2013/05/29

مجلة «الحياة السينمائية» خسارة مادية... على أمل كسب ثقافي!
مجلة «الحياة السينمائية» خسارة مادية... على أمل كسب ثقافي!


لبنى شاكر – تشرين

تتزاحم المطبوعات المتخصصة والصادرة عن وزارة الثقافة في منافذ البيع، لكنها وعلى كثرتها وتنوع مضامينها، لا تجد إلا قلة من القراء،

وهؤلاء غالباً من المتخصصين في فن ما، والباحثين عن الفهم والمعرفة في تفاصيل ما يحبون، لكن ألا يجعل هذا من تلك الإصدارات خاسرة بجدارة، وهنا الخسارة ثقافية قبل أن تكون مادية؟
مجلة «الحياة السينمائية» إحداها، وهي فصلية تصدر عن المؤسسة العامة للسينما، فإلى أي درجة حققت هذه المجلة الغاية المطلوبة منها في جذب القارئ وإغناء معارفه السينمائية، والتعويض عن قلة الإنتاج السينمائي السوري إن صح القول بعد ما يزيد على أربعة عقود من عمرها؟


ثقافة لكن بخسارة



يشير مدير عام المؤسسة العامة للسينما محمد الأحمد ورئيس تحرير المجلة بداية إلى أنها  المجلة العربية الوحيدة المتخصصة بشؤون السينما والصادرة بانتظام، ووزارة الثقافة تؤمن على حد قوله بأن الثقافة يُصرف عليها ولا تصرف على الآخر، حتى إن وزارات الثقافة في الدول الأوروبية المتحضرة تموّل أنشطة لا يمولها القطاع الخاص عادة، رغم علمها بأنه لا توجد عائدات من ذلك، وكذا في سورية المردود الثقافي في أي مجال خاسر لكن لا بد من أن تكون كلمة الدولة حاضرة ثقافياً، من هنا تأتي «الحياة السينمائية» و«إصدارات الفن السابع» السلسلة الوحيدة التي تصدر أيضاً بانتظام في الوطن العربي.
ويرى محمود عبد الواحد مدير التحرير أن المجلة من أعرق المجلات السينمائية الأكاديمية المتخصصة في العالم العربي، وهي الوحيدة الآن، لأن معظم المجلات العربية المتخصصة الأخرى قد لفظت أنفاسها، إما لأن القطاعات العامة السينمائية في البلدان العربية الأخرى غير سورية قد ألغيت، وإما لأن الممولين المتحمسين لإصدار مثل هذه المجلات قد فتر حماسهم أو نفدت أموالهم، لأنها لا تجد رواجاً في سوق المطبوعات يغطي نفقاتها كي تستطيع الاستمرار بقواها التمويلية الذاتية وأضاف عبد الواحد: (الحياة السينمائية) تتميز بسعر زهيد يجعلها تحقق وبجدارة استراتيجية وزارة الثقافة في بلدنا، أي تقديم أهم الكتب والمطبوعات بأرخص الأسعار.


أكاديمية متخصصة


يدرك المتتبع للمجلة حرصها على تزويد القارئ المهتم بدراسات وتحليلات ومعلومات أكاديمية عن السينما السورية أولاً، والعربية ثانياً، والعالمية ثالثاً.
ويرى الزميل نضال قوشحة مدير تحرير مجلة «آفاق سينمائية الإلكترونية» أن طبيعة إصدار «الحياة السينمائية» يلغي منها صيغ الإخبار، لذلك تخصصت بالأمور البحثية، ويزعم أن هذا التوجه ضروري، ذلك أن الأبحاث السينمائية الموجودة فيها غير موجودة في غيرها من الإصدارات اليومية أو حتى الأسبوعية التي تعنى بفن السينما من ثم هي تقدم مادة فنية سينمائية زخمة محترفة لمن يريد الاستفادة من هذه السوية.

ويمكن القول: إن هدفها تقديم التثقيف السينمائي بينما المجلات الأخريات ومنها آفاق سينمائية تقدم الإخبار السينمائي أولاً، وهذا يقتضي مواد ذات حجم كبير كونها بحثية، فلا يمكن نشرها في الأسبوعيات واليوميات، وفي العدد القادم مثلاً ملف كامل عن إنتاجات المؤسسة في 2012، لا يمكن استيعابه في صحيفة يومية.
وهي تولي الحدث السينمائي السوري المرتبة الأولى في حال وجوده، وهذا مرهون بالموسم، فالأعداد التي تصدر في فترة مهرجان دمشق السينمائي مثلا تحوي ندوات ولقاءات مع النجوم المشاركين وتحليلاً لأفلام المسابقة الرسمية وغيرها. لكن وبعد ارتفاع عدد الأفلام السورية المنتجة في العام الواحد، المجلة باتت مطالبة بإفراد مساحة أوسع للسينما السورية، وهذا ما تعمل عليه وتمكن رؤيته في العدد القادم قريباً.


قرّاء عرب


المفارقة الغريبة تكمن في الطلب الكبير على المجلة من قبل العرب، نقاداً وسينمائيين، فهم كما يروي عبد الواحد في كل دورة من دورات مهرجان دمشق السينمائي الدولي، وحال وصولهم، يسألون عن الأعداد الجديدة من الحياة السينمائية. إذاً من الواضح أنها تخاطب القارئ المختص بشكل أساسي، ولا تخاطب القارئ الباحث عن التسلية وفضائح الفنانين وما يدور بينهم وعنهم من غيبة ونميمة وشائعات.
وفي سبيل الوصول إلى عدد أكبر من القراء غير المختصين، يقول الأحمد: حاولت هيئة تحرير المجلة التخفيف من المواضيع شديدة الثقل، والأكاديمية المتخصصة، علما بأن وجودها ليس بخطأ، لكن القارئ اليوم يبحث عن التنويع فيما يقرأ، لذلك كانت المحاولة لخلق توازن بين الأكاديمي المتخصص جداً، والمادة التي يقرؤها الجميع ويستمتع بها.

