2012/07/04

لماذا إهدار دم الأفلام وتجاهل جهود صانعيها··
لماذا إهدار دم الأفلام وتجاهل جهود صانعيها··

محمد حجازي - اللواء

النهاية الحتمية لمعظم الممثلين الكبار إذا لم يستقيلوا من المهنة التحوّل إلى الإخراج، والعديدون منهم عرفوا معاناة المخرج عندما وقفوا مكانه وراحوا يقولون الملاحظات المتتالية للممثلين، وعرفوا لماذا يتحدّث المخرجون في أحيان كثيرة زيادة عن اللزوم وآخر من دخلت الميدان هي ميغ رايان التي تعترف بأنّها تُشفق عادة على الذين يُديرون العمل ويتحمّلون كامل المسؤولية عن الجميع، لكنّها لم تستطع مقاومة ميلها كي تكون مكانهم، هكذا حتى تقدّم شريطاً يمثّل قناعاتها وفهمها ويعبّر عن رضاها·

سيدني لوميت يعتبر أنّ دوره وزملاءه هو استيعاب هفوات وأخطاء الآخرين حتى لا يتّسببوا في كارثة للمنتج الذي يضع ماله كي يسترده أولاً وكي يربح ثانياً، وحتى يكون قادراً على المتابعة لاحقاً·

واللعبة الجميلة هي التي يتبادل فيها كلا طرفَيْ العملية السينمائية أدوارهما حول الكاميرا، هنا يحضر كلام للمخرجة نادين لبكي تعتبر فيه أنّ مهنة التمثيل هي الأروع في حياة الإنسان لأنها تُتيح له أنْ يفعل ما يشاء وأن يكون أي شخص من دون أنْ يطاله القانون أو يحاسبه أحد، لذا فالتمثيل علاج لأمراض كثيرة، بعضها يستعصي على العلاج العضوي ويكون الحل معه نفسياً، عميقاً، ولا يصدق صاحبه أنّه شُفِيَ تماماً·

الفنانون الأجانب يذهبون أبعد في هذا المجال، حيث يردّد دينيس كوايد ومعه فال كيلمر أنّهما لا يستطيعان البقاء على الحياد في الحياة وقد علّمهما التمثيل أنّهما قادران على التمتُّع بالدنيا من خلال الفلتان في التصرفات، وإنْ تكن النهاية القبض عليهما من وقت لآخر، في حال غياب عن الوعي وإيداعهما التوقيف الاحترازي وأخذ تعهّد بعدم تكرار ما حصل·

والحال إياها تطال الفنانات اللواتي ينتهي الأمر بهنّ في مصحّات إعادة التأهيل، أو القيام بخدمات اجتماعية نموذجية تعويضاً عمّا فعلنه، علّهن ينتبهن إلى تصرّفاتهن اليومية على نحو متميز·

والمخرجون ليسوا أفضل حالاً، ومعظمهم <يفش خلقه> بمساعديه حتى لا يصرخ في وجه أي نجم، خصوصاً داستن هوفمان مُعذِّب المخرجين بكثرة طلباته، ودقّة تنفيذه للشخصيات التي يلعبها خصوصاً عندما قدّم <توتسي> ويومها لم تنته مشاكله في البلاتوه، كما حصل معه حين تقاسم مع توم كروز بطولة فيلم (The Run Man) وراح كل منهما يضع الحق على زميله في عدم القدرة على ضبط الأمور أمام الكاميرا لحسابه الشخصي، بحيث يلعبان بشفافية عند خطوط تماس الشخصيتين من دون مشاكل، مع نجمين كبيرين·

نريد من هذا كله تأكيد أنّ حال أهل المهنة ليس راحة وهناءً وقدرة على الفوز واللمعان، هكذا من مجرد تمضية وقت جميل أمام وخلف الكاميرا، لأن فعل العطاء هو المهم في الصورة التي نراها وتبهرنا على الدوام، بما يعني أنّ كل فنان يُعاني وفق جانب خاص من دوره كي يكون المصنّف السينمائي ناجحاً، فيما لا يرى معظمنا من الجهد المبذول سوى ما يظهر أمامنا في الصالة، وتحديداً وبالشكل التقليدي: الممثلون، فيما المشهدية مرهونة لجيش كبير من خبراء المؤثرات الخاصة والمشهدية، ولتقنيين يعتنون بالإضاءة والديكور والملابس والماكياج وما سوى ذلك من المهمات وصولاً إلى المعمل الذي يُعلن عن تحويل الشريط الخام إلى مادة ثرية بالإبداع تدفع إلى احترام الفن السابع ومبدعيه أكثر فأكثر·

نقول هذا فقط كي يُخفِّف المغالون في إسقاط الأفلام، والتهشيم بصانعيها من دون رحمة استناداً إلى آراء تحطيمية، وكل المطلوب تخفيف اللهجة، ومعرفة أنّ جهداً يُبذل لإنجاز شريط هنا وآخر هناك ولا يجوز إحباط الآخر بآراء تدفع إلى اليأس وانعدام القدرة على تحسين الأداء·

ما خبرناه هنا لا يُبشّر بالخير العميم إطلاقاً، ويقطع في أحيان كثيرة الخيط الرفيع الذي يربط بين طرفَيْ العمل السينمائي والمُبدع والناقد وبينهما المشاهد، بل ويزيد من الهوّة التي لا سبيل لردمها من خلال هذا الجانب أو ذاك في ما بعد، ويا ليت السينما تبقى قاسماً مشتركاً لاحترام كل طرف·· للطرف الآخر·· فحسب··