2012/07/04

معهد الموسيقى في دمشق يشكو قيود المناهج الدراسية
معهد الموسيقى في دمشق يشكو قيود المناهج الدراسية

خمس الحواس – عمر الأسعد

كنت أظن أن الاهتمام بالموسيقى الشرقية أكبر، لكن على ما يبدو أني مخطئ»، يلخص جواد بشنق طالب المعهد

العالي للموسيقى في دمشق قسم الغناء مشكلته في العبارة السابقة ويضيف «بعد خمس سنوات من الدراسة

ضمن منهج غربي سيفقد الطالب فقد بروح الموسيقى العربية ويتطبع بموسيقى الآخرين». (الحواس الخمس) رصد ما

يدور خلف كواليس المعهد والاعتراضات على مسيرته التعليمية من الطلاب وخارج المعهد في السياق التالي

تأسس المعهد العالي للموسيقى بدمشق عام 1990، وهو منذ ذلك الحين المكان الأكاديمي الوحيد الذي يخرج

موسيقيين في سوريا، يضاف إليه كلية التربية الموسيقية في مدينة حمص (180 كلم شمال دمشق) ومدة الدراسة

فيها 4 سنوات، إلا أنها لا توازي المعهد شهرة أو في مستواها بحسب ما يشاع في الأوساط المهتمة بالموسيقى

.

رغم انه الأكاديمية الوحيدة في سوريا التي تخرج الموسيقيين إلا أن مسيرة المعهد، وطبيعة المنهج الذي يدرّس فيه

لقي احتجاجاتٍ كثيرة بالتحديد قسم الموسيقى الشرقية، هذه الاحتجاجات لم تأتِ من الطلاب فقط، إنما شاركهم فيها موسيقيون وأساتذة أيضاً.

بدوره يرى عازف البيانو ونائب عميد المعهد العالي سابقاً غزوان الزركلي أن: «موضوع الموسيقى الشرقية جديد

وقديم، لأنه إلى الآن ما زال الأساس واحداً وهو تعليم العود والقانون منذ 17 عاماً وفق منهج أذربيجاني، وهو لا

يستوعب وجود عُربٍ شرقية، لأن الموسيقى في أذربيجان تعتمد على تمرينات وسلالم أوروبية ومقطوعات أوروبية محولة للعود والقانون».

لا يتفق الموسيقي أثيل حمدان عميد المعهد العالي مع الزركلي، فهو يرى أن: «هناك أشياء يقدمها المعهد للطلاب

منها مكتبة تحوي إلى الآن حوالي 3 آلاف تسجيل، وأرى أنه من واجبنا توسيعها، أما فيما يخص منهج الموسيقى

الشرقية فنحن الآن ندرس برنامج الموسيقي الراحل منير بشير الذي وضعه لآلة العود، والمشكلة أن المكتبة الموسيقية العربية مراجعها قليلة ورغم هذا نسعى للإحاطة بها دائماً، ونحاول تقديمها للطلاب».

يدرس الطلاب في المعهد لمدة 5 سنوات، أما الدراسات العليا فتتم من خلال منح في الخارج، ويضم مجموعة من

الأقسام هي قسم الموسيقى الشرقية وقسم للموسيقى الغربية، وقسم النظريات الموسيقية، وإضافة إلى آلة

الاختصاص على كل طالب أن يدرس آلة أخرى مرافقة، علماً أن المعهد يلزم كل خريجيه بدراسة آلة البيانو أيضاً

ترى سارة دبوس (اختصاص تشيللو) خريجة (2010) أن: «المعهد قدم لي الكثير فهو المكان الأكاديمي الوحيد الذي

يدرّس الموسيقى الكلاسيكية، وفترة دراستي بالمعهد كانت ممتعة، لكظظن المشكلة التي واجهت الطلاب عموماً

كانت بالكادر التدريسي فأغلبهم من الخبراء الروس، الذين أتوا من حوالي 20 عاماً ومازالوا يدرسون، طريقتهم في

التدريس أصبحت من المدارس القديمظظظة التي لم تعد تدرس في الخارج بالإضافة إلى أن كثيراً من الطلاب درّسهم

نفس المدرس تقريباً من الطفولة حتى التخرج، وهذا ما يجعل المعـــهد ينقصـــه التجديد بالفعل من حيث المواد النظرية وحتى طرائق التدريس».

المطالبة بالتجديد وإضافة طــــرق ومناهـــج جديدة، يردّ عليها أثيل حمدان عميد المعهد بقوله: «المشكلة أن بعضهم

يتحدث عن تجديد، لكن ما الذي تغير على بتهوفن أو شوبان مثلاً، هؤلاء قدموا موسيقاهم ونحن علينا دراستها، أما مواكبة ما هو قائم عالمياً فهذا بالتأكيد واجب للجميع ونحن نسعى من أجله».

