2014/02/17

مدير عام مؤسسة السينما محمد الأحمد
مدير عام مؤسسة السينما محمد الأحمد

 

إياس قوشحة- تشرين

 

 

 

لم تتأخر سورية عن تبني فن السينما، فمع ولادة هذا الفن أوروبياً، عرفته سورية منذ بواكير القرن العشرين فناً وليداً، ثم منتجاً إبداعياً مغامراً. ثم كانت المحطة الأهم، بوجود هيئة سينمائية وجدت في أواخر عام 1963 وكانت المنتج السينمائي السوري الأهم.

 واستطاع هذا الاستديو السينمائي العريق عبر خمسين عاماً من عمره تحقيق الكثير من الأحلام السينمائية لسينمائيين سوريين وعرب. كانت لهم الملاذ الإبداعي الآمن، منها صنعت أفلام وجدت مكاناً لها في العديد من المهرجانات السينمائية العربية والعالمية، ومنها صدرت كتب ومجلات سينمائية متخصصة قدمت وتقدم الثقافة السينمائية الحقيقية. ومنها كان مهرجان دمشق السينمائي الذي كان أحد أهم صور دمشق وسورية الحضارة والتاريخ.

المؤسسة العامة للسينما، تحتفي هذه الأيام بيوبيلها الذهبي، ورغبة من جريدة تشرين بمواكبة هذا الحدث الثقافي السينمائي السوري العربي المهم، التقت الأستاذ محمد الأحمد مدير عام المؤسسة العامة للسينما ليحدثنا عن هذه المناسبة وما أعد من أجلها:

• ماذا عن اليوبيل الذهبي للمؤسسة العامة للسينما بما تحمله المناسبة من معان فنية ووطنية...؟

•• بعد مرور خمسين عاماً على إنشاء المؤسسة العامة للسينما، نستطيع القول إنها المؤسسة الوحيدة في الوطن العربي التي تمكنت من الاستمرار بعد أن توقفت التجربة في مصر وفي الجزائر وفي ليبيا والأردن وبلدان عربية أخرى...

أهمية المؤسسة بعد خمسين عاماً من العمل شكلت مجموعة من التطلعات عادة ليست مطلوبة من مؤسسة بعينها، وأنا دائماً أستعمل هذا المثال. فبديهي أنه لايوجد فندق في العالم كله يطلب منه أن يستضيف كل الذين يرغبون في الإقامة فيه، ولايوجد مطعم أيضاً قادر على تقديم وجبات طعام لكل البلد،أما مؤسسة السينما وعبر 50 عاماً تمكنت من أن تقدم كل مايطلب من سينما في البلد وحدها، طبعا مع وجود القطاع الخاص الذي ينشط أحياناً وينام في كثير من الأحيان. ولكن المؤسسة رغم الهجوم الذي تتعرض له ولاسيما من أبنائها بكل أسف، الذين لمعوا في أروقتها، وما تتعرض له من هجوم قد يكون محقاً في بعض الأحيان ولكنه في أغلب الأحيان ليس محقاًَ فإنها تمكنت خلال خمسين عاماً من إنتاج الأفلام القصيرة والطويلة واستطاعت أن توثق أسواق وخانات وقلاع وآثار وأوابد البلد، وتمكنت من طباعة أهم سلسلة من الكتب السينمائية تعد الأهم في الوطن العربي، وتمكن من إقامة مهرجان دمشق السينمائي. ومن تحقيق قاعدة تقنية في البلد من أفضل القواعد التقنية للسينما في الوطن العربي واستطاعت أن تبرمج تظاهرات ضمن البلد ومشاركات للسينما السورية خارج سورية. وكذلك أعطت فرصاً لمخرجين من الوطن العربي، ولم تكن منغلقة على ذاتها كانت منفتحة جداً على الأشقاء كما كانت منفتحة أمام أبنائها أيضاً.

فمعروف أن توفيق صالح قد حقق فيلم «المخدوعون» فيها وحقق المخرج اللبناني برهان علوية «كفر قاسم» وحقق العراقي قيس الزبيدي «اليازرلي». والكثير من الأفلام القصيرة أنتجتها المؤسسة لمخرجين أشقّاء من الدول العربية لبنانيين وأردنيين.

