2012/07/04

مسرح ماقبل الكلمة
مسرح ماقبل الكلمة

أنور محمد - البعث

كأنَّنا إلى الآن لانعرف كيف نوطِّن التقاليد والآداب المسرحية. فالمخرج- مخرج مسرح مافوق النص أو مسرح مابعد الدراما- يقوم بقتل الكاتب المسرحي,

ففي كثير من العروض المسرحية التي تُقدَّم على خشبات المسارح العربية هو لايرى النص. بل يتحدَّاه دون أن يقدِّم بديلاً , حتى إنَّك تكاد لاتعثر أو تقبض على لحظة مسرحية أو أدائية. فالمخرج يعمل على تقويض قواعد النص, فيقدِّم عرضاً لاصراعات, ولا تصادمات فيه, ولا معنى, وهو بذلك ينتهك أسس العرض المسرحي.‏

لماذا الإطاحة بمفردات النص/العرض التقليدي. هل نعتبر هذا هجوماً للنيل من قيم النص الأساسية التي تعطي العرض شرعيته ؟. أظن أنَّ عمليات التوالد والتكاثر السريع للعروض التجريبية التي تحذف النص؛ تصادره؛ تلغيه..هي عروض طارئة. فالتشكيل الأدائي كما نراه في هذه العروض هو تكوينات بصرية لامسرحَ فيها, صورة لااستمرار مادي لها, فتدمير النص المسرحي هو مايذهب إليه أكثر المخرجين المسرحيين العرب, لأنَّ العروض صارت تخلو من الحكاية التي هي عصب كل نص, وعصب كل عرض. إذ كيف نعثر على إنسانيتنا التي قمعتها الأنظمة المطلقة إذا المسرح تخلىَّ عن الصراع, تخلىَّ عن الحكاية ..؟ هل نعثر عليها في الفلسفة, في الرياضيات, في الكيمياء والفيزياء؟؟.‏

ولو تتبَّعنا تاريخ المسرح من التراجيديات اليونانية إلى شكسبير وحتى بريخت, فإنَّنا سنجد أنَّ النص المسرحي لايخلو من الحكاية, ويذهب إلى النقد والنقد الفكري, لأنَّه يلعب دور خلق الوعي الجمالي الأخلاقي منه والسياسي. لقد شاهدنا عروضاً تجريبية عن نصوص ليوربيدس وشكسبير وبريخت.. تتفتَّت, تتمزَّق, لايبقى منها شيء سوى حوارات ركيكة, وكأنَّ المخرج يقوم بمحوهم؛ بإبادة مثل هؤلاء المؤلفين المسرحيين. وكأنَّ هذا المخرج لايُدرك أنَّ النص المسرحي يُبرز صورة الإنسان العقلانية, فالفرد /الشخص/الإنسان هو أيضاً عصب النص؛ العرض. والمخرج هو من يلتقط ويبرز الثراء الروحي للشخصيات, مثلما يفرجينا مساحة الدمار التي تحلُّ بها, تحلُّ بنا. يفرجينا القوَّة الدرامية للجمال الذي حُرمنا من التمتُّع به مقابل انقلاب البشاعة العدمي. ماالذي فعله النص, أو ماهي الجريمة التي ارتكبها, فيُجهز المخرج على الحدود المكوِّنة له من حكاية وصراع وسياق مادي. مع إنَّه ليس هناك قارئ محايد ولا متفرِّج محايد. إذ لايمكن أن ننفصل عن العمل كان نصاً أدبياً أو عرضاً مسرحياً, فنحن طرف مسؤول- تقع علينا مسؤولية المشاركة, بالتالي من حقِّنا أن نحاسب المخرج كما المؤلِّف, فلا شيء يُصنع كان رغيف خبز, أو وردة, أو منزلاً,أو مدرسةً,أو معبداً, أو عرضاً مسرحياً لولا حاجتنا- حاجة الناس إليه. لذا من المستحيل أن يقوِّض المخرج أو أحدٌ ما علاقتنا بهذه الحاجات فنحن شركاء.‏

أخيراً- لماذا مسرح الصورة؟ لماذا المسرح الذي يلغي النص, يلغي الكلمة, يلغي الحوار. هل ليذهب إلى مسرح ماقبل الكلمة؟؟ إلى اكتشاف الأصوات والألوان وسبر الأحلام واستعادة الكوابيس؟ربَّما. ولكن على أن تقوم الصورة بالتعامل معنا ك «مفتِّحين»وليس ك«عميان» لاسيما وأنَّنا ندرك؛ أو إنَّنا على يقين بأنَّ أكثر المثيرات الحسِّية هي حاسَّة البصر. ولذا كان المسرح أوَّل خطاب بصري, مثله مثل المباريات الرياضية في أثينا حيث الديمقراطية؛ حيث رَبَا الفن – صار يَرْبُو ليجيء الصوت تالياً, والذي يشكِّل مع الصورة ذاك الخطاب المسرحي التقليدي. وهنا نسأل:هل المخرج المسرحي الأوَّل حين حوَّل النص إلى عرض كان يفكِّر بالصور؟.‏