2012/07/04

لماذا ممثلة تلفزيونية في أعرق مهرجان سينمائي ؟
لماذا ممثلة تلفزيونية في أعرق مهرجان سينمائي ؟

فاضل الكواكبي- السفير

يثير اختيار الممثلة التلفزيونية السورية سلاف فواخرجي لعضوية لجنتي تحكيم مهرجاني أبو ظبي وقرطاج السينمائيين الأخيرين، تساؤلات نقدية حول سطوة العقل التلفزيوني على الفعل الثقافي السينمائي، وحول المعايير المعرفية والمهنية التي تعتمدها المهرجانات، العربية خاصّة، في اختيار أعضاء لجان تحكيمها (وخياراتها الأخرى كذلك). وإذا استبعدنا مهرجان أبو ظبي، الذي يظل في المحصّلة، على الرغم من التطوّر الذي شهده في دورته الأخيرة، مهرجاناً ذا طابع إعلاني ترويجي بهرجي، ما يفترض حشد أكبر عدد من «النجوم» الأجانب والعرب في بعض فعالياته، حتى لو كان هؤلاء لا يمتون بصلة للسينما، بل هم «نجوم» تلفزيونيون (وغالبية الممثلين السوريين هم من هؤلاء)، فإن المثير للاستغراب حقاً هو اختيار فواخرجي لعضوية لجنة تحكيم الأفلام الروائية في مهرجان قرطاج، الذي عرفت عنه جدّيته وخصوصيته الثقافية العالية، والأهم إخلاصه للسينما كفن أسمى من أن يخضع لأوهام الدعوة الميديائية والسياقات التلفزيونية. في هذا المهرجان، تأتي السينما أولاً، ثم يأتي التلفزيون كشكل من أشكال المساندة المختلفة المستويات. جرى ذلك عبر تاريخ المهرجان، بعيداً عن الخضوع لمخاتلات ما يسمى الدراما التلفزيونية، التي تعتبر في الدنيا كلّها فناً لاحقاً وملحقاً بالسينما، سوى في وطننا العربي، الذي استطاعت أمواله النفطية وسلطاته المستبدة الفاسدة أن تفرض علينا أولوية هذه الدراما، في محاولة للقضاء على السينما كشكل من أشكال الممارسة الإبداعية الحرّة، وعلى طقس العرض السينمائي كشكل من أشكال العيش والحراك الحداثي المدني الحرّ.

قرطاج إذاً هو مهرجان للسينما أساساً. وفواخرجي لا علاقة لها بالسينما، سوى علاقة باهتة ضعيفة. فبعد ظهورها في أدوار ثانوية في فيلمين سوريين في منتصف التسعينيات، لم تمثّل دوراً رئيساً سوى في فيلمين لاحقين هما «حليم» (2006) لشريف عرفة، لعبت فيه دوراً ثانياً، و«حسيبة» (2008) لريمون بطرس، لعبت فيه دور البطولة. وإذا كان هناك إجماع جماهيري ونقدي على فشل «حليم»، فان فيلم بطرس لم يحقّق أيضاً تقييماً نقدياً عالياً، فهو فيلم متوسط المستوى في أحسن الأحوال.

هل يُعقل إذاً أن يتم اختيار ممثلة لعضوية لجنة تحكيم أهم وأعرق مهرجان سينمائي عربي، لم تمثل سوى دورين رئيسين في تاريخها الفني؟

قد يعارض البعض استهجاننا، انطلاقاً من أن فواخرجي «نجمة» تلفزيونية أدّت بطولة عدد كبير من المسلسلات، وأن اختيارها لم يتم بناءً على تجربتها السينمائية بل التلفزيونية. يمكن الردّ على هذا الطرح بالقول إن فواخرجي لا تزال حتى في التلفزيون ممثلة متوسطة الموهبة والحرفة وقليلة الكاريزما، ولم تؤدّ حتى اليوم أدواراً هامة إلا في حالات قليلة. تكفي المقارنة بزميلتها في لجنة التحكيم «القرطاجية» إلهام شاهين، لمعرفة كم هو الفرق شاسعاً بين الاختيارين: شاهين ليست نجمة سينمائية عربية مكرّسة فحسب، بل ممثلة موهوبة أنضجت أدواتها الإبداعية بطريقة جعلتها تعمل في السنوات الأخيرة مع مجموعة من أهم المخرجين المصريين (علي بدرخان، مجدي أحمد علي، كاملة أبو ذكرى، وآخرين).

لا يكمن جوهر الموضوع في الكَمّ، بل في النوع. فالسينما السورية، كما قد يقول البعض، لم تصنع نجوماً بالمعنى التقــليدي، لأسباب عدّة، أهمهما كمّي. قد يكون هذا الطرح صحيحاً. لكن هذه السينما قدّمت، في المقابل، ممثلين مجيدين (بعضهم برز في دور واحد، أو دورين فحسب). كذلك كان الأمر، وإن بنسب أقل، مع الممثلات، بدءاً من منى واصف، مروراً بصباح الجزائري وسمر سامي، وليس انتهاء بسلافة معمار (من ممثلات الدور الواحد أو الاثنين، نذكر نائلة الأطرش ومي سكاف وحلا عمران وكاريس بشار وأخريات).

في عودة إلى مفهوم النجومية التلفزيونية، يجدر ذكر أن نجوم التلفزيون يفرضون على الجمهور غالباً. هو لا يختارهم إلاّ في حالات استثنائية، بينما السينما، التي قد تصنع النجم، تضعه في المحصّلة أمام امتحان أساسي وجوهري يكاد ينعدم في التلفزيون، ألا وهو امتحان الاختيار. فالتلفزيون، على تعدديته الموهومة، فضاء للقسر بأنواعه. بينما السينما فضاء حقيقي للحرية والتعدّد.