إذاً، كانت المؤسسة ذات بعد قومي بامتياز فقد تمكنت على الرغم من ضعف إمكاناتها أن ترفد الثقافة السينمائية بالكثير من الايجابيات، وأنا لا أتكلم عنها كمدير عام للمؤسسة أنا أتكلم عنها من وجهة الناقد، وقد واكبت المؤسسة عبر 35 عاماً، منذ بداياتها تقريباً وبكل صدق ومن دون أي مجاملات، هي مؤسسة نبيلة تحتفي بالفن وتحتفي بالبلد وتحتفي بالوطن، كانت إنتاجاتنا على الرغم من قلتها نظيفة المؤدى وفيها جرأة، ولعلها من أوائل المؤسسات التي كان لها هامش عريض في حرية التعبير. واستطعنا أن ننقل ثقافتنا السورية الأصيلة إلى مهرجانات عربية ودولية كثيرة، تمكنا من أن نفتح أبواب كانت موصدة أمام الفن السوري عموماً، خمسون عاماً برأيي الشخصي قدمت أكثر بكثير مما يمكن أن يقدم.

المؤسسة قدمت الشيء الذي يبقى.. يبقى الفن... وتبقى الثقافة، وتبقى سورية ويبقى الوطن... والكثيرون الذين كانوا يهاجمون المؤسسة ويقولون: لماذا الإنفاق على مهرجان دمشق السينمائي، أقول لهم: لم يكن هدفي في يوم من الأيام عرض الأفلام وليس الهدف أيضاً تقديم السينما الروسية ولا الإيطالية ولا السينمات العالمية ولا حتى عرض أفلام المؤسسة، كان هدفي أن يأتي الناس إلى سورية لتشاهدها عن قرب، ومن خلال تجربتي وقد قضيت سنوات طويلة بعملي في مؤسسة السينما فأنا من أقدم المديرين العامين في البلد، كنا عندما ندعو ضيفاً إلى سورية لحضور المهرجان كان يتردد ويخلق مبررات لعدم المجيء، ولكن عندما يأتي ويشاهد بلدنا وحضارتها وثقافتها، كان يطلب المجيء في المرات القادمة للمشاركة في المهرجان، هذه كانت رغبتي وهدفي من دعوة الضيوف إلى المهرجان أن يشاهد كل العالم وطننا وعمرنا الطويل والمتجذر في الحضارة في هذا البلد، وأعتقد أن هذا جزء من الحرب التي نتعرض لها في هذا اليوم لأننا نملك إرثاً حضارياً وثقافياً مهماً، يهم الآخرين إلغاؤه وطمسه.

ربما هناك الكثير من الدول الغنية التي تصرف على المهرجانات مادياً للإبهار وجلب السياح. لكن ماتملكه سورية شيء نادر لاتملكه دول كثيرة عربية وأجنبية.

ونعود لمناسبة الاحتفالية الذهبية ونقول: إن مؤسسة السينما لاتزال باقية وهي مؤسسة وطنية بامتياز تنشر الفكر والثقافه وتسهم في إغناء الصورة الحضارية ونشرها للعالم.

• هل من فعاليات خاصة بالمناسبة...؟

•• لدينا في مطلع نيسان القادم... مهرجان الأفلام التي أنتجتها المؤسسة لشباب الوطن وهو (مشروع دعم سينما الشباب) برعاية الدكتورة لبانة مشوح وزيرة الثقافة التي تقدم للمؤسسة كل الدعم والمحبة. خرج هذا المشروع بفضل مؤازرتها وجهودها وسنقيم احتفالية خاصة في دار الأسد للثقافة والفنون نعرض فيها هذه الأفلام التي أنتجتها المؤسسة لشباب الوطن الذين نأمل أن يكونوا في الغد أمل السينما السورية. كان هدفنا من هذا المشروع اكتشاف المواهب الواعدة، التي ربما لم نكن قادرين على اكتشافها لو بقيت في بيوتها صامتة لانعلم عنها شيئاً.

إضافة لذلك، وفي مطلع آذار القادم سنقيم مهرجاناً للسينما العالمية نعرض فيه «75» فيلماً من أحدث ماأنتجته السينما العالمية. «ويضاف لهذا أننا سنعرض تباعاً قبل العرض الجماهيري عروضاً خاصة للأفلام التي أنتجناها مؤخراً وهي:

- «العاشق» للمخرج عبد اللطيف عبد الحميد.

- «الرابعة بتوقيت الفردوس» للمخرج محمد عبد العزيز.

- «عرائس السكر» وهو فيلم تلفزيوني لسهير سرميني.

