2012/07/04

مؤسس فرقة إيمار الفنان محمد عودة لتشرين  لدينا الرغبة أن نقدم للجمهور السوري رقصا حديثا بعيدا عن المسرح الراقص
مؤسس فرقة إيمار الفنان محمد عودة لتشرين لدينا الرغبة أن نقدم للجمهور السوري رقصا حديثا بعيدا عن المسرح الراقص

سمير المحمود - تشرين

في بداياته عمل مع فرقة فلسطينية (فرقة تل الزعتر) وصحيح أن هذه الفرقة كانت صغيرة ولكنها ضمت واحتوت كثيراً من الكفاءات، وهذه الكفاءات صار لها وضع مهم في المستقبل بالوسط الفني، ثم انتقل للعمل مع فرقة العاشقين وبعدها مع عدة فرق فلسطينية.

في ذلك الحين كانت الفرق عبارة عن فنون شعبية ولم تكن توجد مدارس أكاديمية.. ثم علم فيما بعد أن هناك مدرسة باليه افتتحت حديثاً، وبالرغم من أن عمره كان وقتها قد تجاوز السن المطلوب ولكن انتسب إليها باستثناء ولفتة كريمة من الأستاذ صلحي الوادي، فدخل إلى مدرسة الباليه وكان عمره حينها (23) عاماً.. ‏

وطبعاً هو بالأساس راقص شعبي محترف قبل مدرسة الباليه.. وبقي في مدرسة الباليه لمدة عامين، ثم تم افتتاح قسم الباليه بالمعهد العالي لكثرة عدد الراقصين، فالتحق به ودرس لمدة أربع سنوات، وبعد تخرجه عمل كأستاذ في المعهد العالي لمدة ست سنوات.. وبدأ بمشروعه الخاص بعد أن ترك فرقة «إنانا» التي كان يعمل معها طوال فترة دراسته في المعهد، فشارك بتأسيس فرقة خاصة بالرقص بالمعهد العالي، وبعد ذلك أسس فرقة خاصة به.. ثم اجتمع بصديقه القديم وزميل مهنته (محمد عيسى) وقررا أن يعملا فرقة واحدة.. وفي البداية أطلقا عليها اسم فرقة (أرابيا) ومن ثم غيّرا الاسم إلى (إيمار) والآن هما يعملان سويّـاً ومستمرين سوياً في الفرقة نفسها.. مع الراقص والكريوكراف ومؤسس ومدير فرقة «إيمار».. الفنان الفلسطيني محمد عودة ‏

كان لـ(تشرين) هذا الحوار: ‏

ما هي آخر العروض التي قدمتموها حالياً؟ ‏

منذ حوالي أقل من شهر كنا في الكويت الشقيق وشاركنا في افتتاح مهرجان ثقافي وقدمنا عرضاً اسمه «حوار».. أثار هذا العمل ضجة وجدلاً ولفت الأنظار وأصداؤه كانت كبيرة جداً، وقبل الكويت بأقل من أسبوع شاركنا في اختتام الدوحة عاصمة للثقافة العربية.. حيث شاركنا بعرض قطري من إخراج الأستاذ حمد الرميحي، وكنا نحن المشاركون الوحيدون من خارج قطر وقدمنا اللوحات الراقصة فيه.. طبعاً اسم العمل هو (أخت رجال) وقد شاركت الفرقة بثلاث لوحات وهي عبارة عن نوارس وطيور وبنية العمل ترتكز على حدوتة شعبية قطرية.. ‏

