2012/07/04

للموسيقى التصويرية نصف الصورة السينمائية
للموسيقى التصويرية نصف الصورة السينمائية

اسامه عسل _ دبي

تشكل الموسيقى التصويرية، حسب رأي بعض النقاد، نصف الفيلم السينمائي على اعتبار أنها الوسيلة الأقوى التي توفر للجمهور فرصة الاندماج في المشهد.

وعلى الرغم من أن الكثير من الناس عند مشاهدتهم لأي فيلم لا ينتبهون للموسيقى، ومن الممكن بعد انتهائه يقولون لم نسمعها، لكن مع هذاـ تؤثر فيهم ـ دون أن يشعروا وحتى لو لم ينتبهوا لها. ومع تطور الدراما، وخصوصا في السينما، أصبحت الموسيقى التصويرية فناً قائما بذاته، تأتي مصاحبة أو خلفية لأحداث على الشاشة، وهي عموما منفصلة عن الأغاني التي قد يعرضها الفيلم، وتحتل مكانة متميزة في مسابقات المهرجانات السينمائية الكبيرة (الغولدن غلوب والأوسكار) وترصد لها جوائز تؤكد أهميتها وضرورتها في بناء العمل الفني.

وتوضع موسيقى الأفلام غالبا بعد رؤية مؤلفها للفيلم منتهيا، أما في الأفلام التي تتطلب موسيقى خاصة بها كأغنية أو رقصة أو معزوفة فإن الموسيقى تؤلف وتسجل قبل تصوير المشهد، وتتألف موسيقى الفيلم عادة من سلسلة منفصلة مدة كل منها تتراوح من بضع لحظات إلى بضع دقائق، وتعد الموسيقى التي تستمر لمدة خمس دقائق حالة استثنائية تتطلب ضرورة وتوظيفا فنيا لها، حيث تساعد في صنع جو للفيلم أكثر إقناعا بالزمان والمكان.

وهناك أسماء بارزة في هذا المجال تركت بصمات خالدة في فن الموسيقى التصويرية، منها عالميا جون ويليلمز، صاحب أشهر موسيقى تصويرية سينمائية في تاريخ هوليوود (حرب النجوم، سوبرمان، وحيد في المنزل، هاري بوتر) .

ومعظم أفلام المخرج الكبير ستيفن سبلبيرغ، وجيمس هورنر الحاصل على جائزتي أوسكار عن أفضل موسيقى تصويرية وأفضل لحن لأغنية عن فيلم (تايتانيك)، وهانس زيمر ملحن ألماني تميزت أعماله بدمج الموسيقى الإلكترونية بالأوركسترالية التقليدية وحققت نجاحا كبيرا في (رجل المطر، الإمبراطور الأخير، وقيادة الآنسة دايزي)، وهاورد شور صاحب موسيقى الفيلم الشهير (صمت الحملان) والفيلم الملحمي (سيد الخواتم) بأجزائه الثلاثة.

أما على المستوى العربي وخصوصا المصري؛ فهناك فؤاد الظاهري الذي وضع الموسيقى لأكثر من 300 فيلم منها (دليلة، لوعة الحب، في بيتنا رجل، الطريق المسدود، ورصيف نمرة خمسة)، وأندريا رايدر الذي وضع موسيقاه الرائعة لفيلم (عاشت للحب)، وأحمد إسماعيل صاحب موسيقى فيلم (الحقيقة العارية)، وظل هؤلاء الثلاثة يشكلون تراث السينما العربية في الأربعينات والخمسينات والستينات والسبعينات حتى منتصف الثمانينات.

وحاليا تبرز علامات مهمة في مجال الموسيقى التصويرية للأفلام مثل، راجح داود واضع موسيقى (الصعاليك، أرض الخوف، ورسائل البحر)، وعمر إسماعيل صاحب موسيقى (واحد من الناس، آسف على الإزعاج، وأعز أصحاب)، وكذلك لا نستطيع أن نهمل أسماء مثل حلمي بكر، عمار الشريعي، هاني شنودة، عمر خيرت، وياسر عبد الرحمن واضع موسيقى فيلمي (ناصر 65، وأيام السادات)، والذين أسهموا في أن تحظى الموسيقى التصويرية بالاهتمام نفسه الذي تحظى به الجوانب الفنية الأخرى في الفيلم كالديكور والتصوير والإخراج وغيرها.