• بعد خمسين عاماً من عمل المؤسسة، هل ترى أنها حققت أهدافها الكبرى التي أنشئت من أجلها....؟

•• إن أهم ماحققته المؤسسة، أنها لم تكن يوماً مؤطرة ضمن إيديولوجيا معينة، بل كانت دائماً تقدم أفلاماً ناقدة وأفلاماً تؤسس لهامش عريض لحرية التعبير، فكان يؤخذ علينا الأفكار الجريئة. فالمؤسسة سبقت عصرها في هذا المجال. نحن نرى أن أفلام المؤسسة الناقدة استطاعت عبر الهامش العريض من حرية التعبير امتلاك القدرة على قول أشياء ربما كان من الصعوبة أن تقال بفترات معينة، وهذا ما فتح المجال أمامها للوجود بالمهرجانات الدولية. كنا نسأل أحيانا في بعض المهرجانات الدولية ولاسيما الأوروبية في بلجيكا وألمانيا مثلاً. هل الحكومة هي التي أنتجت هذا الفيلم؟ فلم يكن من السهل تصور هؤلاء أن هذا الإنتاج من تمويل الحكومة السورية وهذا كان يعطي دائماً صورة طيبة عن أن سورية بلد فيه هذا الهامش الكبير من التعبيرو حرية الرأي، وتحققت أفلام في السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات شديدة الجرأة، وهذا شيء مهم كان من أبرز الأهداف التي حققتها المؤسسة خلال خمسين عاماً من عمرها وإنتاجاتها .

ثقافة سينمائية أصيلة

ضمن عمل المؤسسة هناك مهرجان دمشق السينمائي الدولي الذي يعد أحد المهرجانات العربية، كيف ترى مستقبله خاصة مع وجود العديد من المهرجانات التي تتباهى بغناها المالي وبريقها العالمي، كيف له أن ينافس في مراحله القادمة..؟

•• مهرجان دمشق السينمائي أهم مافيه عراقة المدينة التي تحتويه والسنوات التي مضت على وجوده والثقافة التي يقدمها، فالمهرجانات التي طرأت حديثاً مثل مهرجان أبو ظبي ومهرجان الدوحة ومهرجان دبي. أغنى بكثير مالياً، والذي تقدمه لانستطيع تقديمه نحن، وبالمقابل نحن نقدم شيئاً ليسوا قادرين على تحقيقه، ثقافة هذه المهرجانات ثقافة سياحية بامتياز وثقافة مالية، فهم قادرون على إقامة مهرجاناتهم في فنادق أفخم من فنادقنا، وربما يقدمون إغراءات سينمائية أكبر، بسبب القدرة الأكبر على الصرف. فمثلاً في مهرجان دبي لايرى الزائر إلا المولات، فدبي مدينة مولات فقط، أما في دمشق فالزائر يستمتع بالمهرجان وبزيارة مدينة موغلة بالعراقة والقدم، يتجول في أسواقها ويشاهد شيئاً مختلفاً ومميزاً ليس موجوداً في مدن أخرى، إضافة إلى أن هوية مهرجان دمشق هوية ثقافية ونحن يمكننا أن نتلمس الفارق من خلال الكتالوجات، فعندما نشاهد كتالوج مهرجان دمشق السينمائي، نرى ثقافة سينمائية وتيارات سينمائية وعراقة أكثر وأهم.... من هنا أقول : إن مهرجان دمشق لايمكن أن يتأثر بهذه المهرجانات الحديثة والغنية والتي هي أقل تقنية بكثير من المهرجانات العريقة ومنها أيضاً مهرجان قرطاج والقاهرة السينمائي.

مهرجان دمشق لايمكن أن يتأثر كما المهرجانات الأخرى، وبكل أسف بعد أن شهد انطلاقة هائلة عندما أصبح سنوياً وتمكنا في سنوات الأزمة من استقدام ضيوف وأفلام ولجان تحكيم مهمة وتقديم ثقافة سينمائية أصيلة فقد قفزنا به إلى آفاق مهمة جداً، ولكن بكل أسف بسبب حالة البلد الآن لانستطيع إقامته، ولكني متفائل بالأيام القادمة لأنه سيعود، وككل دولة عريقة تتعرض للمصاعب ستعود دمشق مدينة الثقافة والحضارة والتراث الذي يتجذر في تاريخها. وكما يقولون لابد ستسطع الشمس من جديد. وسيعود ضيوف مهرجاننا لسؤالنا كيف تستطيعون السير في ساعات متأخرة من الليل من دون مشكلات. أذكر مرة سألتني فيها الممثلة الشهيرة «كاترين دونوف» عند زيارتها لدمشق وعدنا سيراً على الأقدام من دمشق القديمة إلى فندق الشام وهي مستغربة فتسأل: أنا لم أر هذا الأمان إلا في سورية.

