2012/07/04

لا بواكي للقضايا الكبرى في الإعلام العربي ...وسائل الاتصال الحديثة أبطلت مفعول الثقافة وتأثيرها
لا بواكي للقضايا الكبرى في الإعلام العربي ...وسائل الاتصال الحديثة أبطلت مفعول الثقافة وتأثيرها

محمد أمين – الوطن السورية

لا ريب في أن ما حدث ويحدث في العالم العربي قد أدخل الثقافة العربية بكل تجلياتها في دائرة الارتباك حيث باتت عاجزة عن إدراك ما يحدث، إنه حراك من نوع مختلف حراك لم تألفه ربما الشخصية العربية التي عاشت على مدى قرون مسلمات كان يرى كثيرون أن من الصعب إن لم يكن من المستحيل فكفكتها واختراقها ولكن جيل الفيس بوك الذي حول هذا الموقع إلى ديوان جديد للعرب لم تعد تهمه كثيراً هذه المسلمات فهو يتطلع إلى مستقبل لا يهيمن عليه التاريخ بإرثه الثقيل الذي بقي لزمن طال عبئاً على الشخصية العربية وربما كابحاً لجموحها وتطلعها نحو غد أفضل، فمن يعش في التاريخ ويمجده إلى درجة التقديس أو يرفضه إلى درجة التدنيس لا مكان له في المستقبل، وقد قيل إن من يطلق النار على التاريخ يطلق عليه المستقبل مدافعه. إن الثقافة العربية اليوم تعرج وراء ما يجري ولا تكاد تدركه، لم يكن لها قرار مباشر فيما حدث ولا أتوقع أن يكون لها في المستقبل القريب، وخاصة أن أدوات الاتصال الحديثة أبطلت إلى حد ما تأثيرها بحيث بدأت تتشكل وتتبلور صورة ثقافة مغايرة للثقافة الكلاسيكية المعروفة التي شاخت لدرجة أنها تحتاج إلى مساحيق كثيرة ومتطورة لتحسين صورتها.

الدراما العربية والوطن

وإذا ما قصرنا الحديث على الدراما وهي بلاشك نعتبر اليوم التجلي الأوضح، الأقرب إلى الناس نرى أنها اقتربت من القضايا العربية (الكبرى) بشكل ما بآخر، ربما ساهم التخبط وعدم استقرار الرؤى في الإعلام العربي في الحد من هذا الاقتراب وإبطائه وتعويقه إلى حد كبير لدرجة أن هذه القضايا لم يعد لها بواكٍ في هذا الإعلام الذي حاول على مدى العقد الأخير حَرْف المزاج العام العربي وإغراقه بالرديء من الدراما العربية والأجنبية على أمل تنويمه تنويماً درامياً وتخديره من خلال مسلسلات الهلوسة.

وتقتضي الأمانة أن نشير إلى أن أغلب الدراميين العرب لم يكونوا راضين عما يحدث من تخريب إعلامي وكانوا ولا يزالون يتمنون أن يكون لدينا إعلام يرقى إلى مستوى ما يريده الشعب العربي، إعلام يبقي الذاكرة متوقدة والعزيمة حاضرة والأبواب مشرعة على آفاق أمل لا ينتهي ولكن ليس بيد هؤلاء حيلة وقد اضطر عدد لا بأس به منهم على الاشتغال بمشروعات درامية فاسدة ومفسدة لأسباب لا يجهلها أحد ولكن البعض منهم أغرق وذهب بعيداً في هذه المشروعات بحيث ألهته عما سواها وجرفته فأصبح دون أن يدري أداة في يد إعلام لا يرحم.

من خلال التدقيق في حصيلة الدراما العربية فيما يخص القضايا العربية نجدها حصيلة لا تسر أبداً من حيث الكم والمبنى وقليلها مهم من حيث الكيف والمعنى.

