2012/07/04

مسرح في سورية خطوة إلى الخلف أم تقدم إلى الخلف.. جمال قبش: إدارتنا المسرحية تجاوزها العصر
مسرح في سورية خطوة إلى الخلف أم تقدم إلى الخلف.. جمال قبش: إدارتنا المسرحية تجاوزها العصر

دمشق
صحيفة تشرين
ثقافة وفنون
الأربعاء 16 كانون الأول 2009
نضال قوشحة
جمال قبش مسرحي سوري، حمل هم المسرح، كان خريج الدفعة الأولى في المعهد العالي للفنون المسرحية، أوفد على نفقة الدولة لمتابعة الدراسة في فرنسا، وتحصل من هناك على درجة الدكتوراه في المسرح، عاد للوطن وحلم بنشاط مسرحي يبتغيه، لكن الأمور لم تكن على مايرام. كيف ولماذا؟.. هذا ما حاولنا أن نستشفه من خلال هذا الحوار الذي سجل معه قبل التغيرات الأخيرة في إدارة مديرية المسارح والمعهد العالي للفنون المسرحية. ‏ كيف تنظر إلى وضع المسرح في سورية؟

 

‏ بداية، دعني أعترف أن المسرح بأزمة، ليس في سورية وحسب، بل بالعالم أجمع. ‏ المطلع على تاريخ المسرح ببلدنا يرى وببساطة أن هناك ثلاث مراحل مضيئة أعطت للمسرح الدفع القوي للانطلاق، ولكنها للأسف لم تستثمر. الأولى كانت بفضل سيد المسرح السوري أحمد أبو خليل القباني وفرقته، وكلنا يعلم كيف أجهضت هذه المرحلة، والثانية كانت عندما تم إنشاء وزارة الثقافة التي أخذت على عاتقها دعم المسرح وبتأسيسها للمسرح القومي وهنا لا بد من ذكر أسماء انضمت إلى المسرح وذلك بعد دراستهم المسرحية بالخارج مثل رفيق الصبان وشريف خزندار من فرنسا، وأسعد فضة وعلي عقلة عرسان وخضر الشعار، ولكن سرعان ما هجروا المسرح لأسباب مبهمة أما المرحلة الثالثة فكانت مع انطلاقة مهرجان دمشق المسرحي وافتتاح المعهد العالي للفنون المسرحية، وهنا لابد من ذكر الدور الذي لعبه الوافدون الجدد ومنهم: سعد الله ونوس، فواز الساجر، شريف شاكر، نائلة الأطرش، وليد قوتلي، وغيرهم ومن البديهي ألا ننسى أبداً الدور الهام الذي لعبه- أولا من كان بموقع القرار في تاريخ مسرحنا ونذكر منهم: الوالي مدحت باشا، أ نجاة قصاب حسن، أ. أديب اللجمي، د. نجاح العطار، د. غسان المالح، أ.أسعد فضة وغيرهم- وثانياً من ساهم بوضع حجر الأساس لثبات المسرح واستمراره في بلادنا: فمنهم من جاء من المسرح الشعبي وهنا لابد من ذكر الأساتذة عبد اللطيف فتحي، نهاد قلعي، عدنان بركات، منى واصف، رفيق سبيعي، عمر حجو وغيرهم. ‏ ومنهم من جاء من المسرح الجامعي، نذكر منهم السادة دريد لحام، هاني الروماني، سلوم حداد، رشيد عساف، بسام كوسا، ندى حمصي وغيرهم. ‏ عشقوا جميعهم فن المسرح وآمنوا بدوره ولكن، هل يكفي العشق والإيمان لاستمرار المسرح بالقوة وبالحب التي أنطلق بها منذ أن تبنت وزارة الثقافة المسرح، أم أن الرهان سيكون على الدم الجديد، خريجي المعهد العالي للفنون المسرحية، والذي سيساهم وحسب التوقعات في حمل راية المسرح ومتابعة المسيرة؟؟ ‏ قوانين ومناهج لا تناسب التغيرات ‏ لقد مضى ما يقارب النصف قرن على تأسيس المسرح القومي وأكثر من ربعه على تأسيس المعهد المسرحي، ولكن الأسئلة التي تطرح نفسها: هل قامت الإدارات المتعاقبة على المسارح وحتى على المعهد المسرحي في النظر وبشكل جدي في قوانينها ومناهجها والتي، وبرأيي الشخصي، لم تعد تتناسب والتغيرات ومتطلبات العصر الذي نعيشه؟؟ هل بحث المعنيون أسباب هجرة أحمد أبو خليل القباني المسرح، وكذلك رفيق الصبان وشريف خزندار وغيرهم، الحق يقال إن مواسم هجرة المسرح مازالت قائمة ولكن هذه المرة بأعداد كبيرة وجميعها إلى الدراما التلفزيونية، حتى إن طلبة المعهد المسرحي أخذت تعد حقائبها للهجرة إلى التلفزيون فور قبولهم في السنة الأولى. ‏ صحيح أن آليات العمل في التلفزيون تطورت آلاف المرات قياسا لشروط العمل في المسرح، وصحيح أن ما حققه الفنان السوري من نجاحات وطموحات في التلفزيون على مساحة الوطن العربي أهم بكثير من إنجازاته وتاريخه المسرحي الطويل ولكن، من غير الصحيح أن لا تبادر مديرية المسارح والموسيقا إلى وضع الحلول السليمة والمعايير الدقيقة لإعادة أهل الدار إلى ديارهم ثم ما هو ذنب المتفرج الذواق والذي يحن دائماً لمشاهدة من يحبه من الفنانين كدريد لحام أو منى واصف وأسعد فضة مثلاً على خشبات مسارحنا!! ‏ هل يكمن الحل بإعادة مهرجان المسرح؟؟ دعني أصارحك القول، لقد كنت وبعض الزملاء ضد عودة مهرجان دمشق المسرحي، وذلك لعدم وجود العروض المسرحية القوية ثم هل وجود عرض أو عرضين جيدين كل ثلاث أو أربع سنوات كاف لإعادة مهرجان المسرح، أنا لست ضد إعادة المهرجان، شريطة أن يعود بقوة وعلى أسس علمية وفنية عالية، إلا أنه عاد، والذي أخذ قرار عودته، أراد أن تضم عودة المهرجان إلى «إنجازاته»، لكنه «ورطنا» ورحل. نظرة سريعة لدورات المهرجان الحالية والسابقة كافية لتعطينا فكرة عن البرود والفوضى والزيف التي تميزت بها: لقد أدرجت عروض سورية كثيرة، وكأن القضية قضية كم، ومع ذلك كانت وللأسف دون المستوى، وكذلك العروض العربية. ‏ لقد خرج المسرح عن مساره الحقيقي، ولم يعد هناك مؤسسة حقيقة تعنى بآهات الفنان المسرحي الحق، أو حتى تنظر وبعمق إلى تطلعات الجمهور المسرحي التواق إلى عروض فنية عالية الجودة. ومن البديهي ألا يكون الحل بقرار إداري وفردي، بإعادة المهرجان مثلاً ، أو حتى بإنشاء مسارح قومية في المحافظات، ولكن بحس فني جماعي عالي المسؤولية وعليه فإننا نتفهم جيداً أسباب هجرة الفنان والكاتب وحتى جمهور المسرح، لأن تطلعاتهم صارت أكبر وطموحاتهم أصبحت أهم من الذي تقدمه لهم إدارة المسارح منذ سبع سنوات، جاء على إدارة مديرية المسارح والموسيقا سبعة مديرين لماذا؟؟ من حقنا على وزارة الثقافة أن تطلعنا على برنامج وخطة عمل كل مدير جديد، ولكن الذي يحدث أنه يتم اختيار المدير وتنحيته من دون أن يكون لديه مشروع عمل ومن دون حتى محاسبته على الأخطاء التي ارتكبها، أو حتى تشكره على إنجازاته إن وجدت، أحد المديرين مثلاً، قام وبمجرد استلامه لمنصبه، بمحو ذاكرة المسرح ‏ السوري، وذلك بإلغائه قاعة البروفات في المديرية وضمها إلى مكتبه الجديد الفخم، والذي يضاهي مكتب السيد الوزير. أرى أن المبالغ التي صرفت على هذا البذخ كان أولى أن تصرف على إنتاج مسرحي راق. ‏ في النهاية أرى أن كل هذا لن يؤدي إلا إلى خلق مناخ بعدم الاطمئنان والنفور وهجرة المسرحيين السوريين!!! ‏ أوفدك المعهد إلى فرنسا للحصول على الدكتوراه في المسرح، كيف تقيم لنا هذه التجربة وأين أنت الآن على الساحة الفنية والمسرحية؟ ‏ انتمي وبفخر إلى أول دفعة بالمعهد، ولحاجته إلى كوادر شابة، تم اختيار أربعة طلبة لإيفادهم للخارج والتخصص وهم الزملاء جمال سليمان وفايز قزق لبريطانية وأنا لفرنسا، أما الزميل أيمن زيدان فتم استبعاده لأسباب أجهلها. الاختيار تم بناء على لجنة فنية متخصصة تمتعت بالمصداقية الفنية والمهنية وترفعت عن أي اعتبار شخصي وهذا على عكس ماتم ترشيحه لاحقا حيث وصلت الأمور إلى نتائج ممكن أن نقول عنها كارثية!!! ‏ دراستي في فرنسا كانت غنية بكل معنى الكلمة، ولاعتبارات اكاديمية، طلب مني الحصول على شهادة الدكتوراه، وهذا عكس مايجري مع طلبة الفنون التشكيلية، حيث تعادل شهاداتهم العملية بمثابة دكتوراه، فسنوات المنحة مثلا لم تكن كافية للدراسة العملية والنظرية، إلا أني حققت وبسعادة وشقاء الدراستين، وهذا سبب تأخري بالعودة للوطن. ومع وصولي، دخلت بدوامة لمدة أشهر حتى استطعت تعديل شهاداتي العلمية، ولمعرفة إلى أي إدارة أنتمي قانونياً، للمعهد المسرحي أو لمديرية المسارح «وكأنهما دولتان منفصلتان». وبعد أسبوعين لمباشرتي العمل، قامت إدارة المعهد أنذاك بنتحيتي عن التدريس من دون أي سبب علمي، ضاربة عرض الحائط بكل القوانين الأكاديمية وحتى الأخلاقية. ولكي يتخلصوا مني، وافقوا لي على الذهاب للعمل كمدرس للمسرح في السعودية، جامعة الملك سعود، وهذا أيضاً مخالف حتى للقوانين. ‏ صراحة، لم يكن امامي إلا الرحيل، وقد رحب بي هناك أجمل ترحيب، والحق يقال إن تجربتي في السعودية كانت غنية جدا، ولم أعد للبلد إلا بعد خمس سنوات ونصف، عندما وجه لي عميد المعهد آنذاك، د. رياض عصمت، رسالة يطلب مني مشكوراً العودة للمعهد، فعدت. وباستلام الزميل فايز قزق إدارة المسارح، سارعت إلى تقديم ليس فقط العون بل وحتى مشاريع فنية كثيرة كمشروع افتتاح دار الأوبرا ومشاريع أخرى والتي لاقت الترحيب من قبل المديرية والوزارة. إلا أني، ولأسباب عديدة، قررت الانسحاب من المهام الموكلة إلي في المديرية، ومن هذه الأسباب: - إيقاف المشاريع الفنية التي قطعنا شوطاً كبيراً في تحضيرها. ‏ - تنحية الزميل قزق عن منصبه كمدير للمسارح دون تقديم الأسباب المنطقية لذلك. ‏ - إلا أن السبب الأساسي لانسحابي هو الفساد الكبير الذي كانت تعيشه المديرية، والذي على أثره تم إنهاء تكليف مدير المسارح الجديد والذي لم يدم سوى أشهر. ‏ أما المعهد، فقد قررت الانسحاب منه بسبب عدم انسجامي والسياسة التي أتبعها عميد المعهد آنذاك. ‏ ألم توجه لك الإدارات الجديدة في المعهد أو المديرية الدعوة للعمل معها؟!! أم أنك تفكر بالهجرة إلى التلفزيون؟؟؟ ‏ بصراحة؟ لقد أصبحت معتاداً على الهجرة وأفكر جدياً ودائماً بالرحيل. التلفزيون يدعوني دائماً للعمل في أعماله الدرامية. وإدارة المعهد المسرحي، ولم توجه لي أي دعوة للعمل معها، ربما لأن لديها كادرا كافياً ووافيا، علماً بأني أوفدت بالأساس للدراسة والتخصص من أجل المعهد. أما فيما يتعلق بمديرية المسارح، والتي أنتمي إليها قانونياً، فإنها وللأسف لم توجه لي الدعوة لحضور افتتاح المهرجان المسرحي ونشاطاته، أو حتى دعوتي للمشاركة بإبداء الرأي في نشاطاتها، وأعتقد أن هذا يعود لأسباب شخصية. وعليه، فأنا أفكر جديا بالرحيل والهجرة ولكن بشكل قانوني. تقدمت لوزارتنا بطلب ألتمس موافقتها على ندبي للعمل بالمركز الثقافي في باريس. فبحكم دراستي المسرحية في سورية وفرنسا، ومعرفتي الجيدة بالمركز ونشاطاته منذ افتتاحه، ومعرفتي بالحياة الثقافية الفرنسية، فأنا واثق بأني قادر أن أجد لهذا المركز دورا ثقافيا هاما يلعبه وتحديداً في عاصمة مثل باريس.. إلا أن طلبي وجه لجهة إدارية لبيان الرأي ولمعرفة إن كان لدي «المؤهل المطلوب»، ومازلت أنتظر الرد. في الختام، هناك مقولة أكررها دائماً، تقول: «في النهاية لايصح إلا الصحيح»!! ولكن أي نهاية؟؟ ونهاية من؟؟!! ‏