حبذا لو تحدثنا بلمحة موجزة حول عروضكم السابقة؟ ‏

أول عرض صممته بعنوان «من هنا وهناك» مع فرقة قسم الرقص التعبيري كما قدمت عملاً بعنوان «عرس في أوغاريت» كان ضمن احتفالية افتتاح الثقافة المتحفية للطفل في المتحف الوطني، كما عملنا ما يقارب الخمس سنوات أنا وشريكي محمد عيسى على لوحات أرضية مع الطلاب لمهرجان المحبة.. كما قدم زميلي وشريكي محمد عيسى «من أجل فسحة أمل» لذوي الاحتياجات الخاصة.. وكان لنا مشاركة لطيفة في عرض زرياب.. وقدمنا عملاً بمناسبة افتتاح مؤتمر الأطفال العرب الثلاثين بعنوان «حبات اللؤلؤ»، وعمل مهم جداً بعنوان «شموع ليلة مقدسية» بالتعاون مع فرقة العاشقين الفلسطينيين.. كما كانت لنا مشاركة مميزة قدمناها في الأردن؛ عرض اسمه «بترا إن حكت» وكانت فرصة لراقصينا أن يتعرفوا إلى تجارب الآخرين..، وعرض «بترا إن حكت» إخراج لينا التل، تصميم الرقصات رانيا القمحاوي، ومن المشاركات المهمة أيضاً في قطر قدمنا عرضاً بعنوان «الفيلة» و«القرن الأسود» على مدار عامين مع الأستاذ حمد الرميحي.. وأهمية العملين هو أنهما في معظم الأحيان تأتي الرقصات في العمل المسرحي كعامل تزييني، ولكن في هذين العملين كانت الرقصات في صلب العمل المسرحي، ولم يكن دورها تزيينياً فقط..

أنت كراقص ماذا يعني لك الرقص أو بماذا تعرّفه؟ ‏

من الصعب أن تعرّف الرقص، فهناك من يرى أن الرقص مجموعة من الحركات، وآخرون يرون بأنه مجموعة من الانفعالات، ومنهم من يراه عبارة عن زخرف، تزيين، مجرد من أي شيء آخر، وغيرهم يراه بأنه شيء من الاستهلاك.. ولكنني أرى بأن الرقص هو أعمق من كل هذه التفاصيل.. ولا أحد يحس بعمق الرقص إلا الذي يعيش هذه الحالة.. فأن تتماهى مع جسدك؛ أحياناً مع موسيقا وأحياناً أخرى من دون موسيقا.. هذه مجموعة الانفعالات ومجموعة الأحاسيس ومجموعة التفاصيل ممكن أن تصل إلى حالة من الصوفية مع جسد الشخص.. وهذا التماهي الجسدي مع النفسي قلائل جداً الذين يصلون إليه، وأنا برأيي هذا هو الرقص.. ‏

طبعاً بحسب ما نعلم بأن الرقص ارتبط منذ القدم بمثيولوجيا عقائدية معينة أو بالضبط كان ذو منحى ديني.. فبرأيك مالذي جعل الرقص يأخذ قديماً هذا المنحى ولا سيما أنك ذكرت أن الرقص هو حالة من الصوفية.. وإلى أي حد يرتبط الرقص بهذا الإطار (الروحي) وهل فعلاً هو يسمو بالإنسان روحياً؟ ‏

يقولون إن الرقص حالة تفريغ.. لا ليس هو فقط تفريغ فحتى دوران الصوفية (المولوية) كانت فكرتهم أن هذا الذي يدور تتواصل روحه مع رب السماوات ضمن معتقداته.. والرقص برأيي هو ذروة الصوفية.. والرقص بحالته الحسية الحركية الحالية الانفعالية ممكن أن يوصل إلى حالة شبيهة بالكمال.. والرقص عالم روحاني واسع تستطيع من خلاله التعبير عن رؤى كبيرة ومنه تعبّر عن حالات إنسانية عميقة.. ‏

إلى أي مدى كانت استفادتك من مدرسة الباليه وأنت بالأساس راقص؟ ‏

طبعاً كانت هناك نقلة نوعية.. فالدراسة في مدرسة الباليه فتحت لنا آفاقاً كبيرة وغيرت وجهة نظرنا إلى الرقص... حيث تعرفنا إلى تقنيات الموسيقا الكلاسيكية بشكل أكبر ودخلنا في الحالة الدرامية للرقص.. وصحيح أن المعهد العالي لا يعلمك الرقص ولكن يعطيك المفاتيح؛ يعني مثلاً يعلمك الرقص الحديث ويفتح لك الآفاق وما عليك سوى أن تدخل من أجل البحث؛ الجاز.. الباليه.. الكلاسيكي.. رقصات الشعوب.. الرقص التاريخي.. وفي أيامنا تلك معظم أساتذتنا كانوا أصحاب خبرة من الموفدين الأجانب وهذا ما أعطانا خبرة أوسع وأكبر.. ‏