ويؤكد مع أن السينما فن معقد تدخل فيه مسائل كثيرة، يجب أن تتوجه بالمطبوعة الثقافية لأكبر قدر من المهتمين والقراء، لأن التوجه لنخبة متخصصة وهذا ما كان عليه الأمر منذ سنوات يعني أن تحصر نفسك في وسط سينمائي عبارة عن بضع مئات من الأشخاص فقط.


شكل أفضل وكتّاب أقل


على صعيد الشكل يقول عبد الواحد «منذ أن صدر العدد الأول عام 1978 طرأت على المجلة عدة تحسينات. فهي في البداية كانت أكبر حجماً من ناحية القطع، وباللونين الأسود والأبيض فقط. الآن هي ملونة وبقطع أقل من السابق، وأكثر ملاءمة من حيث سهولة القراءة والتصفح».
مضيفا: إنه لا يمكن القول إن هناك رضى تاماً عن الشكل الحالي للمجلة، لأن الرضى هنا يعني الجمود والتوقف عن البحث. هناك رغبة مثلاً في أن يكون ورق المجلة أكثر فخامة. ولكن الأوضاع الحالية تجبرنا على الاقتصاد في النفقات، ولاسيما أن المجلة تؤدي خدمة ثقافية ولا تبتغي ربحاً مادياً.
وعلى صعيد اختيار المواد، فهو يتم طبعاً عبر توجه المجلة، لكن ثمة شرط أساس يصر عليه عبد الواحد في أية مادة مرشحة للنشر، وهو أن تتحلى بقدر كاف من الجدية والعمق ودقة المعلومات والتحليل.
وهنا يشير قوشحة إلى قلة الصحفيين المتخصصين في الكتابة السينمائية، وهم غالباً وافدون من الكتابة للدراما التلفزيونية، ويعزو ذلك إلى نسبة الإنتاج، وهو أكبر في التلفزيون، وإن كان بعض من هؤلاء يحبون الكتابة في السينما أكثر لأنها فن أرقى بكل تفاصيلها.


مطلوب أكثر

هذا العام تحتفل المجلة بمرور خمسة وأربعين عاماً على صدور عددها الأول، وطوال هذه الأعوام لم يتوقف المعنيون عن البحث عن سبل جديدة لتطوير هذه المجلة الأكاديمية المهمة شكلاً ومضموناً. ويرى عبد الواحد أن ما يهمهم بشكل أساس الآن هو اجتذاب أصوات نقدية وأكاديمية جديدة، سورية وعربية، إلى قائمة كتّاب المجلة، إضافة إلى المحافظة على العلاقات القديمة مع الكتّاب والأصدقاء الدائمين، وتطويرها بشكل مستمر.
وإن كان الأحمد يقرأ ما أنجز بعين ناقدة، وفيها أحياناً من القسوة الكثير، فهناك أسئلة تطرح باستمرار في تطوير آلية صناعة الفيلم، وآلية الفرجة السينمائية، إضافة إلى تغييرات على صعيد الكتابة والتلقي، وهناك منافس مهم جداً على الصعيد التقني، لذلك يُطلب إخضاع أي مجلة لروح لعصر، والكتابة عن شيء غير موجود في الإنترنت بكثرة.

كل هذا يخضع للفشل والنجاح، وإن كان التنوع موجوداً حقيقة في المجلة على صعيد التكنيك السينمائي العالمي، ومواضيع أخرى كلها تخضع إلى تحليل متأن عميق وموضوعي على عكس ما تورده الصحف ومواقع الإنترنت من تحليلات سريعة واستهلاكية، وهذا ما يجعلهم قادرين حتى اليوم على ترويج المجلة، والمزيد مطلوب لمواكبة كل تغير.


عتب على الإعلام


يلوم الأحمد وسائل الإعلام، فهي لا تسلط الضوء على المشهد السينمائي كما يجب، ولا يدعي التقصير بقدر ما يطالب بالأفضل، فمثلاً يصدر عدد جديد من المجلة لكن لا يوازيه أي بحث تحليلي عنها سواء في الجرائد الرسمية أو الخاصة، وكلها لا تكتب أكثر من المعتاد (صدر العدد الجديد من مجلة الحياة السينمائية، وفيها....)، هذا في حال تنبهت إلى نشر هذه الأسطر المعتادة.
أي منتج يجب تسويقه عبر وسائل الإعلام، والمجلة منتج في النهاية بحاجة لإعلان وتسويق، فهل يتصور أحد أن الجرائد اللبنانية تكتب عن الكتب السينمائية السورية وإصدارات الفن السابع أكثر مما يكتب في الجرائد السورية!!.

المؤسسة العامة للسينما ليست وسيلة إعلانية، وتالياً إذا أصدرت المجلة مع إعلانات وغيرها من وسائل ترويج، ستصبح الخسارة عشرة أضعاف، وهنا تأتي أهمية دور الإعلام، فتناول مواد ومواضيع المجلة بتحليل وشرح سواء كان إيجابياً أو سلبياً سيحفز على قراءة المجلة ومتابعتها من أعداد أكبر، تلافياً للخسارة الثقافية والمادية.