أن تدير ظهرها للأزمة
كميل نصراوي : لا يمكن للدراما أن تدير ظهرها للأزمة


فؤاد مسعد – الثورة


عبر رؤيا تلامس هموم المواطن الذي يعيش حالياً تداعيات الأزمة في سورية التي فرضت نفسها كتحد أمام الكتاب وصناع الدراما في طريقة تجسيدها والتفاعل معها ، يقدم الكاتب والإعلامي كميل نصراوي أولى تجاربه الدرامية التلفزيونية من خلال مسلسل (وطن حاف) محاولاً من خلاله تقديم وجهة نظر اختار لها الإطار الكوميدي التراجيدي لتكون الأقرب إلى وجدان الناس .. العمل من إنتاج مؤسسة الإنتاج التلفزيوني والإذاعي ويتقاسم إخراجه مناصفة كل من المخرجين فردوس أتاسي ومهند قطيش .‏

حول خصوصية (وطن حاف) والأفكار التي يتناولها وآلية انعكاس الأزمة السورية من خلالها .. كان لنا هذا اللقاء مع الكاتب كميل نصراوي :‏


ـ الكلام عن الآثار الاجتماعية والانسانية المترتبة على الأزمة السورية بات (كلمة فضفاضة) يمكن أن تكون واجهة تسويقية لأي عمل .. فكيف تم تناول تداعيات الأزمة في العمل ؟‏


لقد فرضت الأزمة غير المسبوقة التي تمر بها البلد نفسها على حياة ومصائر وآلام وآمال الناس من دون استثناء ، ومن هنا يبدو أن تجاهل هذه الأزمة في الدراما وانعكاساتها الوطنية ليس في مكانه أبدا ولا يحق لنا مطلقا أن ندير ظهرنا للأزمة وكأن شيئا لم يكن، لأن الدراما انعكاس خلاق لما يجري في الواقع وليس لما نفرضه عليها نحن من أفكارنا الجاهزة لنقولب الواقع على قياسها .‏

أما طريقة تناول الأزمة وانعكاساتها على حياة الناس فلم يكن بالمهمة السهلة ، خاصة أن النص لا ينحاز إلى طرف محدد وإنما ينحاز إلى الوطن ككل الذي يتسع للجميع مهما اختلفت آراء الناس ، وفي مقاربته لما يجري لا يغلب وجهة نظر على أخرى ـ وهذه ليست مهمته أساسا ـ وإنما تم التركيز على البعد الإنساني بالدرجة الأولى الذي هو برأيي أهم بكثير من أي مقولات سياسية لأن الفن عموما لديه القدرة على توحيد الناس ، وشارلي شابلن مثلاً وحّد ـ ليس بلاده فقط ـ وإنما العالم كله حول فنه وعبقريته وكذلك تفعل الموسيقا والسينما والرواية والدراما بطبيعة الحال .‏

عندما أقول ان النص يتحدث عن الأزمة ومسبباتها وانعكاساتها ليس لأسباب تسويقية ، فلو كان الأمر كذلك لما كنت قاربت موضوعات إشكالية سياسية واجتماعية واقتصادية أعلم أنها لن تمر بهذه السهولة رقابياً وسيرى المشاهد في المسلسل دراما كوميدية لم يعتد عليها من قبل ولا تعتمد على التنكيت والمبالغة المفتعلة وإنما كوميديا سوداء أساسها الواقع المر البائس لشريحة واسعة من الناس .‏


ـ أين الطبقة الوسطى من ذلك كله .. هل هي اللعب الأساسي في العمل ؟ ومن هم أبطالك ؟‏

الفقر الذي يحفر عميقا في حياة ووجدان الناس هو محرك النص الأساسي ، فكل ما يريده المواطن المسحوق صعب المنال وليس في متناول يده ، من لقمة الخبز إلى الوظيفة والحب والزواج والسكن وحق التعبير ، فالحياة بالنسبة إليه صراع دائم للبقاء على قيد الأمل والحياة . النص يقارب معاناة هذه الطبقة السياسية والاجتماعية والاقتصادية المختلفة بطريقة حلقات منفصلة تشبه الأفلام التلفزيونية وما يجمعها هو طريقة الكتابة التي تتشابك فيها الكوميديا بالتراجيديا في جميع الحلقات .‏