من أين تستوحون أفكار الأعمال التي تقومون بها؟

معظم أعمالنا المسرحية الراقصة يقوم بكتابتها بشكل خاص للفرقة الأستاذ محمد عمر.. والعمل الأول مستوحى من ألف ليلة وليلة.. وعمل اسمه (ليلة بألف ليلة في قصر هارون الرشيد) أخذنا حكايتين من ألف ليلة وليلة وبنينا عليها عملاً راقصاً.. العمل الثاني كان مستوحى من القدس بعنوان (واسطة العقد) يتحدث عن مدينة القدس بطريقة شاعرية وشعرية.. أما عمل «حوار» بنيته تعتمد على حوار شاب وفتاة على (النت)؛ والفكرة تقوم على حالة الحوار بين الشرق والغرب وضرورة الانفتاح والتلاقي من أجل إنسانية مشتركة، وهناك مشاهد موسيقية تجريدية بحتة، ولكن غالباً ما يكون أساسها الهم الإنساني.. ‏

وماذا عن أسلوب الرقص والمدارس التي تتبعونها؟ ‏

طبعاً أنا لا أفضل المدرسة الواحدة لأن المدرسة الواحدة ليست في مجتمعنا؛ فعندما تذهب مثلاً إلى أوروبا يقولون لك هذا عمل معاصر، أما مجتمعنا فيحتاج إلى أن تقدم له مزيجاً من «الشو» /الفرجة/ المادة الفكرية الغنية.. وجسدياً أن تكون قريباً من الناس.. ‏

ما هو المشروع الأساسي الذي تقومون بالعمل عليه حالياً؟ ‏

بصراحة نحن طموحنا أن نقدم للناس «باليه» عربياً.. ‏

وكيف يمكن أن تقدموا «باليه» عربياً والباليه أساساً كل ما فيه غربي حتى في زيّه.. ومن المعروف أن الزيّ أساسي؟ ‏

الأهم من الزي أن تملك تقنية.. تقنية حركية عربية وهذا هو الموضوع الصّعب الذي نعمل عليه حالياً من خلال تراكم خبراتنا وتجاربنا.. ‏

أنت كفنان فلسطيني إلى أي مدى تظهر فلسطينيتك فيما تقدمه من عروض؟ ‏

ظهرت في عرض «شموع ليلة مقدسية» حيث قدمنا مجموعة من أغاني المدن بالتعاون مع فرقة العاشقين، وتوجد مقطوعة أحبها جداً هي أغنية «يافا» التي تقع بجانب مدينتي حيفا وهي شعبية فلسطينية حيث أدخلنا راقصة باليه ورقصت على البوانت ومعها مجموعة من البحّارة، وكانت من أجمل اللوحات التي صممتها حتى الآن.. ‏

برأيك كيف يمكن للرقص كفن أن يشكل حالة ثقافية مرتبطة بهموم الناس وتشد اهتمامهم؟ ‏

عندما يصبح هناك تقليد سنوي للفرق الراقصة في سورية وكل الفرق الراقصة تشارك به.. ويتحوّل إلى طقس دائم.. وبالتالي إيجاد حراك ثقافي راقص دائم عندنا حتى نستطيع أن نبني ثقافة جسدية راقصة بصرية لجمهورنا، وحتى يملك جمهورها المقدرة على أن يقيّم الجميل من غير الجميل.. ‏

برأيك كم هي حاجة الراقص إلى أن يكون مثقفاً؟ ‏

الرقص إبداع وفن مجرّد، والراقص إذا لم يكن مثقفاً لا يستطيع أن يقدم شيئاً جديداً ولافتاً ومميزاً.. ‏

حدثنا عن جديدكم؟ ‏

نحن بصدد التحضير لعرض حديث عنوانه (الغار والخزامى) ولدينا الرغبة أن نقدم من خلاله للجمهور السوري رقصاً حديثاً بعيداً عن المسرح الراقص.. وهو عبارة عن ستة مشاهد كل مشهد له بنيته المختلفة وفكرته المستقلة ولكن يربط بينهم جميعاً الهم الإنساني كحامل أساسي بشكل عام. ‏