2013/05/29

كيف عالج المسرح السوري مسألة التطرف..؟ ... وكيف حاربها..؟
كيف عالج المسرح السوري مسألة التطرف..؟ ... وكيف حاربها..؟


آنا عزيز الخضر – الثورة

لطالما انتهج المسرح السوري مسيرة متألقة، استطاعت أن تجسد الحالة المطلوبة من المسرح بشكل عام، وهي الحالة الإبداعية التراكمية، التي تؤسس لوعي الذات وللثقافة الإنسانية،

وذلك عبر مضامينه المتنوعة، بغض النظر عن انتشاره وحضوره القوي، الذي يمهد لإمكانية تأثيره بشكل واسع في حياة الناس، وهذا يتطلب بحد ذاته مقومات كثيرة ومختلفة، وقد حافظ المسرح السوري على نهجه، وهو مسرح جاد، أكثر ما يمتاز به الالتزام والالتصاق بالواقع على الدوام، بل إن الكثير من أعمال المسرح السوري ونصوص المبدعين السوريين، كانت رؤيا وتجارب عميقة ترشحت حتما من بين ثنايا الواقع والفكر النير، القادر على استنباط أجوبة شافية للواقع، ثم تقديم الرؤية الأمثل له، فلم يغفل مبدعو المسرح عن أي سلبية، قد تترك آثاراً وتبعات بشعة على الإنسان، حيث الأزمة السورية وأحداثها، أبرزت تبعات الفكر المتطرف، التكفيري ومنعكساته على الواقع، ما يعيدنا إلى العديد من أعمال المسرح السوري، التي قاربت هذه الحالة بأشكال إبداعية متعددة، والتي تؤكد التزام المسرح السوري الدائم بقضايا الوطن والمجتمع، وقد شكل على الدوام هاجساً لمبدعيه، لتتم معالجة الواقع وقضاياه، على أنواعها وطنية أو سياسية أو اجتماعية، ثم طرح الأسئلة حولها، فلم يستكن يوما، وكان محرضا وموجها دائما إلى تعرية السلبيات على أوجهها، والأعمال على هذا المنوال كثيرة، ، وعلى امتداد مسيرة هذا المسرح الطويلة، حيث تم فضح التطرف والفكر الظلامي، والذي يقف معوقا دائما للثقافة والفكر، كما يحمل إمكانية تجنيده واستثماره في قضايا إرهابية تجلب المأساة والويلات، فطرحته الأعمال السورية في معالجات وجوانب عديدة، منها بشكل مباشر، ومنها عبر التكريس للجوانب الإنسانية التي تدحضه وتجتثه، فكانت الأعمال النوعية تقف له بالمرصاد، تحاربه وتكافح من أجل تكريس البديل والوجه الآخر الأفضل، وهذه الأعمال لاتعد ولا تحصى، منها عمل (سهرة مع أبي خليل القباني) تأليف (سعد الله ونوس)، والذي طرح مسيرة رائد المسرح العربي والصعوبات السياسية والدينية، التي اعترضته، وأخرجته من أرضه، فالفكر الرجعي وقف له بالمرصاد، ومنعه من العمل، وهو صاحب الفكر النير والثقافة، فطرح العرض قضية الفن والتنوير، كما لا ننسى عرض (يوم من زماننا) أيضا للكاتب (سعد الله ونوس)حيث تم مسرحته، مع غيره من النصوص المسرحية الأخرى على مساحة الوطن العربي لعشرات المرات، داخل سورية وخارجها، ليؤكد من جهة أخرى أن المبدع السوري يمتلك الرؤيا الفكرية العميقة والهم الإنساني، الذي يجعله يناقش هموم الواقع العربي كله، وقد قارب النص الواقع العربي ونقد الفكر المتطرف الذي يغالي بأفكاره وفتاويه التي تستكين للجهل وتعمية العقل، وقد استمر المسرح نقد الفكر الأسود وتعريته عبر أعمال مسرحية كثيرة، نهضت بمسؤوليتها تجاه الناس، وحققت دورها التنويري الذي يتحدى الفكر المتخلف بكل أوجهه، ولا سيما من خلال مضامين حملت أبعاداً إنسانية راقية في كل الاتجاهات، و بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى وبُعد، وقد مجدت الأعمال المسرحية السورية ضرورة احترام الإنسان، وضرورة احترام الآخر والفكر، والثقافات الأخرى والحضارات، وكم من عرض مسرحي قدم في سياق أحداثه صوراً عن ثقافات الشعوب الأخرى وفنونها وحضاراتها، ولا مبالغة إن قلنا، إنه لم يخل عمل مسرحي سوري من هذه الجوانب بشكل من الأشكال، حيث اكتظت عروض المسرح السوري بها، وقد شغلها البحث عن الرؤية الإنسانية الأفضل والأمثل عبر مقولاتها، كي تقدم بشكل دائم أجوبة والمعادل الايجابي، الذي يواجه ويعاكس الفكر الجامد والمغلق على نفسه، وقد تصدى المسرح السوري لدوره هذا بامتياز عبر مسيرته، أيضا هناك أعمال قدمت هذه الرؤية ولخصتها، وعالجت مسألة التطرف بالشكل المباشر، منها عرض (بساط احمدي) تأليف (حكيم مرزوقي)، وقد كان أحد بطلي العرض منفتحاً على الآخر وعلى الأديان الأخرى والثقافات، أما الآخر فحمل الفكر المتطرف المستهتر بحياة الآخرين، فـ(جلال الدين )ينوي تفجير نفسه، تحت اسم الدين، وقد تم استغلاله بكل بساطة، تحت الفهم الخاطئ، و قد ناقش العرض قضية الإرهاب، ونتيجة قربها من معاناة الواقع العربي والمحلي أيضاً، فقد كان نفس النص المسرحي من ضمن العروض التي شاركت في مسرح الشباب في الأردن في الفترة الأخيرة، كما أنه تم الاعتماد عليه في عرض بعنوان( بساط حلبي )من إخراج عروة العربي، حيث دار العرض في نفس السياق، و من جهة أخرى، كان عرض (ايمتى رح يطلع الضو )من إخراج حسام شاه، والذي تحدث عن معاناة الناس والأمهات اللاتي فقدن أبناءهن نتيجة الفكر الإرهابي، الذي تعيش سورية مأساة تبعاته وتداعياته، وقد نقل هذا العرض نتائجه المباشرة على الأرض، كما لابد من الذكر أن الكثير من الأعمال السورية، ركزت بشكل كبير على البعد التسامحي، وقبول الاختلاف، و التأسيس للحوار والمحبة بين أفراد المجتمع، كرد مباشر على ما يتم تعميمه، ونشره من ممارسات ومحاولات لخرق الصف الوطني، وقد حملت غالبية الأعمال في الفترة الأخيرة هذا الجانب بكل وضوح، منها عرض (سيلوفان)إخراج (أسامة حلال )، إذ صور العرض اختلافاً في الآراء ووجهات النظر، والقراءات العديدة للواقع، لكن جميعها تدين بالولاء للوطن، و تؤكد أن مصلحته هي العليا دوما، وفوق كل المصالح، ليكون العرض كغيره من الأعمال السورية، التي ترسخ لثقافة إنسانية حقيقية، بعيدة كل البعد عن التطرف.‏