2012/07/04

مسرحية «ليلة وداع» تجسيد واقع وسؤال امرأة في لعبة الأقدار.. مهما ضاق الخناق فلابد أن نأخذ خطوة باتجاه الحياة
مسرحية «ليلة وداع» تجسيد واقع وسؤال امرأة في لعبة الأقدار.. مهما ضاق الخناق فلابد أن نأخذ خطوة باتجاه الحياة


ريم محمود - تشرين


أهي السنون تمر بنا كي نعبر ضفاف العمر لننتهي فرادى كما بدأنا!!

أم هي ممرات العمر تضيق لتحيي فينا ذاكرة الحنين لربيع تلاشى ولسؤال (ما الجدوى)!! ‏

أسئلة توقظها (حياة) عبر حوارها مع الذات في (ليلة الوداع).. ‏



المسرحية المونودرامية التي عرضت على مسرح القباني وأدتها منفردة باقتدار (فيلدا سمور) التي تقمصت شخصية (حياة)، ومن خلالها مرت على ضفاف الزمن.. في حوار أحادي استطاع الدخول في عوالم الإنسان وبواطنه لحظة عودته وحيداً بعد فراق الأحبة ونكران الأصدقاء والأولاد.. وخلال دراما فردية شد الجمهور في علاقة جدلية لامست الاثنين معاً لصورة تلك المرأة الوحيدة التي تجسد كل إنسان فينا يشكو العزلة وألم الفراق. ‏


عودة إلى الوراء ‏

تتحدث الشخصية بلغة المرأة التي تعددت أدوارها زوجة.. أم.. حبيبة.. وتلك الأخرى التي لم تكتمل بعد.. وهي رغم الترمل والكبر لاتزال تلك المغناج التي تحلم بالامتداد وكسر قوالب الصمت ومواصلة الحياة. ‏

من العتمة تخرج شمعة.. هكذا بدأت قصة (حياة) التي روتها الشخصية منفردة على امتداد ساعة بتواصل.. هذا التواصل الذي لم ينقطع إلا مع حضور من يكمل الإيقاع موسيقا إضاءة وأحياناً الأثاث.. ليشكلوا صدى (الآخر) الذي تراءى حينا في الكرسي المتحرك الذي لعب أكثر من دور ليجسد دولاب الدهر الذي (يكرج) من دون أن يعرف أحد منا أين يصير.. ومرة أخرى آخداً دور الزوج الذي انتهى على الكرسي بعد أن كان ذاك الشاب الذي سرق منها أيام عشقها لابن الجيران (المشخصاتي) الذي رفض بحسب التقاليد والأعراف فمن يعمل بالفن لاينفع للزواج- بحسب رأي الأهل- لتتزوج (أبو نادر) الرجل الذي يكبرها وغير الآبه بأنوثة أو مسؤولية زواج.. ليتداعى العمر به ويصبح في قبضة الزوجة على كرسي متحرك تحركه هي كما تشاء، لينتهي المشهد في صوت لايخلو من النكران بترحم حياة على هذا الزوج كواجب وقد أصبح من الأموات.. أما الأحياء فتعاود حياة السؤال عنهم وبوقفة سريعة تتحدث مع ولدها البكر نادر الذي رماها كما ترمى الدمى من دون اعتبار لرحم وأمومة، ولأن قلب الأم لايقسى تعاود الاتصال به رافعة سماعة الهاتف متأملة بجواب وهو الذي سبق أن فطر قلب أمه وأبيه عندما منع أخته (سلمى) من دخول المنزل إن عصت أمره وتزوجت بمن تهواه.. هكذا عاشت حياة وحيدة في اللاجواب الذي يتداعى مرات عدة خلال الحوار فحتى (القطة) التي مرت من أمام الشباك العالي في القبو الذي تعيش فيه لم (تجب لندائها).. لتتوقف عن المناداة والعودة إلى الوراء بصحوة تخرجها من الألم وتستعد لمتابعة الحياة.. ‏