وفيما يخص الخبراء الموجودين في المعهد يقول: «السنة الدراسية في المعهد تكلف الطالب حوالي 112 ليرة سورية

(ما يعادل 2 دولار ونصف)، رغم هذا نستعين بخبراء ونقيم ورشات عمل بشكل دوري، ونقدم للطلاب الآلات التي

يحتاجونها لا أعتقد أن هناك مكاناً آخر يقدم كل ما نقدمه ضمن هذه التكلفة المادية البسيطة

المنهاج الغربي الذي يدرّس بعضه على العود لا يلقى الاعتراض من جميع الطلاب، فيرى الطالب أبو ذر قماش

(اختصاص عود) أن: «هذا المنهاج يستطيع أن يدعم التكنيك وتقنيات العزف على الآلة، إضافة لفهم القطعة الموسيقية

وتحليلها، خاصة مع غياب وجود منهاج عربي للموسيقى، على عكس باقي الشعوب فعلى سبيل المثال الأتراك لديهم منهاج خاص بموسيقاهم على الآلات الشرقية، أما نحن كعرب نفتقر لمثل هذا المنهاج».

يتكرر ذكر الموسيقى التركية على ألسنة كثيرين في أروقة المعهد، فليس فقط قماش الطالب الوحيد الذي يتحدث

عنها إنما أيضاً جواد بشنق: «أنا أطالب بالاستفادة من الأتراك وموسيقاهم ومناهجهم، فهم قطعوا أشواطاً طويلة في

العمل ضمن مشروعهم الموسيقي، لكن هذا لا يعني تتريك الموسيقى العربية، وأن يتخرج الطالب وهو لا يجيد عزف أي مقام بأسلوب عربي، وللأسف هذا ما يحصل للبعض».

يتقاطع الزركلي مع بشنق في الرغبة من الاستفادة من الخبراء الأتراك، خاصة وأن موقفه قديم من الخبراء الأذربيجان،

هو الذي طالب باستبدالهم أثناء فترة توليه منصب نائب العميد في المعهد العالي للموسيقى، لكنه يرى أيضاً: «إذا لم

يكن الخبراء الذين يستعين بهم المعهد عرب، فمن الأفضل استقدام خبراء أقرب إلى منطقتنا مثل الإيرانيين والأتراك، وأشدد على الأتراك لأنهم بالفعل استطاعوا أن يقدموا الكثير في المجال الموسيقي خلال الفترة الماضية».

دعوة الزركلي هذه للاستعانة بالموسيقيين الأتراك يختتمها بتنبيه: «لكن رغم هذا أنا أحذر من تتريك الموسيقى العربية، وهو ما بدا يظهر عند بعض العازفين الذين لا يجيدون إلى الآن عزف المقام العربي بطريقة صحيحة».

مشكلة طريقة عزف المقام العربي يبدو أنها صارت واضحة بالنسبة للجميع، فمن جهته يرى الموسيقي عصام رافع

رئيس قسم الموسيقى الشرقية، وقائد الفرقة الوطنية للموسيقى الشرقية أنه: «لدينا تهاون بالفعل في عزف المقام

العربي، لكن هذا لا ينطبق على عازفينا فقط، إنما على كثير من العازفين العرب الذين تعلموا الموسيقى الشرقية، وأخذوا أساليب عزف أخرى للمقام غير العربية».

لكن رافع يستدرك: «ضمن أساليب العمل المتبعة حالياً مازال الوضع بألف خير، خاصة وأن المشكلات لا نعانيها وحدنا

إنما الموسيقى العربية بشكل عام، ورغم هذا استطاع العازفون السوريون بالتحديد على آلة العود أن يحصدوا كثيراً من الجوائز ويتميزوا خلال الفترة الماضية».

أما فيما يخص القول عن تدريس مناهج غربية على آلات شرقية يرد رافع رئيس قسم الموسيقى الشرقية: «هذا

المنهج يساعد على ضبط الطلاب أكثر ويهيئهم ليكونوا عازفين ضمن فرق أو أوركسترا، للأسف نحن كعرب بطبعنا

فوضويين، ورفض هذا الانضباط يفسر ميلنا للفوضوية، ما أريد قوله اننا إلى الآن قدمنا أسماء لعازفين على مستوى راقٍ

جداً وكلهم من خريجي المعهد، فهل أتى هذا من فراغ؟ ونحن إلى الآن مازلنا في بداية الطريق ونحتاج لبعض الوقت

فقط حتى نظهر بالصيغة الملائمة التي نريدها وهذا يحتاج إلى عمل، ربما بدأت تظهر نتائجه خلال السنوات الأخيرة، لكننا بحاجة إلى بعض الزمن أيضاً».

خلال السنوات السابقة استطاع عدد من خريجي وطلاب المعهد ومن تخصصات مختلفة أن يحصدوا كثيراً من الجوائز،

كما غدا لبعضهم أسماء مهمة في عالم الموسيقى، وشكل آخرون فرقهم الخاصة، ويرى أثيل حمدان: «عندما ننظر

إلى كثير من أسمـــاء الطلاب الذين تميزوا، وهم في الأصل من طلاب هذا المعهــــد، ألا يعتبـر نجاحهم وتحقيقهـــم لجوائز مهمة، جزءاً من هذا المكان الذي مازال بعضهم إما طالباً أو أستاذاً فيه؟»