2012/07/04

	لو كان نزار قباني حياً ...فهل ينسخ (متى يعلنون وفاة العرب)؟
لو كان نزار قباني حياً ...فهل ينسخ (متى يعلنون وفاة العرب)؟

محمد أمين  - الوطن السورية

في عام 1994 وقبيل وفاته بأربعة أعوام وصل نزار قباني إلى حافة اليأس من قومه العرب فزلزل المشهد الثقافي العربي بقصيدة تطايرت في كل أرجاء العالم العربي على شكل برقية سريعة صادمة فقد أعلن نزار قباني في وقتها وفاة العرب ولو امتد العمر به إلى الشهور الأولى من عام 2011 ماذا كان سيفعل هل يصمت كما يفعل كثيرون ربما خجلاً أو احتراماً أو تهيباً من لحظة تاريخية استثنائية في حياة أمة كان تاريخها وحاضرها استثناء أم سيطلب من الصحف والمجلات التي نشرت تلك القصيدة إزالتها من الأرشيف أم يصدر بياناً عاجلاً يطلب فيه من كل من حفظ قصيدته عن ظهر قلب أن يعتبرها غير موجودة وينساها أم إنه سينسخ تلك القصيدة بأخرى يعلن فيها ولادة العرب لا أدري.

لقد أعلن نزار قباني في تشرين الأول عام 1994 وفاة قومه لأنه كان محروقاً ومتألماً ومجروحاً ويشعر بالعار فهو «ومنذ خمسين عاماً، أراقب حال العرب، وهم يرعدون، ولا يمطرون وهم يدخلون الحروب ولا يخرجون... وهم يعلكون جلود البلاغة علكاً ولا يهضمون» ويتابع: «أنا منذ خمسين عاماً أحاول رسم بلاد تُسمى- مجازاً- بلاد العرب. رسمت بلون الشرايين حيناً وحيناً رسمت بلون الغضب وحين انتهى الرسم ساءلت نفسي: إذا أعلنوا ذات يوم وفاة العرب ففي أي مقبرة يدفنون؟ ومن سوف يبكي عليهم؟ وليس لديهم بنات... وليس لديهم بنون... وليس هنالك حزن، وليس هنالك من يحزنون»!!

لقد رحل نزار قباني وفي قلبه أسى وفي حلقه غصة لحال العرب: أنا... بعد خمسين عاماً، أحاول تسجيل ما قد رأيت... رأيت شعوباً تظن بأن رجال المباحث أمر من الله... مثل الصداع... ومثل الزكام.. ومثل الجذام... ومثل الجرب... رأيت العروبة معروضة في مزاد الأثاث القديم... ولكنني... ما رأيت العرب!!...

وهذه ليست المرة الأولى التي عبر فيها نزار قباني عن وصوله إلى قاع اليأس من أمته فقبل هذه القصيدة /القنبلة قال: ما للعروبة تبدو مثل أرملة أليس في كتب التاريخ أفراح؟

وقال: أنا يا صديقة متعب بعروبتي فهل العروبة لعنة وعذاب؟

في عام 1994 تحوّل نزار قباني إلى دريئة للحاقدين والأميين والجهلة وحاول البعض منهم غرس سكين حقده في رقبته ولم يدر أن تلك القصيدة كانت صرخة ودبوس شعر حاداً في شريان الأمة لكي تتدفق الدماء اليعربية فيه. المرء لا يعبّر عن خيبة أمله إلا بما يهمه ويؤرقه:

أحاول منذ الطفولة رسم بلاد تُسمى- مجازاً- بلاد العرب

تسامحني إن كسرت زجاج القمر

وتشكرني إن كتبت قصيدة حب

وتسمح لي أن أمارس فعل الهوى

ككل العصافير فوق الشجر

أحاول رسم بلاد

تعلمني أن أكون على مستوى العشق دوماً

فأفرش تحتك صيفاً عباءة حبي

وأعصر ثوبك عند هطول المطر

لقد كان نزار يبحث عن معشوقته (العروبة) ولا يكاد يجدها، يبحث عن بلاده العربية وقد أضناه ضباب لندن الكثيف فكان يناجي نفسه:

