2012/07/04

 	(لعنة الطين) يفضح فساد الثمانينات في سوريا
(لعنة الطين) يفضح فساد الثمانينات في سوريا

  جمال آدم - البيان هارب من مهامه كمدير تصوير في عدد من أهم الأعمال في الدراما السورية التي شكلها باهتمامه وحرفيته، توجه أحمد إبراهيم الأحمد إلى الإخراج ليتعامل مع هذه المهمة الجديدة باحتراف آخر ورؤية موضوعية ومهنية عالية، ممسكا بقبضة من حديد بهذه المهمة الصعبة في ثاني تجاربه الدرامية، مسلسل »لعنة الطين«، الذي رفع من أسهمه عاليا أمام رهانات حول استمراره في المهمة الجديدة. ونحن نتناول هذا العمل ندرك وباستطلاعات رصد سريعة أنه شغل الشارع السوري بعيدا عن كثير من الأعمال الدرامية للموسم الحالي. المسلسل أثار قضايا لاتزال عالقة بتفاصيلها المضنية في ذاكرة الناس نظرا إلى أهمية موضوع لعنة الطين، وجرأته في التعرض لمكامن الخطر والتغيير في المجتمعات السورية في فترة الثمانينات من القرن الماضي.حيث أزمة الحصار التي كبدت سوريا خسائر كثيرة، وأثارت خللا في التركيبة الإنسانية والاقتصادية، ولعل هذه الفترة التي لا تزال الدراما في سوريا غير قادرة على أن تطأها بكل أريحية، وكأنها حقل ألغام يمكن أن ينفجر بأية لحظة، حيث تتشابك المعطيات والمعلومات فيها، وتختلط أوراق السياسة بالاقتصاد بالحياة اليومية، ويصبح المتحدث عن المال متهما بالسياسة والغارق بلعبة السياسة خائنا للوطن والساكت بحاله شيطان أخرس وهذا أضعف الإيمان! كثرت الاتهامات وقل عدد المتهمين، ولعل الكاتب الشاب سامر رضوان يخوض تجربة مدهشة في الدخول في حقل الألغام، بأقل قدر من الخسائر، ودون الخوض بأسماء شخصيات جاهزة، مكتفيا بسرد قصص لها علاقة بحركة الفساد والخراب الذي ترافق مع تلك الفترة العصيبة في سوريا. مؤكدا في أحاديث سابقة له أن الرقابة طلبت منه فقط التعديل في مئة وثلاثين مشهدا، تم فيها ذكر بعض الشخصيات اللبنانية، وهذا ما جعله يعيد ترتيب بعض التفاصيل وفق ما طلبته الرقابة، وهذا بحد ذاته قد يعتبر انتصارا للرقابة السورية في تصريحها بالموافقة لعمل حساس كلعنة الطين وربما لو كان هذا العمل في مرحلة سابقة لما أفرج عنه بسهولة. العمل، الذي يتناول فترة الثمانينات العصيبة في سوريا مع انتشار عمليات الفساد والتهريب وندرة البضائع الأساسية في ظل الحصار الاقتصادي على سوريا في تلك الفترة، وهو يروي حكاية شاب قدم من الريف إلى المدينة ويصبح ضحية لمسؤول كبير نافذ، لا يلبث أن ينفضح دوره في شبكة الفساد ليهرب مغادراً البلد، فيما الشاب يخرج من السجن بعد عشرين عاماً كان قد دبره له. الشاب الريفي الذي يؤدي دوره ببراعة الفنان الشاب مكسيم خليل يتحول من دراسة الهندسة إلى الكلية الحربية بتأثير هذا المسؤول الكبير الذي يؤديه خالد تاجا. وعندما يتخرج الضابط الشاب يصر المسؤول على أن يعيّنه تحت إمرته، ما يدفع بالشاب إلى تقديم استقالته من السلك العسكري، فيدبر له حينذاك مؤامرة السجن، التي تغير من خارطة حياته فيخوض معركة جديدة للحصول على حريته وتحقيق طموحاته من جديد. يلجأ المخرج في تعاطيه مع العمل إلى صورة مختلفة تعرضها الشاشة فتشبه تلك الحالة التي يقوم فيها فنان تشكيلي بتعتيق لوحته باستخدام تقنيات خاصة في الظل والنور، ولم يجد احمد بدا من جعل الصورة تنتمي إلى مرحلة الثمانينات بغية تحقيق تأريخ للمشهدية الفنية الساحرة التي لجأ إليها كمعادل فني، وكأن العمل يؤرخ لمرحلة الثمانينات دون أدنى تدخل من شخص المخرج الذي يذوب في المشهد بحضور كامل عناصره، وهذه لعبة قد لا يتقنها الكثير من المخرجين الذي يصرون على الحضور. والوجود كي تتم الإشارة إلى مبالغاتهم وإلى تدخلاتهم، وإلى جانب هذا أدخل المؤلف اللهجة الساحلية التي سبق وان تم الاعتماد عليها كشكل من أشكال إثارة الضحك في المشهد الدرامي السوري وتحديدا في الأعمال السينمائية والتلفزيونية اللاحقة، ولكنه هنا استخدم اللهجة لأغراض درامية وجعلها حاملا لأفكار المرحلة ودليل اتهام على مرحلة بأكملها. وبدوره قام الكاتب بعرض حالة الفساد الاجتماعي التي ترافقت وحالة فساد في قطاعات أخرى وهنا كان لا بد من الانتقال بين عوالم اختيارية تنقل بينها الكاتب بين الريف والمدينة والحديث عن عدم انسجام واتفاق بين شخصيات المدينة وشخصيات الريف لا سيما فيما يتعلق بخارطة طريق الحالة الاجتماعية في سوريا . يعتمد المخرج على كادر تمثيلي لديه حالة انسجام وتبدو هذه الحالة شكلا من أشكال نجاح العمل الذي يزداد عدد المعجبين به يوميا، والمشكلة التي واجهت هذا العمل هو ضعف الإعلان عنه، وعدم تقديمه من قبل المحطات المحورية في العالم العربي، ولكن يبدو أن روج لنفسه بنفسه، وكسب مشاهدين من العيار الثقيل لفنياته العالية وأفكاره التي تطرح حضورا مختلفا لفترة، تم الكشف عن أسرارها تباعا.