2012/07/04

متى نكسر أصنام الميديا ونحرر الصورة..؟!!
متى نكسر أصنام الميديا ونحرر الصورة..؟!!


باسم سليمان - الثورة

عندما التقط « كيفن كارتر» صورة الطفل الافريقي وهو يحتضر بينما نسر من أكلة الجيف ينتظر بصبر موته. حاز كارتر على جائزة قيمة ولكنه انتحر بعدها, لربما بسبب الألم الذي أصابه من صعوبة المشهد الإنساني أو بسبب تأنيب ضميره له,

كيف لم يفكر بإنقاذ الطفل ولتذهب الصورة والجائزة إلى الجحيم، والأعجب هذا العالم الذي طبل وزمر لكيفن لبراعته في اقتناص الحدث الصوري ولم يتوقف قليلاً ليسأل كيفن عن الذي فعله تجاه هذا الطفل,أيعقل أن انتحار كيفن كان بسبب صمت العالم على جريمته أم لأن الصورة كاذبة مهما اجتهد المصور في الوقوف في الزاوية المناسبة لن تنقل الحقيقة !؟.‏

في زمن كيفن كان الاشتغال على الصورة محدوداً جداً,تحديد زاوية,ظل ونور وانتظار اللحظة المناسبة وقبول الرقيب لتعرض كل هذا جعلها أقرب للحقيقة ومع ذلك يكاد عتّ الشك يقرضها,فكيف بصورة اليوم الثابتة والمتحركة الصامتة والناطقة,الممنتجة بشتى الوسائل والمعد لها كواليس واقعية ومصطنعة,المدفوعة الأجر مسابقاً والمحددة الهدف من وجودها,فلا انتظار لتصنعها الصدفة بل المختبر المعد مسبقاً للحصول على النتائج المرجوة وفق أجندة تخدم من يدفع أكثر, مع تأكيد مستمر عليها ببثها بشكل متواصل وتحضير طاقم لدراستها بنيوياً وتفكيكاً ومابعد حداثية وما شئت من تحليلات تقام عليها صروح لا أحد يستطيع التأكد من صحتها أو كذبها مادامت الصورة قد خرجت من سيرورتها وصيرورتها الواقعية إلى التصنيع,هكذا تقسم الصورة الناس بين موال لها ومعارض والكل ينطلق من عاطفة ما تسوق أحصنة وبغال عقله.‏

عندما هبط الإنسان على القمر في القرن الماضي قامت الدنيا ولم تقعد وظلّ الحدث لا يطله الشك إلى أن قدمت محطة فوكس نيوز برنامجاً,فند بمنطقية كبيرة تلك القصة وعللها على أن الأميركان كان عليهم الرد بسرعة على تفوق القطب الآخر الممثل بالاتحاد السوفييتي بالمجال الفضائي,فكان الفيلم الذي أعد كما تعد أفلام هوليوود الخالدة والذي أثبت به الأميركان تفوقهم الفضائي. أكثر من ثلاثين سنة مرّت حتى بدأت أسطورة الصعود للقمر تتحلل والكثير غيرها نرى اليوم كذبه الذي كان يقيناً في زمن ما.‏

تقول العرب كل ما علاك, فهو سماء وعادة السماء أن تكون الآمرة والأرض المأمورة واليوم وسماء الفضائيات تعلونا وتمطرنا ببثها المتواصل الذي لا يصبه الوسن ولا النوم على مدار الأربع وعشرين قيراطاً , بمطرها الصوري بأشكاله العديدة كيف نستطيع أن نتبين ماءه المالح من الحلو,هل علينا أن ننتظر إلى أن يسمح القانون بفك الحظر على أسرار دول ما, حتى نكتشف الخديعة الميديوية!؟ ونصبح بقول الشاعر بشطره الثاني «فلم يستبينوا الرشد إلا ضحى الغد» أم نعيد فلسفة الصورة إلى أصلها ونقول عنها: إنها لحظة مقطوعة من الزمن والمكان وهي خارج سيرورته ولاتمثل من صيرورته شيئاً يُذكر والصورة حتى نعرفها صدقها من كذبها يجب وضعها بالرؤية الاستراتيجية للحدث وليس اللحظية.‏

يقال: إن السياسة أن تدفع ضرراً أكبر بضرر أقل وسياسة الحقيقة في الصورة الكثير من الشك حتى تتكسر كل علامات الاستفهام على صدر الواقع المنقول عنه الصورة وتنجلي الحقيقة.‏

في الفرق بين العربة التي يجرها البغل والأخرى التي يجرها الحصان فرق قلما ينتبه له أحد أن الحصان لا يوضع على عينيه ما يحجب عنه الرؤية في حين البغل «يطرمش» عن يسراه ويمينه وعلى من يعيش تحت سماء الميديا أن يعيد الصورة لواقعها ليزيل عنها بعديها ببعدها الثالث وهو العقل الذي وصف أنه يعقل الأمور ولا يتركها لرياح الأهواء تعصف بها من كل قمر ومحطة.‏

اعتقد أن كيفن كارتر انتحر لأن النسر كان أكثر شهامة منه,فهو سينتظر الطفل ليموت ليعمل به مخالبه ومنقاره لكن كيفن فعل ذلك والطفل مازال على قيد الحياة ليقتله بصورته, فمتى نكسر أصنام الميديا ونحرر الصورة ونعيدها سمكة تجري في ماء الحياة؟‏