جرأة وحرية تعبير

• حققت سورية من خلال عمل المؤسسة العديد من الجوائز السينمائية المحلية والعربية والعالمية، كيف تقيّم هذه النتائج بعد مرور خمسين عاماً على العمل...؟

•• الأفلام التي أنتجتها مؤسسة السينما خلال تلك الفترة الطويلة هي أفلام محملة بالفكر الجريء، فقد كانت قادرة على النفاذ للغرب بشكل فاعل وبصورة مهمة، وقد استطعنا أن نسافر بأفلامنا ونعرضها في أهم المهرجانات والدول الأوروبية فعرضنا في مهرجان برلين وفي مهرجان «كان» و«مهرجان سان سيبستيان».... وغيرها.

كان هذا العمل مهماً جداً، لأننا استطعنا إيصال أفكارنا وأفلامنا إلى المحافل الدولية وهذه فرصة للقول إننا حصلنا في استفتاء لأهم 10 أفلام في تاريخ السينما العربية قامت به جهة عربية وليس نحن على مراتب متقدمة فيها، وهذا يؤدي إلى حقيقة مفادها: إننا برغم إنتاجاتنا القليلة، حققنا أفلاماً مهمة وفاعلة وناقدة، وقد تحدثنا سابقاً أنها أفلام سبقت عصرها، واستطاعت قول أشياء مهمة، وتعد هذه الجهة هي أهم جهة إنتاجية في الوطن العربي. بموجب تلك الأرقام التي أعدها الغير.

وهناك مسألة مهمة جداً تتميز بها السينما عن الدراما، وهي إن الدراما نطاقها محدود وتعرض ضمن حيز جغرافي ضيق....أما الفيلم السينمائي ينتقل إلى العالم، المسلسل التلفزيوني أشبهه بالجريدة التي لانحتفظ بها، أما الفيلم كالكتاب يبقى في المكتبة.

وعندما نشاهد الفيلم بعد سنوات طويلة نبدأ باكتشافه من جديد، فهناك الكثير من الأفلام في الخمسينيات والستينيات التي رميت بالحجارة في ذلك الوقت لكنها الآن تكرم، فيلم باب الحديد للمخرج يوسف شاهين رجم بالحجارة وهوجم من قبل نقاد مصر الكبار، وهم أنفسهم عادوا بعد سنوات للاحتفاء به كأحد أهم الأفلام في تلك المرحلة. وأيضاً فيلم المومياء لم تدرك قيمته إلى الآن والفيلم من فترة السبعينيات من إخراج شادي عبد السلام وبطولة ناديا لطفي وأحمد مرعي.

أما أفلام المؤسسة العامة للسينما فهي قابلة للاكتشاف بتتالي السنوات، فأنا أعود لمشاهدة فيلم قبل 20 عاماً ويكون محتفظاً بمقولته. فأفلام المؤسسة نخبوية إلى حد ما وقيمة أضافت للثقافة السورية الكثير.

• ماهو حجم الدعم المقدم من قبل المؤسسة للسيدات المخرجات وهل هناك تمييز بين مخرج ومخرج؟

المؤسسة كانت وما زالت ترحب بمشاركة المرأة في العملية الإبداعية. والنساء كن موجودات في كل تفاصيل العمل السينمائي لديها، سواء بالكتابة، كما في تجربة فيلمي الكرتون مثلاً، وكذلك إخراجياً حيث قدمت المؤسسة الكثير من الفرص للعديد من الأسماء الحاضرة في الجو السينمائي السوري. ففي الفيلم القصير قدمت تجارب، وكذلك في الروائي الطويل، فهنالك مثلاً فيلمان لواحة الراهب وحديثاً جداً، فيلم لسهير سرميني، وضمن مشروع دعم سينما الشباب رحبت المؤسسة بوجود تجارب نسائية كتبت أو أخرجت هذه الأفلام منهم الممثلة ريم عبد العزيز، نفتح الباب للجميع ولفكر تجريبي ليس بالضرورة أن يكون متحدراً من دراسة أكاديمية، وهي محاولة لتصنيف فكر جديد ورؤية جديدة فربما يكون الكاتب فناناً تشكيلياً أو كاتباً أو ممثلاً، نحن نحاول استنباط رؤى جديدة لأفلامنا وقد ظهر ذلك جلياً في الموسمين الفائتين من هذا المشروع، وأيضاً في أفلام الموسم الثالث الذي سينفذ هذا العام.