2012/07/04

ما جمعه الله في سورية لا يفرقه إنسان .. في عيد الفصح تتآلف القلوب فـ" الرب رحمة "
ما جمعه الله في سورية لا يفرقه إنسان .. في عيد الفصح تتآلف القلوب فـ" الرب رحمة "

الوطن - محمد أمين

إنه يوم من أيام التسامح والمحبة والألفة في تاريخ الإنسانية، يوم للانعتاق ويوم للحرية يوم بداية وانطلاق لأفق آخر، يوم للرحمة وقد قدم الله جل وعلا من صفاته الرحمن الرحيم. إنه يوم للسلام والطمأنينة، إنه يوم لا يختص به دين بعينه إنه عيد للإنسانية جمعاء التي تشرب من معين واحد ونبع واحد، نبع المحبة والسلام والحرية. في عيد الفصح المجيد تتلاقى القلوب وتتآلف الأرواح التي تتخفف فيه من خطاياها وتتخفف فيه من وطأة الحياة المادية الصرفة التي نحياها. "الرب رحمة" والوطن يتسع للجميع فهو رحب ما كانت القلوب رحبة والوطن واسعاً، ما دامت القلوب واسعة، وما دام الأمل بغد أفضل ومشرق ووضاء موجوداً فإنه يمدنا بأسباب القوة لكي نتمسك ببعضنا أكثر ولا نفترق.

فنحن أقوياء ما دمنا يداً واحدة نرفعها في وجه من يريد أن يفرقنا وأن يجعلنا شيعاً وفرقاً تتناحر.

قدر دمشق أن تقع على كاهلها مسؤولية هداية الإنسانية إلى النور والسلام، قدر سورية أن تكون مركز الكون وحاملة رايات الحق التي لم تسقط مطلقاً إلا لتعود أرفع وأعلى وأوضح وأجلى، قدر دمشق أن تكون منبع الرحمة، منها انطلق بولس الرسول إلى العالم كله هادياً وداعياً بعبادة الرب الواحد لتسود الرحمة وتعود الإنسانية إلى رشدها وصلاحها.

لقد جاءها " شاؤول " يريد البطش بأتباع سيدنا عيسى بن مريم عليه السلام وقلبه يتفجر حقداً وغلاً وتحوّل فيها إلى بولس الرسول وقديس، ففي دمشق وليس في غيرها من مدن الأرض يستعيد المرء بصره وبصيرته.

إن سراً إلهياً في دمشق لم يمنحه الله لسواها، سر أبقاها منارة على مدى التاريخ لم يستطع أحد إطفاءها ولن يستطيع.

من دمشق خرج بولس الرسول ليطوف العالم معلّماً تعاليم السيد المسيح ومخرجاً البشر من عبادة الفرد إلى عبادة الرب الواحد، لقد حمل بولس القديس راية دين عيسى بن مريم عليهما السلام الذي باركه الله سبحانه، وأجرى على يديه نهر الحق والهداية "والسلام عليّ يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا" سورة مريم الآية 32، لقد ضرب عيسى بن مريم مثلاً للبشرية جمعاء بالتسامح الخلاق والمحبة الصرفة، والرحمة الخالصة.

«وجعلني مباركاً أينما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حياً، وبراً بوالدتي ولم يجعلني جباراً شقياً» سورة مريم 30-31.

وجاء النبي محمد صلى الله عليه وسلم ليتمم رسالة أخيه عيسى بن مريم "أنا أولى بعيسى بن مريم" رسالة الإخاء والصفاء ومكارم الأخلاق.

الأديان السماوية كلها تجتمع على هدف واحد وغاية واحدة ومقصد واضح لا ريب ولا لبس فيه وهو هداية الإنسان إلى سبيل الحق.

وكما انطلق دين المسيح عليه السلام من دمشق كُتب على هذه المدينة أن تحمل راية للحق أخرى هي رسالة الإسلام فمنها انطلقت جيوش الحق إلى أربع جهات الأرض محطمة قيود الباطل التي أحاط بها الجبابرة رقاب البشر.

رسالة يتساوى البشر تحتها لا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى والتقوى بالقلوب، ألم يقل الإمام علي كرّم الله وجهه: الخلق نوعان إما نظير لك بالدين أو نظير لك بالخلق، إن العهدة العمرية التي أعطاها الخليفة الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه للمسيحيين في القدس وثيقة لا تبلى أبد الدهر عن انتفاء الشحناء ورسو العدل وتجذر الإخاء الإنساني الذي لن تنقطع أسبابه مهما اجتهد المفسدون وهي ملزمة لنا حتى يرث الله الأرض ومن عليها، ومن أراد أن يتعلم فليرجع إليها ويتأمل نبل المقصد وصفاء السريرة وبهاء الأخلاق ورفعة المبادئ.

" ما جمعه الرب لا يفرقه إنسان" وقدر دمشق وسورية أن تجتمع تحت سمائها رايتان للحق الأبلج حيث أذان المساجد يؤاخي دقات أجراس الكنائس وكلها تعلن للملأ أن الرب واحد والوطن واحد.

مساجد دمشق وكنائسها مكان فسيح وآمن للحمام ولا مكان فيها للغربان التي لا تقود إلا إلى الخراب.