2012/07/04

مسافر زاده النقد
مسافر زاده النقد

فجر يعقوب- السفير لا يخلو حديث النجم عمر الشريف الى الزميل جميل ضاهر على شاشة «العربية» من صراحة غير معهودة. صراحة يبدو أن أحداً لم يعد في حاجة إليها الآن. تبدو مكاشفته وكأنها من عالم آخر، اذ تظهر كثير من الفضائيات من حوله غارقة في بحور من المجاملات والنفاق العابر للحدود الزمانية والمكانية، فهي تخلع الألقاب على من تشاء وتخلع الألقاب ممن تشاء... وهي لا تتوقف عند حد في تلميع هذا وذاك، اذ يكفي ممثلاً مغموراً من دون رصيد أو زاد مهني أن يصبح «فاتحاً» من العيار الثقيل لسبع ولايات أميركية مثلاً، بالاتفاق المسبق مع سبع محطات تلفزيونية حجزت لها دوراً للقائه، من دون أن نعرف شيئاً عن هذه المحطات، أو تلك الولايات التي تتدافع من حول هذا الضيف «الكبير».   مع الشريف تبدو الأمور مختلفة تماماً. صراحته تقلب الطاولة أمام هذا الرياء التلفزيوني المنقطع النظير. تبدو جارحة لبعضهم، ومثيرة لغبط آخرين. وبين هذا وذاك، يمكن لعمر الشريف أن يطلق النار على مهنة التمثيل، باعتبارها «مهنة وضيعة» على رغم أنها مصدر دخله الوحيد. إنه المسافر بامتياز. لا يملك بيتاً يعيش فيه، ويتناول طعامه في المطاعم، ويرى أن نجوم هذا الزمن ملتبسون وقابلون للنسيان. فأدوات التجريب عندهم تكاد تكون معدومة بالكامل، ناهيك بأن التصوير في العالم العربي يخضع لكثير من الأمزجة والأهواء والتقلبات التي لا تصب في مصلحة هذه المهنة، بعكس الدول الغربية التي يقيم فيها أهل هذا الوسط.   في هذا السياق يبدو ما قاله عمر الشريف عن مشاركته في فيلم «المسافر» لمواطنه المخرج أحمد ماهر درساً بليغاً ومتوازناً في طريقة توجيه النقد غير المتسرع، والذي يصب في مصلحة الفيلم نفسه، ومصلحة المخرج الذي أقدم لا شك على مغامرة كبيرة بكتابته واخراجه فيلماً مختلفاً عن السائد الذي تعيشه السينما المصرية. ولكن كان ينقصه بعض الدربة، وهذا هو مصدر احتجاج النجم الكبير، وقد أجمع الكثير من النقاد على أن «المسافر» بدأ أصلاً من الثلث الأخير الذي يشارك فيه عمر الشريف.   يقول النجم المصري أن المخرج ماهر عرض عليه فكرة «عبقرية» من كتابته، وقد تأثر بها، وبالطريقة التي كتبت فيها على الورق، ولم يعترض على مساحة الدور التي أعطيت له ايماناً منه بالفكرة الأخاذة. ولكن الفيلم بعد ظهوره للنور أخذ مساراً بطيئاً أضرّ به. فالايقاع بدا مترهلاً، وكان حرياً بالمخرج أن يعمل على توكيد فكرته بالمونتاج، وهو الأمر الذي دفع به للاحتجاج علناً وبصراحة أكبر أمام مدير مهرجان البندقية لقبوله «المسافر».   تبدو صراحة الشريف امام عدسات التلفزة مبالغاً فيها. فليس هناك الآن سوى نجوم تلفزيون يمكنهم في شكل من الأشكال أن يطلقوا التصريحات المتباينة والمتفاوتة عن عبقرية هذا وذاك بالاستناد إلى «تهويمات» غير مؤكدة تطلق هنا وهناك عن اعتبار هذا المسلسل أو ذاك واحداً من أهم عشرة مسلسلات شوهدت على مستوى العالم.   ما ينقص هو هذا النوع من الصراحة غير المؤذية. فالشريف يمكنه بخبرته ودهائه أن يشتم رائحة فيلم مهم من «المسافر»، لكن ما ينقصه هو الايقاع ليخرج بحلة تناسب الطريقة التي كتب فيها.