2012/07/04

لحظة؟! التابو والمقدس .. والدراما ..
لحظة؟! التابو والمقدس .. والدراما ..

مازن طه - البعث

بقدر ماتحيط التابوات والمقدسات بِأي مجتمع.. بقدر ما يعاني هذا المجتمع من الانعزال والانغلاق .. والتقوقع .. والخروج عن سياق التطور التاريخي .. لأن دينامية أي مجتمع تنبع أساساً من مقدار وحجم وكمية الحرية التي يتنفسها.. فمجتمع التابو والمقدس يحول أفراده إلى كائنات مذعورة .. خائفة .. لا همّ لها سوى التطوع لحماية هذه المقدسات والتصدي لمن يحاول المسّ بها .. نعم يتحول معظم أفراد المجتمع وبفعل غريزي بامتياز إلى حراس ثوريين للرموز والمقدسات وما أكثرها...

وبعيداً عن قدسية الدين فإن هذه المجتمعات تقوم بتقديس التاريخ بكل رموزه وأبطاله والتراث بموروثه الثقيل .. والسير والملاحم الشعبية بكل خرافاتها وأساطيرها ومبالغاتها.. إضافة إلى اجترار أطنان من المقولات.. والحكم والأمثال الشعبية.. والتي يتعامل معها المجتمع أيضاً بهالة من التقديس والتبجيل على أنها نتاج تجارب الأولين.. أو نتاج تجارب السلف الصالح .. ودائماً يجب أن يكون السلف صالحاً. ومن غير المقبول أبداً الحديث عن سلف طالح؟.

وبما أن الدراما تعيد إنتاج حركة المجتمع.. فقد فرضت عليها قوانين صارمة.. وخطوط حمراء وصفراء وزرقاء تتلخص بعدم المسّ بهذه المقدسات.. وما أكثرها..

فالدراما التاريخية.. لايمكن قبولها إلا إذا قامت بإجراء عمليات تجميل للأحداث التاريخية وعمليات نفخ للأبطال التاريخيين لكي يترفّعوا من جنس البشر إلى جنس الملائكة.. وهنا يبرز السؤال: ما فائدة الأعمال التاريخية إذا كانت تساهم بتلفيق التاريخ .. وتقف عاجزة عن إعادة قراءته  وإعادة إنتاجه.. (وأقصد هنا الإنتاج المعرفي وليس الإنتاج الدرامي)

ودراما البيئة .. لايمكن قبولها إلا إذا قدمت الحارة وكأنها مدينة أفلاطون الفاضلة حيث تطفو على السطح قيم الشهامة والغيرة.. والرجولة والزغرتية .. وقد قام البعض بتكريس هذه التيمة وباتت هي المثال المحتذى .. (حارة مغلقة .. منفصلة عن السياق التاريخي والجغرافي.. رجالها غارقون في اجترار الجهل والتخلف .. ونساؤها بالثرثرة .. وحكاياتها تمعن في تقديس العادات المتوارثة .. ثم يضاف إليها رشة من الوطنية .. كما يضيف الطاهي رشة من البهارات لطبخته..)  وهكذا تطبخ هذه الأعمال .. وبذلك ساهمت الدراما بقصد أو غير قصد بإضافة مقدس جديد إلى قائمة المقدسات وهي الحارة الشعبية.. بكل رموزها .. بدءاً من فوزية وسعاد وانتهاء بالعكيد أو الزعيم .. فهل يقبل الآن أبناء الميدان أو الشاغور أو ساروجة أو لنقل السكان الأصليين لتلك الحارات التي انقرضت أن يشاهدوا مسلسلاً تقدم فيه شخصية العكيد أو زعيم الحارة بصورة سلبية كأن نشاهد عكيداً منحرفاً يجبي الأتاوات ويعتدي على حقوق الناس ..  بالطبع لا .. سيتصدى هؤلاء للدفاع عن الرمز .. والدفاع عن عكيدهم وشرف حارتهم كما يدافع البدوي عن عشيرته ولنلاحظ هنا أن الحارة أصبحت كالقبيلة .. والمفهوم القبلي البدائي بات سيد الموقف. وبذلك لم تساهم هذه الدراما في تكريس المقدس فقط .. بل أضافت مقدسات جديدة إلى الذاكرة الجمعية والأنكى من ذلك أن بعض هذه الأعمال باتت هي المقدس عينه.

وأخيراً لابد من القول: إن الدراما السورية مطلوب منها أن تستمر بالنجاح والتألق والسير بين  حقول الألغام .. ومجموعة من الممنوعات والتابوات.. وعدم الاقتراب من الأماكن المحظورة المقدسة.. وتتلخص.. بالدين والجنس والسياسة.. والرموز التاريخية والرموز الشعبية.. والقبيلة والحارة.. والعكيد.. إلخ .. إلخ .. حيث القائمة تطول .. وأصبح الكاتب بحاجة إلى وضع أكثر من رقيب داخلي عندما يكتب .. فهو الآن بحاجة إلى شرطي في داخله وبحاجة إلى شيخ جامع وشيخ عشيرة ومختار حارة .. ويجب ألاّ ينسى أن ثمة موظفاً رقيباً يجلس على كرسي متحرك ويخشى من الانزلاق من تحته .... يتربص به .. بعد أن تم تعيينه وصياً على أفكاره ووصياً على أخلاق المجتمع وعاداته ومقدساته .. وفي ظل هذا المناخ يطل علينا البعض متسائلاً عن ماهية الدور الذي يجب أن تلعبه الدراما السورية في أي حراك ثقافي أو مجتمعي، وأنا لن أكون متشائماً عندما أعلن أنه حتى الآن لم تلعب الدراما دورها الحقيقي الذي نبغاه ونتمناه لأنها مازالت أسيرة التابوات والمقدسات ومازالت درامانا.. تقبع خلف أبواب الحارات المغلقة.. والجدران العالية ..