وبإمكان المتابع أن يحصي الأعمال التي لامست هذه القضايا دون عناء كبير حيث كانت القضية الفلسطينية في مقدمة القضايا التي أولاها الإعلام العربي اهتماماً ما ويعتبر المخرج باسل الخطيب من أوائل المخرجين العرب الذين نذروا جزءاً من مسيرتهم لهذه القضية فقدم عديد الأعمال التي تناولت جوانب مختلفة من تاريخها فمسلسل (أنا القدس) حاول تسليط الضوء على عتمة زوايا فلسطينية حيث تناول تاريخ مدينة القدس عام 1916 وحتى عام 1967 من جوانب سياسية واجتماعية ورغم أن الإعلام العربي لم يحتف كثيراً بالعمل لأسباب يعرفها القاصي والداني إلا أنه يبقى محاولة جادة لإبقاء القدس على جمر الذاكرة كما قدم الخطيب مسلسل (عائد إلى حيفا) المستقى من رواية شهيرة للكاتب الشهيد غسان كنفاني واقترب أكثر من الجرح وقدم مسلسلاً تناول سيرة حياة القائد والشهيد يحيى عياش الذي أرهق الصهاينة من خلال براعته بصنع المتفجرات القادرة على النيل منهم.

من التغريبة إلى الاجتياح

ويعتبر مسلسل (التغريبة الفلسطينية) المثال الأكثر حضوراً عن اقتراب الدراما العربية من القضية الفلسطينية حيث قدم الكاتب وليد سيف والمخرج حاتم علي رائعة درامية تلفزيونية ترتقي إلى مستوى الوثيقة البصرية عن مرحلة مفصلية من تاريخ الصراع العربي الصهيوني الذي لم تنته فصوله بعد كما قدم المخرج التونسي شوقي الماجري رائعة درامية أخرى هي مسلسل (الاجتياح) الذي ثار حوله وعليه جدل واسع حيث ما زال البعض يشكك بنوايا أي عمل إبداعي عربي يحصل على جوائز عالمية ويرميه بالباطل. وأضاف الماجري إلى سجله عملاً آخر يدخل ضمن القضايا الكبرى وهو مسلسل (هدوء نسبي) للكاتب خالد خليفة والذي حاول من خلاله معرفة تفاصيل ما جرى في بلاد الرافدين قبيل وأثناء الغزو الأميركي في عام 2003.

لم تغب القضية الفلسطينية عن كثير من الأعمال الدرامية السورية حيث لم تخل أعمال للمخرج هيثم حقي من محاور تخص هذه القضية بشكل أو بآخر وقدم مسلسلاً عن الشهيد السوري عز الدين القسام في عام 1981 والذي قضى دفاعاً عن فلسطين، كما حاولت مسلسلات ما يسمى الدراما الشامية أن تعزف على هذا الوتر حيث جرى إقحام الشأن الفلسطيني فيها بأسلوب يحتمل الكثير من النقاش.

القضية في الدراما السورية

ويعتبر مسلسل (حمام القيشاني) للكاتب دياب عيد والمخرج هاني الروماني من أكثر الأعمال الدرامية السورية اقتراباً من التاريخ السياسي لسورية حيث جرى تسليط الضوء على الحراك الكبير الذي شهدته سورية قبيل الاستقلال وبعده من خلال شخصيات اجتماعية انغمست في هذا الحراك وكانت جزءاً فاعلاً فيه، كما قدم المخرج نجدة أنزور أكثر من عمل يصب في هذا المنحى بدءاً من مسلسل (نهاية رجل شجاع) ومروراً بـ(إخوة التراب) الذي أرّخ درامياً للسنوات التي سبقت استقلال سورية الأول عن الدولة العثمانية وانتهاء بمسلسل (رجال الحسم) الذي تناول الأوضاع في الجولان قبيل احتلاله من العصابات اليهودية في عام 1967 وقدم المخرج المثنى صبح منذ عامين مسلسل (الدوامة) عن نص للكاتب الراحل ممدوح عدوان والذي تناول مرحلة الانقلابات العسكرية في عام 1950 وبدء المحاولات الغربية للسيطرة على سورية بطرق بعيدة عن الاحتلال المباشر.

لقد دهمت الأحداث والثورات العربية الدراما العربية التي كانت قد أعدت قائمة أعمال موسم 2011 ولهذا لن نجد مسلسلات في رمضان القادم تشير أو تتناول هذه الأحداث بعمق ولكن من المتوقع أن ينكب عدد من الكتاب الدراميين على تأليف أعمال تغوص بعيداً فيما جرى وتحاول إعادة إنتاجه وقراءته بأسلوب درامي كل حسب الزاوية التي ينظر منها إلى ما جرى، ولا ريب في أن الدراما العربية التي سادت طوال العقود الفائتة سوف تختفي شيئاً فشياً لتسود دراما مختلفة أكثر صدقاً فالمشاهد لم يعد يقبل دراما مناقضة لواقعه