ـ قال المخرج فردوس أتاسي (كثيرة هي الحلقات التي عدلنا وبدلنا فيها بما يتلاءم مع المجريات الحالية في سورية) .. فما مدى التعديلات التي أدخلتها على النص كي يتلاءم مع هذه المرحلة ؟‏


كُتب النص على مراحل ولم يكتب دفعة واحدة ، وبدأت بكتابة بعض الأفكار قبل الأزمة وعرضتها على الكاتب والمنتج داود شيخاني رحمه الله ثم على المخرجين ايمن شيخاني ونبيل المالح والجميع وجد فيها تميزا يستحق المتابعة .. عندها بدأت بكتابة السيناريو وقدمته للمخرج فردوس أتاسي الذي تابع كل تفاصيله وقدم رأيه وملاحظاته ورؤيته لكن لأسباب كثيرة لم يبصر النص النور في شركات الإنتاج الخاصة إلى ان قدمته لمؤسسة الإنتاج التلفزيوني والإذاعي وحصل على درجة ممتاز في التقييم النهائي للجنة القراء وكانت السيدة ديانا جبور (مديرة مؤسسة الإنتاج) من أشد المتحمسين لتنفيذه رغم وجود عقبات كثيرة كانت تحول دون إنتاجه . وخلال هذه الفترة الطويلة نسبيا تابعت الكتابة وركزت جل اهتمامي على تناول ما يجري في البلاد من تطورات مختلفة . لذلك لم يكتب النص قبل الأزمة ولجأت لتعديله ليواكبها وإنما لم انته من كتابة بعض حلقاته إلا منذ نحو شهر وسيرى المشاهد هذا الأمر بوضوح خلال عرض المسلسل .‏


ـ (معالجة كوميديّة جديدة تخالف السائد) كيف يمكن فهم هذه العبارة التي سبق ووصفت فيها المسلسل ؟‏

نعم هي كوميديا سوداء لم نعهدها من قبل خلال السنوات الماضية .. لقد كان للكوميديا السورية أيام ذهبية وتألقت وتطورت في زمن محمد الماغوط ودريد لحام ونهاد قلعي ورفيق سبيعي والآن نرى كوميديا رفيعة المستوى في كتابات ممدوح حمادة وبعض أجزاء مسلسل (بقعة ضوء) وهي مراحل أسست لما سيأتي بعدها .‏

أما فيما يتعلق بالنص الذي كتبته فله خصوصيته من ناحيتين الأولى : هي عدم المبالغة والتضخيم بالكاركترات التي تحتملها الكتابة الكوميدية عادة وإنما يعتمد على قصص واقعية جدا تسير عبر خطين متوازيين كوميدي وتراجيدي في آن واحد وتجعلك حائرا بين التجهم والإبتسام .. الناحية الثانية ان المشكلات التي نواجهها حاليا في سورية مختلفة كليا عن المشكلات التي كانت سائدة في السابق ولا يمكن ان تتناول الأزمة الحالية بشخصيات كوميدية مثل شخصيات (غوار) او (أسعد و جودة) مع حبي الشديد لها .. فالمرحلة تتطلب أدوات وأساليب أخرى فرضها الواقع ومعاناة الناس والأهم من ذلك أنك تخوض غمار الكتابة الكوميدية في جو مليء بالأحزان والآلام ، فكيف يمكنك ان تقدم للمشاهد بعض الفرح ضمن هذا الكم الهائل من الحزن الذي نمر به ؟ هذه هي المعادلة الصعبة برأيي ، بأن تسخر من هذا الواقع دون السخرية من الناس أنفسهم .‏


ـ الى أي مدى تؤيد فكرة وجود مخرجين اثنين للعمل ؟


أظن انها المرة الأولى التي يتناوب فيها مخرجان على إخراج مسلسل كوميدي وأعتقد أن طبيعة النص الذي كتب بحلقات منفصلة تحتمل ان نشاهد رؤيتين بصريتين لمخرج مخضرم كالاستاذ فردوس أتاسي ولمخرج شاب متحمس كالمخرج مهند قطيش مع الحفاظ على روح النص الواحد في سياق كل الحلقات المتنوعة الموجودة فيه وفي النهاية مسألة نجاح أو فشل هذا الأمر هو برسم كل من سيشاهد العمل.‏