أحاول رسم بلاد لها برلمان من الياسمين

وشعب رقيق من الياسمين

تنام حمائمها فوق رأسي

وتبكي مآذنها في عيوني

أحاول رسم بلاد تكون صديقة شعري

ولا تتدخل بيني وبين ظنوني

ولا يتجول فيها العساكر فوق جبيني

أحاول رسم بلاد

تكافئني إن كتبت قصيدة شعر

وتصفح عني إذا فاض نهر جنوني

لأشعر- حين أضمك يوماً لصدري-

بأني أضم تراب الوطن

وبعد مجزرة قانا في أوائل عام 1996 في جنوب لبنان تفجر آخر براكين غضبه ويأسه وتناثرت حممه الشعرية في كل مكان:

كيف إسرائيل لا تذبحنا؟

كيف لا تلغي هشاماً... وزياداً... والرشيدا

وبنو تغلب مشغولون في نسوانهم

وبنو مازن مشغولون في غلمانهم

وبنو عدنان يرمون السراويل على أقدامها

ويبيحون شفاهاً ونهوداً

نحن شعب من عجين

كلما تزداد إسرائيل إرهاباً وقتلاً

نحن نزداد ارتخاءً وبرودا

لقد تألم نزار قباني في ذاك العام الحزين فصرخ من التفجع:

نحن في غيبوبة قومية

ما استلمنا...

منذ أيام الفتوحات بريدا

بعد وفاته في ربيع عام 1998 قال الشاعر اللبناني الكبير سعيد عقل:

لا أتصور الشرق بل لا أتصور العالم من دون نزار... ستنقضي مئة سنةً... ومئتان... قبل أن تنجب دمشق- هذي التي ولا أرهف منها خبرةً بالشعر- شاعراً كنزار.

ما أحوجنا اليوم إلى نزار قباني ومحمود درويش لقد رحلا قبل أن تشرق الشمس أو ربما تغيب لا أحد يدري.

لقد رحلا في «الزمن العربي الذي وصلنا فيه إلى حافة الإغماء القومي».

ولكن العزاء أنهما تركا لنا الشعر الذي «يحقق التوازن القومي في داخل النفس العربية وتحفظها من السقوط والاندثار».

قبيل وفاته كتب نزار قباني: «القصيدة السياسية في هذه المرحلة هي جيش شعبي مهمته قرع الطبول وإشعال الفوانيس في حارات الوطن العربي من طنجة إلى حضرموت».

لقد اشتعلت الفوانيس يا نزار وهي تقتات على زيت شعرك الذي لن ينضب أبداً.

ماذا عن القصيدة؟

بعد خمسين عاماً من معاشرة القصيدة، اعترف لكم أنها امرأة متعبة، امرأة مزاجية، متسلطة، ولا تصير كلمتها كلمتين.. تغازلك متى تريد وتتزوجك متى تريد

وترسل إليك ورقة الطلاق متى تريد

وليس صحيحاً أن الشاعر هو الذي يبدأ الغزل، وهو الذي يستدعي القصيدة. بل القصيدة هي التي تشير إليه بإصبعها فيمتثل.

ثم ليس صحيحاً أن الشاعر (بيده العصمة) في العمل الشعري، إن القصيدة وحدها هي التي تملك العصمة.

ورغم أن بعض الشعراء في سيرهم الذاتية يحاولون أن يظهروا بمظهر الدونجوانات.. ويوحون لك بأنهم القوامون على قصائدهم، إلا أن هذا الادعاء باطل، لأن الشاعر كملك السويد يملك ولا يحكم.

على حين إن القصيدة هي التي تأمر، وتنهى، وتقول للشعر: كن فيكون.

نزار قباني