2013/05/29

  استوقفني مقال كتبه الأستاذ محمد جرف على شرفات موقعنا بوسطة مورداً فيه مسلسل "ليس سراباً" كمثال عن تدهور النص الدرامي في المسلسلات السورية بعد المسلسل الشهير "نهاية رجل شجاع". أورِد بدوري في السطور القادمة رأييَ في ما كتب محاولاً الإيجاز والتكثيف قدر الإمكان. أعتقد أن الأستاذ جرف ابتعد عن الصواب بإشارته إلى مسلسل "نهاية رجل شجاع" كمفرق طريق في درب الدراما السورية، فهذا المسلسل لم يتمتع بالتكثيف والتشويق والإثارة وكذلك نقصه الصدق والحرارة في الأداء (هنا استعير كلمات الأستاذ جرف حرفياً). وأعتقد أن هذا المسلسل تنطبق عليه كل الصفات التي نعت بها مسلسله المثال "ليس سراباً" وبهذا يجوز أخذه كمثال وليس المسلسل الآخر إلا إذا كان الصراع  في العمل الأدبي بالنسبة للسيد الجرف هو الصراع بمعناه الحرفي (ولا أظنه كذلك)، وهنا ينال "نهاية رجل شجاع" جائزة الأوسكار في الصراع! بادئ الأمر الصراع في العمل الأدبي (رواية-مسرح) أو الفني (تلفزيون-مسرح-سينما) لم يعد بالضرورة عنصراً أساسياً من التكوين العام للعمل. بل وجوده ليس مقياساً على عظمة هذا العمل وفي حال اعتبرنا غيابه مشكلة فهي تصيب كل عمل أدبي معاصر تقريباً. ولم أسمع عن صراع ذي قيمة وآخر ليس ذا قيمة. وحتى لو كان الأمر كذلك فإن صراع الخير والشر في "ليس سراباً"، وإن كان مثالياً إلى حد ما، فهو صراع قيم ولا يمكننا نفي صفة القيمة عليه. كذلك الأمر بالنسبة لشخوص الدراما : من قال إن الشخوص تقوم على ربط العادي بالاستثنائي، وعلى الإبحار بين ضفتي المعقول واللا معقول؟. فكيف تكون استثنائية وملحمية وفي نفس الوقت تشبهنا؟ شخوص "ليس سراباً" هم أشخاص حقيقيون من لحم ودم وطبيعيون والاستثناء هنا أنهم كانوا يتكلمون بصوت عالٍ ليعبروا عمّا لا نستطيع قوله والدفاع عنه جهاراً ودائماً في (الحياة الواقعية) وهذه نقطة تحسب لصالح المسلسل. ثم ألا يكفي لشخصين مثل (جلال وميشيل) أن يكونا مثقفين وعلمانيين ويعملا بالشأن العام (كما ذكر الأستاذ جرف) ويجسدان التآخي والتسامح الديني في المجتمع السوري كي ندور في فلكهما؟. يبدو أننا لا نتقبل أن يتحدث أحد ما عن قصة نعتبرها (تابو) في مجتمعنا السوري فالمشكلة هي في طرح هكذا أفكار وقصص لأننا لا نزال لا نصدق قدرتنا على تخطي حاجز الاختلاف الطائفي ونثرثر دائماً عن التآخي والمؤاخاة مادامت لا تقترب من خصوصيتنا، ولا نؤمن بقدرة اثنين ينتميان إلى دينين مختلفين على النجاح، ولو مؤقتاً، في تجاوز عقدة الأنا والآخر في مجتمع جُلّ ما يجيده الثرثرة الفارغة. نجح هذا المسلسل بقصصه اليومية في أن يدخل أعماقنا التي لا نرغب في البوح بها. عرض المسلسل حالات من نماذج النساء في مجتمعنا ولم يكتف بنماذج تقليدية كانت تفيض في أعمالنا الدرامية (كالأم المضحية أو المرأة الجاهلة التي ترضى بالزواج خارج موافقة أهلها نتيجة غبائها أو انحرافها) بل عرض نماذج جديدة وجريئة وواقعية مثل (أم وضاح وحنان)،وبذلك يكون أغنى الدراما بشخصيات جديدة. كما طرح مشكلة جرائم الشرف ودعا إلى مراجعتها اجتماعياً بشكل جديد (تعاطي وضاح ووالده مع قضية جريمة الأم)، فأكد بذلك على أهمية الحوار، الغائب في حياتنا، وعلى ضرورة إعمال العقل في أية قضية حساسة تواجهنا. وبذلك كان المسلسل دعوة إلى المحافظة على آدميتنا داخل علاقات اجتماعية تتميز بالوحشية والقسوة. لا أعرف ما مشكلة النص في ما ذكرت. ألا يمكن لهذا الصراع بين التيارين المؤيد لاتجاه ميشيل وجلال والثاني المناهض لهما أن يكون صراعاً مثالياً لقصة المسلسل، ولكل هذه الصراعات الثانوية (التي لم أذكر إلا بعضها) أن تكون داعماً لتطور الحبكة في النص. أثبت مؤلف العمل، فادي قوشقجي،  بنصه هذا أن دراما الواقع بتفاصيله اليومية المملة وحواراته الهادئة البعيدة عن دراما (العنف والتشويق والحوارات المنفعلة) هي دراما جدية جديرة بالمتابعة بل وجميلة. واتفق مع الأستاذ جرف  في أن حوارات الشخصيات عابها، في بعض الأحيان، التشابه والثبات في الإيقاع واللغة على طول المسلسل وهذا يصيب الشخصيات الثانوية وليس الرئيسية، لكن هذا العيب لا يجعل من المسلسل أضحية العيد من أجل باقي الأعمال الدرامية السورية، الهابطة منها بالتحديد. والشخصيات لم تكن بدائية بالمطلق بل كانت متناسقة ومنسجمة ومنطقية بالنسبة لتاريخ كل شخصية، وهل في التناسق والانسجام عيب؟ علمتنا الحوارات القائمة بين شخوص المسلسل أن الحوار طريقة ايجابية يمكن أن نعتمد عليه في قراراتنا المهمة في حياتنا. حَسْب الكاتب هذا من كل عمله. أعتقد أنه هنالك مشكلة في النص في الدراما السورية .... ولكنك يا سيدي الكريم لم تصب في اختيارك لهذا العمل كمثال....فـ (ليس سراباً) ليس مثالاً.                                                         عهـد صبيـحة