ولأهمية هذا الموضوع وضرورته الفنية، تسعى بعض التظاهرات السينمائية تفعيله، وفي السطور التالية يرصد (الحواس الخمس) جلسة حوارية حول صناعة موسيقى الأفلام أقيمت ضمن مهرجان الدوحة ترايبكا السينمائي، وآراء أخرى لبعض مؤلفي الموسيقى في عالمنا العربي.

مؤلفو الموسيقى: تيمة النغمة يحددها الفيلم وأفكار المخرج

الموسيقى التصويرية جزء أساسي من الفيلم، وبالقدر نفسه من الأهمية كالمؤثرات المرئية، فالتجربة لا تكتمل إلا معها، وبالتالي فإن مهمة المؤلف الموسيقي ليست بالسهلة، وكما شرح المؤلف الموسيقي البريطاني الهندي نيتين ساوهني لجمهور مهرجان »الدوحة ترايبيكا« فإن الأصوات والأنماط المستخدمة تختلف حسب كل قصة، وحسب المشاعر والمواقف والشخصيات والتوجه العام للفيلم.

وفي حلقة دراسية جمعته بعازف الطبلة والدولاك البريطاني الآسيوي الأصل عارف درويش، عرض ساوهني لتجربته في تأليف الموسيقى للأفلام والمسلسلات وألعاب الفيديو وغيرها، قارنا شرحه بمشاهد من الأفلام أو الأعمال التي شارك بها، كما قدم توضيحا مع عرض حي على المسرح للعزف على الطبلة والغيتار.

توجه الفيلم

لفت ساوهني إلى أنه أثناء تأليفه موسيقى لعمل ما سواء سينمائي أو تلفزيوني، يحاول الدخول في أفكار المخرج وآرائه، وهذا الأمر قد يكون صعبا أحيانا، إنما من الضروري أن تكون الموسيقى التصويرية بنفس توجه الفيلم تماما.

وتختلف أنواع الموسيقى بحسب القصة أو طبيعة العمل، ففي مسلسل »أركتيك« مثلا، المهمة كانت كبيرة لأن كل حلقة فيها تفاصيلها، وأكد ساوهني أنه لم يتمكن من النوم أثناء عمله على هذا العمل، وقد تعاون مع فرقة عزف لأن قوة الفرقة تسمح بنقل الدراما والأسطورة، وأكد أنه يدخل العزف في الأعمال الحية، وقد قام بتأليف ألبومات كثيرة من هذا النوع كلها دخلت في حيز الدراما.

فرق العزف

وقد لجأ ساوهني في الكثير من أعماله إلى فرق موسيقية أو أوركسترالية، مثل فيلم »يوغوتو نو يومي« الذي عمل فيه برفقة عزف حي لأوركسترا لندن السيمفونية، ويؤكد المؤلف الموسيقي أن العمل مع فرق العزف قد غير منظوره لأمور كثيرة، وفتح أمامه إمكانات جديدة، فالموسيقى الأوركسترالية تساهم في إلقاء الضوء على النقاط الدرامية وإبراز النص.

ويعتبر ساوهني من أكثر الموسيقيين غزارة في التأليف للسينما والتلفزيون والمسرح، وقد عمل بالموسيقى لأكثر من 04 فيلما سينمائيا وتلفزيونيا، وقد أنتج 8 ألبومات استوديو، وترشح لعدة جوائز وفاز بالعديد منها.

