2013/05/29

مسابقات الغناء العربي.. برامج من بطولة شركات الاتصالات
مسابقات الغناء العربي.. برامج من بطولة شركات الاتصالات

سامر محمد إسماعيل – تشرين

أخيراً تمكن الإعلام النفطي من تحقيق سبقه الناجز في برامج تلفزيون الواقع، حيث ركزت شبكة الـ mbc السعودية خطتها الإنتاجية لموسم 2012 -2013 على برامج مسابقات الغناء،

والتي يتم من خلالها الهيمنة على ذاكرة المستمع العربي وذائقته، وذلك عبر تحويل رغبة صاحب كل موهبة صوتية عربية إلى مجرد بورصة تصويت على أعتى شركات الاتصال الخاضعة بدورها لهيمنة البترودولار، مستهدفةً هواة من الجيل العربي الشاب «ما دون الخامسة والعشرين عاماً» في معظمها، منتهزةً ضعف الاهتمام بالشباب العربي، حيث يعاني الآلاف منهم من شبح البطالة والكآبات الرقمية، ليتحولوا إلى لقمة سائغة لشركات تدمير الذائقة، وبمعونة «نجوم الغناء العربي» الذين يعطون هنا شرعية هذه النوعية من ساعات البث، على نحو «عرب أيدول»..«عرب غوتالنت» و«ذا فويس» فالمتقدمون جميعهم من شباب وشابات، باعة دبس فقراء زادهم الوحيد هو إلقاء أنفسهم لنهم الكاميرا المثبتة إلى يسار ويمين لجنة الحكم، عليهم النظر إلى العدسة المنصوبة كقناص لاصطيادهم واحداً تلو الآخر، إنهم المادة الأساسية لملء ساعات البث الطويلة، ليست أحلامهم الصغيرة البريئة المتروكة على غاربها فحسب، بل هو كيانهم المهدور على الملأ، فحص سريري لذائقتهم الفنية، التسلية الجديدة تحمل الكثير من الوعود الميمونة، سيقفون جميعهم إلى جانب نجوم من مثل «نجوى كرم، كاظم الساهر، شيرين، صابر الرباعي، عاصي الحلاني» علماً أن هؤلاء أنفسهم يخضعون لعقود احتكار مع شبكة «روتانا» السعودية التي تعمل ليلاً ونهاراً على تخريب الذائقة، وحرفها عن مستويات فنية راقية، فالمطلوب اليوم هو تكريس ثقافة «التصويت» ومجتمعات البورصة، و«مولات العدم»، وستوقّع شركات الإنتاج النفطية مع الشباب الفائزين عقوداً بملايين الدولارات، جميعهم سيخضعون للفحص الدقيق، امتحان الصوت والرشاقة واللياقة والخيال والفوتوجونيك، جميعهم يحق لهم ذلك، بمن فيهم الأقل موهبة وقدرة على مواجهة الجمهور أو الكاميرا، ليس من خاسر، فعرب النفط الموسيقي تحولوا إلى بلدان يسكنها آلاف المطربين، فقد أصبح لكل مواطن عربي عشرة مطربين على الأقل، ولا بأس من صرف بعض الوقت أمام المرآة للتدرب على روائع المسرح- التلفزيوني الجديد.

بالتأكيد لن توفر اللجنة تعاطفها مع المتسابقين، ستمد لهم يد العون، مهلاً.. يد العون هذه مطلوبة لتوفير جرعة من اللقطات المضحكة؛ الشائقة والمسلية في آنٍ معاً، الاستفادة القصوى من المادة البشرية المتوافرة بالمجان، تحويل التعاسة الاجتماعية إلى نوع من الكوميديا، سيدخل عليك أحدهم وهو يحمل رقعة شطرنج، أما الثاني فسيصعق اللجنة بمواجهتها على الفور بأغنية لفهد بلان، وهناك فتاة ستقبّل «نجوى كرم» وآخر سينشد قصيدة غزلية بكاظم الساهر، استجداء يدمي القلوب، وجوه مكفهرة أمام كاميرا سليطة، كاميرا جائعة لتسجيل أكبر قدر ممكن من «الموهوبين والحيارى»، هذا بالتأكيد وصلناه بقدرة قادر، شعبية «الفيديو كليب» الذي زور واقع الحياة العربية المعاصرة، وصادرها، وكرّس صورة مشوهة عن الذات، حيث ثمة الكثير من المنتحرين طيبي القلوب، البعيدين عن مآرب الربح المتوقع، حفاة في عراء مهين أمام حلوى الفرح المؤقت، فهم لا يعرفون أنهم يساوون الكثير لشركات الاتصالات التي تشحذ أسنانها لإطلاق خدمة الـSMS، رسائلها القصيرة ذائعة الصيت لمساندتهم..!، ناهيك عن شركات الإعلان التي تتغذى على مواهب شبان وشابات نهشتهم البطالة والفرص الضائعة، كل شيء محسوب بدقة الآن، فمع توفر المادة الأولية لبرنامج يبيع يانصيب الدنيا على تلفزيونات الآخرة، لن تعدم الحيلة لاستقطاب المعلنين. هكذا ينتحر الشباب على مذبح الاستديوهات الرقمية، وهكذا يريدون لأمة أصبح أقوى لقب مسروق لها «أمة الفيديو كليب» الذي قال عنه الراحل الكبير فهد بلان مرةً عندما سأله المخرج خلدون المالح عن هذه الظاهرة: «هذا فيديو كلاب، مش كليب»..!