2012/07/04

مسلسلات.. كفقاعات الصابـون
مسلسلات.. كفقاعات الصابـون

رمضان إبراهيم - البعث

وسط الدماء التي تملأ شاشاتنا على مدار الساعة، ظهرت الألوان الوردية العاشقة للحياة في الديكور والوجوه والأماكن الخضراء الجميلة .. ووسط السواد الذي يعم الحياة العربية والشعور العربي، ظهرت البراءة والجمال. ومن بين أطنان الخزي والقبح ،  قبح في الدمار الذي يلحق بيوتاً ومدناً عربية، يأتي الجمال فجاً لا تستوعبه إلا الأرواح الفارغة.

وأمام صوت الإرهاب المزعج والقنابل والمتفجرات وأماكن العزاء المنتشرة أكثر من انتشار محلات الأطعمة وتوزيع المواد التموينية ، يأتي فاصل من موسيقى ناعمة رومانسية ..! ووسط الظلام الذي ينتظرنا هناك، تأتي إلينا المسلسلات من عالم ٍ آخر وثقافة أخرى وبوجوه ٍ بعيدة كل البعد عما نألفه لتعيدنا إلى لهجتنا العامية، ولتبعدنا عن لغتنا العربية الفصحى، لغتنا التي نحن بأمس الحاجة إليها .

واللافت في الأمر، أن مثل هذه الأعمال ( الهابطة) في بلد المنشأ وبشهادات من أهل البيت كما يقال ، تسوّق إلينا على أساس أنها أعمال خارقة، فندع كل مايحاصر وقتنا من أعمال ومهام ونتسمر أمام الشاشة بانتظار الجمال والرومانس.. الشاشة التي تلتهم وقتنا وتشل تفكيرنا وتنوّم ثقافتنا لنتابع هكذا مسلسلات تمتد حلقاتها طويلا  دون أن تقدّم لنا شيئاً. وهنا لا بدّ من الإشارة إلى الخطورة الاجتماعية والنفسيّة والثقافية في تسويق هكذا أعمال والتهافت على شرائها والترويج لها .

إن اللافت في الأمر هو «السعار العربي» في مشاهدة هكذا مسلسلات، والتي تحدّثت بعض وكالات الأنباء المهتمة بالعديد من حالات الانتحار أو الطلاق وانتشار صور أبطال هكذا مسلسلات على الحقائب المدرسيّة، لا بل وعلى لوحات الإعلانات العملاقة التي تشمخ في أماكن متعددة من شوارعنا.. ولا أجد مسوغاً لذلك إلا الترهّل الثقافي والفكري الذي يعاني منه البعض.

ثم  إذا بحثنا عن الشبع الروحي والثقافي والمعرفي في تلك المسلسلات فإننا سنصاب بخيبة الأمل، إذ إنها تتحدّث عن الحياة التي نملها في بيوتنا والتي تتأفف معظم نسائنا منها .. فأحداثها لا تتعدى أعمال ربّات البيوت وبعض القضايا العاطفية والرومانسية والنغمات التي أصبحت تميز الأجهزة الخلوية لدى البعض من نساء ورجال .

إن ما نشهده يومياً على شاشاتنا من قتل ودمار وتشريد ربما كان وراء بعض الإقبال على هكذا أعمال، فالنفس البشرية ( تمل) المشاهد المتكررة القبيحة وتبحث عن تعويض ذلك بأي شيء قد تجد به بعض الجمال وحتى لو كان ذلك الجمال نسبياًً.. الجمال في الوجوه .. الجمال المفقود للعديد من النساء العربيات اللاتي يفتقدن الجمال في الرجل .. فالمرأة تبحث عن جمال الرجولة والوسامة البعيدة بعض الشيء عن رجالنا الذين تجبرهم الأحداث المتلاطمة والمتلاحقة والمنغّصات اليومية والهموم والضغوط الحياتيّة على أن يظهروا متجهمين في بعض أوقاتهم .

إن أشد ما لفتني هو تصريح للأديب ـ العربي التركي ـ غزوان نصري في برنامج ( الحياة واليوم ) والذي نشرته إحدى الصحف المحلية التركية : ( مالكم يا عرب!؟.. تركتم كل حاجةٍ ولم يعد لكم حديث إلا عن المسلسلات الخارجية وحالات الطلاق والانتحار وفتاوى الشيوخ .. إن هكذا مسلسلات لا يعرفها أحد هنا وأبطالها غير معروفين وأنتم من عمل على شهرتهم، وهذه النوعية من الأعمال نسميها مسلسلات الصابون ..) .

أعتقد أن ما يحدث يحتاج إلى وقفة جادة كل الجدية ودراسة عميقة لهذا الانسياق العاطفي  وهذا التهافت غير المبرر.

وإذا كان لابد من التبادل الدرامي في إطار ما شهدته العلاقات من ازدهار(ولا أعلم إن كانت ستستمر الآن) أقول: إذا كان لابد، فليكن لذلك التبادل شروطه التي تحمينا من الوقوع في براثن الأشياء التافهة والرخيصة التي لا تقدّم لنا أي جديد، والتي لا تتعدى الثرثرات التي تحدث في البيوت، التي لا يجد أصحابها بين جدرانها ما يملأ وقتهم ويعوضهم عن الدفء الذي يحتاجون..!.