قيمة مهمة

ويرى الموسيقار عمر خيرت أن الموسيقى التصويرية تمثل قيمة مهمة جدا للفيلم وقيمة خاصة فقد سبقت الموسيقى التصويرية الحوار في الأفلام الصامتة في بداية عهد صناعة السينما العالمية والتي أبرزها أفلام تشارلي شابلن، فكان يتم التعبير عن المشاهد من خلال عرض الفيلم الصامت على الشاشة ويقوم الموسيقي أو عازف البيانو بعزف المقطوعات التي تناسب المشاهد المختلفة وعادة يتم اقتباس الموسيقى التصويرية الناجحة في صناعة الإعلان، فيعمل نجاح الفيلم وموسيقاه التصويرية على ربط المنتج بالفيلم، فيثبت في أذهان الجمهور المستهدف.

ويسترسل خيرت في توضيحه للموسيقى التصويرية قائلا: عادة تقسم موسيقى الفيلم السينمائي إلى عدد من المقطوعات تبعا لأحداث ومجرياتها، أهمها: مقطع (التيمة) أو الموضوع وهو المقطع الرئيسي الذي يمثل موسيقى بداية الفيلم ويقدم الرؤية والفكرة الأساسية لموسيقى الفيلم، وهو عادة يتكرر داخل مشاهد الفيلم سواء بنفس صورته أو كتنويعه بآلات أخرى قد تظهر أحيانا كعزف منفرد (صولو) أو كونشرتو.

وهناك مقطع النهاية ويخصص هذا المقطع عند عرض طاقم العمل أو مع اقتراب نهاية الفيلم، كما تعد مقاطع موسيقية خاصة للأحداث أو المشاهد الرئيسية داخل الفيلم كمشاهد المعارك أو مشاهد التحولات ( في أفلام الرعب تحديدا) أو تغير سير الأحداث وهي كلها عادة متفرعة من مقطوعة التيمة.

الجزء الأصعب

وحول استخدام الموسيقى كخلفية حيادية يقول عمر خيرت: هي الموسيقى التي لا يفترض بالمرء أن يسمعها إنها ذلك النوع الذي يساعد على ملء المواضع الفارغة كفترة توقف أثناء محادثة مثلا إنها أكثر ما يكرهه مؤلف الموسيقى في الفيلم ومع ذلك فهو يشعر برضا خاص عن نفسه بعد نجاحه في تحويل موسيقى ذات قيمة فعلية ضئيلة إلى أخرى مفعمة بالحياة تعطي للمشهد بعدا إنسانيا وهذا هو الجزء الأصعب في العمل والذي سينال عليه إعجاب غيره من المؤلفين.

روح العمل

ويتناول مؤلف الموسيقى راجح داوود كيفية وضعه لموسيقى الأفلام قائلا: في البداية أقرأ السيناريو، ثم أضع تصورا عاما للموسيقى، بعد ذلك أشاهد الفيلم بعد تصويره، وأعقد جلسات عمل مع المخرج لنصل إلى الشكل النهائي، ومن ثم أقوم بوضع الروح العامة لموسيقى الفيلم وبعد ذلك أقوم بعمل الموسيقى المناسبة لكل مشهد، من دون الإخلال بروح الفيلم ومستوياته.

مستويات مختلفة

ويقول الموسيقار عمار الشريعي إن الموسيقى التصويرية لم تعد مجرد خلفية موسيقية للمشاهد، ولكنها تعبر كما يعبر الممثل، أو تتواكب مع حركته وانفعالاته وانكساراته وغيرها من الحوارات التي تدور في مشاهد العمل، لذلك لا بد أن يكون المؤلف مدركا لأدواته، ويتمتع بخيال واسع وإحساس فطري، لأن المؤلف الموسيقي لا يؤلف بإحساس لمخاطبة وجدان الناس فقط، بل لأنه محكوم بسيناريو ومشاهد وحوار وانفعالات على مستويات مختلفة يتم التعامل معها كما يجب.

ويرى الشريعي أن المتفرج ينفعل مع المشهد أو الحوار بتحريض من الموسيقى التي تصاحب الفيلم، ويتابع قائلا: حتى في حالات الحب تقود الموسيقى التصويرية مشاعر الناس إلى المشهد ومتابعة الحوار بالانفعال المطلوب.