2012/07/04

مسلسلات البيئة الشامية .. نسخ معدّلة وغياب للتوثيق
مسلسلات البيئة الشامية .. نسخ معدّلة وغياب للتوثيق


فادية مصارع – الثورة


عرف المجتمع الدمشقي بالدفء والحميمية إذ كان البيت الدمشقي يضم الآباء والاجداد تحت سقف واحد ،وكان الأهل يجتمعون يوميا في سهرة عائلية يتعرفون على أحوال بعضهم ويتقصون أخبار أقربائهم وجيرانهم ، واليوم لم نعد نرى كل هذه المظاهر الاجتماعية التي غابت أو كادت .

ولعل صناع الدراما أرادوا إحياء مثل هذه الطقوس الدمشقية من خلال مسلسلات تعيد الليالي والأيام الخوالي ناهيك عن الكسب المادي من وراء النجاحات التي حققتها مسلسلات البيئة الشامية .‏


هل تستعاد الأيام الخوالي‏

البداية في خطوة الألف ميل الشامية كانت في الأيام الأولى (أيام شامية) والتي لاقت استحسانا كبيرا وحصدت نسبة مشاهدة كبيرة وخاصة من فئة الشباب الذين ارتسمت في أذهانهم صورة دمشق القديمة من خلال ما بقي من حاراتها وبيوتاتها ، أو عن طريق حكايات الآباء والجدات، وقد جذبتهم تلك البيئة بأخلاقياتها وعاداتها وتقاليدها حتى لو من خلال قصة بسيطة ومكررة تجسد الصراع بين الخير والشر، وإن بدت قوة المسلسل في التصوير الاحترافية والطريقة السينمائية ثم الحوار بين الجارات والتسامح بين الضرات ، وربما أعجبت كثيرا من الرجال في مجتمع ( سي السيد ) الذكوري حيث الرجل هو محور الكون وجميع النساء تابعات له .‏

بعد (أيام شامية) ظهر (الخوالي) لينسج على أجواء البيئة نفسها التي تابعها المشاهد في المسلسل الأول ، لكن بأجواء حكائية مختلفة عن تلك فقد استبدل الرجل الأوحد بالبطل المطلق الخارق الذي يقاوم الظلم ويقارع السلطة الحاكمة وتدور أحداثه زمن السلطنة العثمانية وحكامها المستبدين ، وتأتي أهمية (الخوالي) على المستوى التوثيقي والفني إذ قدم وثيقة تاريخية عن رحلة الحج الشامي التي كانت تلعب دورا رئيسيا كونها بوابة عبور الحجاج إلى منطقة البلقان ودول اوروبا نحو الديار المقدسة ، وهو  ما افتقدناه في مسلسلات البيئة الشامية بشكل عام إذا ما استثنينا (حمام القيشاني) الذي رصد الحراك السياسي في فترة الخمسينيات والستينيات ووثق لتلك المرحلة الهامة من تاريخ سورية .‏


حارات من ورق وحكايات مفترضة‏

تكر السبحة .. وتقع المسلسلات الشامية في فخ التكرار والتقليد، وتبقى دمشق الضائعة بتاريخها في أحداث مفتعلة وافتراضية، علماً أن مدينة التاريخ والحضارة لم تغلق أبوابها يوماً ما في وجه أحد ، ولم تكن محصورة أو منغلقة على نفسها يوماً ما.‏

فمسلسل (الدبور) مثلا والذي قيل إنه يتناول فترة حكم الملك فيصل في دمشق والممتدة ما بين 1918 ذ 1920 ، لم يكن على المستوى الثقافي والاجتماعي ولا حتى السياسي لتلك الحقبة  كما أنه حجّم المرأة لتبدو النساء الشاميات مختصات بالنميمة والثرثرة والدسيسة فقط ، فيما كانت المرأة الدمشقية نموذجا للمرأة العربية فقد لعبت دوراً كبيراً في الثورة السورية وشاركت في المظاهرات ضد الفرنسيين وتطوعت للاشتراك مع المجاهدين في حرب فلسطين 1948 وانخرطت في المقاومة الشعبية وشاركت بإنشاء جمعية رعاية الجندي السوري وهناك نساء أصدرن المجلات وأسسن الجمعيات والمنتديات ، وفي الخمسينيات من القرن الماضي ضمنت حقها في المجلس النيابي واحتلت مقعدا في الوزارة ، ولم يكن (باب الحارة) بأحسن حال  في تصويره للمرأة  الدمشقية ، ولا حتى المصداقية في التوثيق ، فالحارة ليس لها أي علاقة بالأحياء الدمشقية سواء بوجهائها أو زعاماتها أو حتى المواقف الرجولية (الزكرتية) التي كانت مجرد عنتريات لا طائلة منها .‏


مفاجآت المسلسلات القادمة‏

وإن كان (باب الحارة) أغلق بعد الجزء الخامس منه،  فقد فتحت أبواب جديدة بأسماء مختلفة مثل المخرج تامر إسحاق الذي صور مسلسل (الأميمي) ، والمخرج ناجي طعمي في (طاحون الشر) والمخرج فادي سليم في (مختار حارتنا)، والمخرج أحمد ابراهيم أحمد في مسلسل ( زمن البرغوت ) الذي يُتوقع أن يقدم الكثير من المفاجآت ، إذ يشارك فيه أكثر من 271 شخصية على مستوى أسماء النجوم المشاركة فيه . فهل سنرى  مسلسلا شاميا توثيقيا ، أم أننا سنشاهد نسخا معدلة عن المسلسلات السابقة بنمس وخفاش ودبور وضبع جديد ؟ نأمل أن نرى دراما شامية تليق باسم سورية .‏