2013/05/29

مصورو الدراما السورية.. العين الساحرة الغائبة المغيبة..؟
مصورو الدراما السورية.. العين الساحرة الغائبة المغيبة..؟


عمر محمد جمعة – البعث

إذا اعتبرنا أن المصوّر التلفزيوني هو الذي يجسّد رؤية المخرج بصرياً، بل غالباً ما يحدّد المدى المنظور لنجاح الصورة وحركيتها درامياً ويترجم رغبة المخرج في تظهير مشهد وتمييز آخر، فإننا نستشعر أن هذا المصوّر يكاد يكون النافذة الوحيدة التي يطلّ منها المخرج للمقارنة بين الصورة في مستواها الواقعي والآخر المتخيّل القادر على التقاط اللحظة الافتراضية التي سترسم وتحدّد أبرز مكوّنات العمل الدرامي، ألا وهي الصورة.

> نزعم أن الدراما السورية في انعطافتها الحادة التي شهدتها بدءاً من عام 1990 وكان أبرز علاماتها مسلسل "هجرة القلوب إلى القلوب" للمخرج هيثم حقي، ومن ثم "نهاية رجل شجاع" للمخرج نجدت أنزور، وما تلاهما من أعمال متميزة ورؤى إخراجية طموحة، أولت الصورة اهتماماً كبيراً، ولاسيما أن معظم المخرجين الذين تحرّروا من جدران الأستديوهات الضيّقة المغلقة، قد استثمروا إلى أبعد حدّ الفضاء المفتوح بأمكنته وزواياه، وتوسّعت خيارات فتح أو تضييق زوم الكاميرا وتركها أحياناً كثيرة تندفع وحدها نحو جماليات تضفى على المشهد الدرامي حيوية كانت مفقودة فيما مضى من الزمن.

لقد أسهبت كاميرا بعض المصوّرين المبدعين المحترفين ذوي العين الساحرة في اجتراح مشهديات تعدّ المعادل الموضوعي للرؤية العامة للمخرج وربما تنافسها أحياناً كثيرة، وبتنا نرى كثافة في اللون ودقة عالية في التقاط وقراءة ما يريد السيناريو أو الشخصيات قوله، حتى لنتخيّل أن كاميرا بعض المصوّرين قد نفذت إلى عمق بعض الشخصيات ونبشت دواخلها، واستطاعت أن تؤبّد جملة الانفعالات والتعبيرات المؤلمة أو المفرحة التي تتقاذف هذه الشخصية أو تلك.

على أن جهد الكتّاب والمخرجين السوريين لم يكن لينجح نجاحاً تاماً لو لم يقيّض له فريق من المصورين الفنيين ومديري التصوير الذين استطاعوا مواكبة الانطلاقة المتجدّدة للدراما السورية، وكانوا بحق أحد عوامل شهرتها وقبول الآخر لها ومتابعتها بعين متشوقة ومستمتعة.

ولئن فضّلنا عدم الخوض في إشكالية الخلط بين مدير التصوير أو المصوّر، أو ما يسمّى مدير التصوير والإضاءة، لما في ذلك من ظلم لهذا الفن العريق (التصوير) وهي مشكلة تبدو مزمنة، فإننا سنكتفي بالمرور فقط على الأسماء التي تركت بصمتها على الصورة الدرامية السورية، وخاصة في السنوات الأخيرة، وساهمت في تكريس درامانا كأول دراما عربية تكتسح المحطات الفضائية العربية وتلقى نسب قبول ومشاهدة عالية جداً، فيما نسيها الإعلام حتى بدت في هذه المعادلة العين الحاضرة الغائبة، إن لم نقل المغيّبة.

وقد برز من بين هؤلاء المبدعين الذين ساهموا في نهضة الدراما السورية في مضمار الصورة ودلالاتها الفكرية والفنية الفنان الراحل جورج لطفي الخوري صاحب التاريخ السينمائي العريق الذي صوّر وأشرف على تصوير: "الخريف" إخراج باسل الخطيب 1994/ "القلاع" إخراج مأمون البني 1997/ "الجمل" إخراج خلدون المالح 1999/ "الظاهر بيبرس" إخراج محمد عزيزية 2005/ "على طول الأيام" إخراج حاتم علي 2006/ "الانتظار" إخراج الليث حجو 2006/ "عصر الجنون" إخراج مروان بركات 2008/ "كليوباترا" إخراج وائل رمضان 2010/ "أرواح عارية" إخراج الليث حجو 2012.

والفنان نزار واوية الذي ساهم أيضاً مع فنيين آخرين في إنجاز: "أبواب الغيم" 2010/ و"صراع على الرمال" عام 2008/ و"وشاء الهوى" عام 2006/ و"عشتار" 2004/ و"ذكريات الزمن القادم" عام 2003/. والفنان سامر الزيات الذي ساهم بين عامي 1998 و2005  وخاصة في تجربته مع المخرج حاتم علي في تصوير: التغريبة الفلسطينية، الزير سالم، الفصول الأربعة، صقر قريش، ربيع قرطبة، ملوك الطوائف، أحلام كبيرة. والفنان بسام بخاري الذي أنجز: "الانتظار" عام 2006/ و"أبناء القهر" عام 2002/ و"سيرة آل الجلالي" عام 2000. والفنان مازن بركات الذي صوّر: "باب الحارة ج1 و2 و3" ، وصمة عار، ليالي الصالحية وسواها من الأعمال.

كما يمكن أن نتذكّر بكل تقدير تجارب الفنانين: محي الدين المصري، وبسام سلعوس، ومحمد رشيد دواليبي، وشكيب مصطفى وغيرهم ممن قدّموا لنا صورة تؤكد أن الدراما السورية قد قطعت أشواطاً كبيرة في الثبات على نجاحها، والدفع بكل إمكاناتها لتكون الدراما الأولى عربياً.

نجزم أن الثناء والتذكير بجهود الأسماء والتجارب التي ذكرناها لا يكفي، وهي التي كُرّمت محلياً وعربياً أكثر من مرة، غير أننا أردنا القول: إن صناعة أي عمل درامي لا يتنكبها المخرج وحده، ونحن الذين نرى هيمنة مطلقة في ردّ نجاح العمل الدرامي للمخرج دون النظر إلى فريق العمل كاملاً، والذي يعدّ المصوّر الذي يقف خلف الكاميرا عموده الأول، إذ لا يمكن القفز عن دوره في تحويل السيناريو المكتوب إلى لغة بصرية ستخلّد العمل الدرامي وتبقيه في وعي المشاهد ووجدانه أياً كانت ذائقته ودرجة تلقيه.