2012/07/04

«لا حياء في العلم» هل يبرر الإسفاف في المعلومة؟
«لا حياء في العلم» هل يبرر الإسفاف في المعلومة؟


ديمه داوودي - تشرين


(لا حياء في العلم) بات الشعار الوحيد الذي تبرر به الفضائيات برامجها الموغلة في عمق الخصوصية, ومنها «الفراعين» التي يبدو أنها فسحت المجال لخلع رداء الحياء الإعلامي جانباً, فالمحطة المذكورة تختص بمناقشة أمور شخصية لما فوق الثامنة عشرة في أكثر من برنامج تعرضه في أوقات مختلفة من الأسبوع, أبرزها برنامج «بصراحة» الذي تقدمه المذيعة الشابة «آلاء نور», ومن اللافت للنظر أنها تحقق نسبة عالية من المتابعة على الصعيد العربي, فهل يعقل أن المتلقي العربي يبحث عن حلول لمشكلات الزواج الشخصية والحب علناً على شاشة الفراعين, وغيرها من الشاشات العربية التي تتبع المنهج ذاته بحثاً عن ثقافة جنسانية أوسع مهما بلغ استيعاب المتلقي وعمره!!

من الواضح أن التطور في التكنولوجيا وتطور الإنسان البدائي لم يغير من هاجس الجسد الذي مازال ملتصقاً بالإنسانية, ما جعل الكثير من المحطات الفضائية اللبنانية والمصرية تسخر برامجها لخدمة الجنسانية للمشاهد, والذكورة قبل الأنوثة, إذ تعرض الكثير من الأدوية والعلاجات ذات الخصوصية العالية والتي لا يمكن لأي كان استخدامها من دون استشارة الطبيب, ولا يخلو الإعلان من التلميحات والإيحاءات الجسدية التي يستهجن عرضها في أوقات متفرقة من اليوم, رغم دراية القناة بشريحة الأطفال التي ستثير زوبعة من التساؤل عن هذه الأشياء والأدوية. ‏

ومن اللافت للنظر أيضاً أن القناة ذاتها تعرض هذه البرامج جنباً إلى جنب مع برنامج «العائلة المقدسة»..!! ‏

هل تقدر هذه البرامج معنى الجنسانية .. وأين الرقابة!!! ‏

من المعروف أن الجنسانية هي أحد الجوانب الملازمة للإنسان مدى الحياة. وهي التي تجمع بين الجسد، وكل ما يتبعه من كيان ووجود وهوية وثقافة وخصوصية.. لذا فإن التربية من هذا النوع يجب أن تكون تحت رقابة تامة وأن تكون سليمـة ومتسمة بالصدق في التبليغ ومراعاة السن في التفصيل فهي عملية توصيل المعلومات (المرتبطة بموضوع الجسد واستمرارية الحياة والتوالد) إلى الأطفال والمراهقين، وطبعا تتم عبر مراحل متواترة وبشكل تدريجي وبمصطلحات تحفظ عنصري الوقار والاحترام بين الآباء والأبناء، والهدف منها إعداد الطفل لحياة قادمة طبيعية وعادية، خالية من المشكلات والعقد، وتكون مبنية على قواعد علمية ومعلومات صحيحة ومضبوطة بعيداً عن الإسفاف الذي توغل فيه أكثر الإعلانات والبرامج على شاشات كل من (الفراعين، الجديد، LBC) فالمصطلحات المستخدمة غالباً لا تكون في مكانها الصحيح, إذ إننا فعلياً لا نملك مصطلحات جنسانية بسيطة تساعد في عملية إيصال المعلومات، وكل ما نملكه إما مصطلحات علمية معقدة لا تفهم، وإما مصطلحات قوية تخدش الحياء وتخون المعنى، وإما مصطلحات الشارع. ‏

تحت شعار (لا حياء في العلم)!!.. ‏

يبدو أن المشكلات الجسدية في ازدياد، وباب طرق المحظورات علناً بات وسيلة الانتشار الأسرع تحت شعار الصلح مع الإطار الخارجي للعلاقة الزوجية, والتعامل مع البشر كبشر, أفلا يتنافى الشعار مع خصوصية ما تتحدث عنه القناة؟ أم أن على البشر التشبه بالقطط وبدل استباحة الشوارع سيستبيحون الفضائيات كما تفعل فضائية الفراعين التي بات يقلدها الكثير من المحطات اللبنانية!! ‏

ما يعني أن الثقافة الجنسانية التي كانت مقتصرة على الأحاديث الخاصة وبعض العيادات الطبية باتت رهن الشاشات!! ‏

ليست الجرأة التي تصل الوقاحة ما يميز هذه البرامج, فمن الواضح استغلالها لإشباع النقص في الحاجة الشخصية للمعلومة التي ربما تكون خاطئة، فما من اختصاصي نفسي أو داخلي أو حتى جنساني يتحمل نتائج الإعلان أو المعلومات الواردة في البرنامج . ‏

طبعا تختلف تسميات البرامج بحسب الفضائية العارضة له فهناك برنامج «حكي كبار» على (شاشة الجديد) وبرنامج (لول..علىotv) وهي تتنوع بين البرامج الاجتماعية والترفيهية التي تنعكس سلباً على شرائح الجيل الجديد الذي بات هاجسه معرفة ما هو محظور بل وتجربته أحياناً, فبعض البرامج تحض على الثقافة من خلال التجربة نظرياً أو علمياً, فكيف يمكن لمجتمعاتنا الشرقية تفهم هذه النظرية وقولبتها بما يتناسب مع جميع شرائحها الواعية والنامية معاً؟؟. ‏

إلى أين تسير بنا قافلة الثقافة الرخيصة؟. ‏

هل من الممكن قبول هذا الانطلاق السريع نحو ثقافة الجسد بعد طول تكتم عليه؟ وكيف يتقبل المجتمع مثل هذه البرامج والإعلانات الدعائية التي تغتال براءة الأطفال في أوقات عرضها؟ ماذا لو أن البرامج والإعلانات الدعائية لم تخدش الحياء وكانت مدروسة بشكل أفضل, أما كان ظهورها على الشاشة أقل خطورة وأكثر مصداقية!! ‏