توليفة واحدة ‏

الفكرة قد لاتحمل الجديد إلا أن مقاربتها للواقع ومانحياه عبر إعداد النص جعلها قريبة من المشاهد.. كما إن تجسيد الفنانة فيلدا سمور للدور التي أبدت فيه حيوية متقدة.. باستحضار ذاكرتها الانفعالية عبر الحركة وصوتها الذي ملأ فضاء المسرح، وبفهم الفنان المحترف لسنوغرافيا المسرح أخرج النص من قالب السرد القصصي الممل.. هذا التوظيف الدقيق ما برز في عمل المخرجة والمعدة للنص سهير برهوم من خلال لعبة الإضاءة وإيقاع الموسيقا التي جمعتهم في توليفة واحدة.. صانعة من هذه السنوغرافيا شخوصاً لم تكن ثانوية بل لعبت أدوراً أساسية بجانب الشخصية الرئيسة لحظة تداعي الذاكرة. ‏

وفي مقولة تختصر ما تقدم نستطيع القول إن العرض أقرب للمناجاة.. لا يقدم إجابات بل يطرح تساؤلات لمن أرخى سنين العمر في الحزن والبنين.. مناشداً كسر حالة الحصار والانعزال شرط مواصلة الحياة. ‏

قراءات ‏

بعد أن أسدلت الستار عن المسرحية توقفنا لبرهة مع المخرجة ومعدة العمل سهير برهوم التي أكدت أن العمل محاكاة للواقع ولا يمكننا اليوم العمل والعيش بمعزل عن المحيط وما يحدث حولنا، لذلك اخترت اسم (حياة) محاولة تجسيد هذه الشخصية التي تعيش حالة العزلة وجفاء الأبناء لأخرج بمقولة (مهما ضاق الخناق لابد أن نأخذ خطوة باتجاه الحياة) وهذا هو شرط الحياة برأيي. ‏

وعن اختيار الممثلة فيلدا سمور لتجسيد دور المرأة المسنة أضافت: إن هذا الدور لا يمكن أن يؤديه إلا ممثل محترف له تجربته، لاسيما في نص مسرحي يعتمد المونولوج (الممثل الواحد) الذي يقع عليه العمل كله.. وهذا ما أجادته سمور وما نلحظه من حضور يؤكد أنها استطاعت إقناع الجمهور... ‏

أما الشخصية الأساسية التي تمثلها هذه المرأة فهي في الحقيقة حالة يعيشها كل إنسان فينا رجل كان أو امرأة عندما يصل إلى أواخر العمر لا يطرق بابه أحد ولا يجد من يجيب عليه ويؤنسه في وحدته. ‏

وحول قراءتها للعمل في إخراج مسرحية (مونودرامية) قالت: هذا النوع من المسرحيات يعد من أصعب الأعمال لكن خلال إعداد النص عملت على الاستفادة من العناصر المكملة وخلال الاجتماع مع ورشة العمل المتمثلة بمصمم الديكور والإضاءة والموسيقا حاولت تجسيد الشخصيات, فمن المعرف أن عمل المسرح (واقعي) إلا أن الأثاث المكمل (مجرد).. فمثلاً تم استحضار الضوء في أكثر من مشهد ليجسد الطفل المتخيل والابنة ليلعب الديكور دوراً مساعداً ناقلاً الشخصية إلى عوالمها الداخلية. ‏

وفي السؤال عن المحرض الذي جعلها تختار نص جوان جان أجابت برهوم: النص له توجه مختلف عما حاولت إظهاره من خلال العمل لذلك قمت بإعداده بشكل يتناسب مع الرؤية التي أريد طرحها... وفي العودة لسؤالك إن أكثر ما جذبني هو الظرف الذي تحياه بلدنا الآن. ‏

عندما يتخلى عنها ما تحسبه صديقاً تمد الأيدي باتجاه الآخر لكن لا تجد أحداً... وعندما يضيق ويشتد الخناق نحن من علينا أن نفك خيوط العقدة ونجد الحل... وهذا أكثر ما حرضني لأقوم بإعداد النص وتقديمه في الظرف الحالي.. وأعتقد أن مجرد تقديم العرض الآن هو خطوة إيجابية رغم التحدي الذي يمكن أن نلقاه باتجاه الحضور... وهذا ما كان. ‏

بطاقة العرض: ‏

التمثيل: فيلدا سمور- التأليف: جوان جان- الإعداد والإخراج: سهير برهوم- مساعد المخرج: عبد الناصر حسو- الديكور: أسامة دويعر- الإضاءة: بسام حميدي- الموسيقا: جوان قره جولي- تصميم ملابس: فيروز علوني. ‏