2012/07/04

منجزات الربيع العربي.. وجاء دور عادل إمام
منجزات الربيع العربي.. وجاء دور عادل إمام


جوان جان - الوطن السورية


عادل إمام، فنان غني عن التعريف، ويكفي أن نقول إنه شكّل على مدى عقود من الزمن ذاكرة لجيل كامل وربما أكثر من الأعمال الفنية الكوميدية الناقدة التي لم تترك شيئاً من سلبيات المجتمعات العربية إلا وسلّطت الضوء عليها نقداً وتحليلاً ومحاولة في إيجاد المخارج والحلول، ويكفي أن نقول أيضاً إن عادل أمام واحد من بين قلائل جداً من الفنانين العرب ممن تجاوزوا مرحلة المشروع الشخصي ليتحولوا إلى مشروع عام، كما أنه كان الناطق الفني باسم طبقات المهمَّشين والفقراء والمسحوقين من أبناء الشعوب العربية من خلال سلسلة من الأعمال المسرحية والتلفزيونية والسينمائية التي قدمها والتي تناولت شخصية الإنسان البسيط المقهور والمتمرد على الظلم.

لقد كانت أعمال عادل أمام الفنية مثالاً رائعاً للفنان الجريء والقادر على تشريح سلبيات مجتمعه ورصد الأخطاء التي يرزح تحتها، ولم يُعرَف عن عادل أمام يوماً أنه جامل مسؤولاً كبيراً كان أم صغيراً، أو حابى هذه الجهة أو تلك، وكانت جلّ أعماله مكرَّسة للدفاع عن الشعب المصري ومهاجمة كل من يسيء لهذا الشعب ويحاول الانتقاص منه.

لكن يبدو أن كل هذا التاريخ الحافل بالعطاء والإبداع والنضال، وكل ما قدمه عادل أمام للفن العربي وللشعوب العربية، وكل الابتسامات التي رسمها على شفاه ملايين العرب لم تشفع له في أن يصدر عليه حكم بالسجن ثلاثة أشهر لسبب له علاقة بتوجّه بعض الأعمال التي قدمها والتي وجّه فيها سهامه للفكر المتخلّف الذي يريد أن يعيد البلاد والشعوب العربية مئات السنين إلى الوراء، الفكر الذي يحلل القتل وسفك الدماء لمجرد الخلاف البسيط في الرأي أو حتى لمجرد عدم رضا القائمين على هذا الفكر عن سلوك هذا الإنسان أو ذاك، الفكر الذي يغازل هذه الأيام الولايات المتحدة ويقدم لها فروض الطاعة، الفكر الناقم على الجميع والمحارب للجميع، باستثناء إسرائيل، ويا للمفارقة.

والواقع أن هذه الحملة الشرسة على عادل أمام ليست بنت اليوم، فالموضوع مرتبط بالمواقف التي اتخذها بعد اندلاع أعمال العنف في مصر قبل عام والتي أسفرت عن إسقاط حسني مبارك، إذ ظنَّ عادل أمام لبرهة من الزمن أن المبادئ والأفكار والكلمات الجميلة التي يحملها (ثوار الربيع العربي) عن حرية الرأي والتعبير والديمقراطية ستتيح له المجال كي يعبّر عن مواقفه بحرية باعتبار أن «الحرية» كان المصطلح السحري الذي رفعه شعاراً كل من نزل إلى ميدان التحرير وكل من نزل وينزل إلى ميادين عربية مشابهة، ولكن يبدو أن الأمر كان إعلامياً فقط، فما أن تفوّه الرجل بثلاث كلمات معبِّراً عن وجهة نظره حينذاك حتى تم وضع اسمه على قائمة إهدار الدم التي سميّت تأدباً قائمة العار رغم أن أسلوب صياغة القائمة وطريقة وضع الأسماء فيها تشير دون أدنى شكّ إلى أنها قائمة لتصفية كل من يرد اسمه فيها لأنه يحمل فكراً مختلفاً، وهذه القوائم الدموية تُعتَبَر واحدة من أبرز منجزات الربيع العربي، هذه المنجزات التي وصلت ثمارها اليوم إلى عادل أمام صاحب المواقف العروبية والقومية التي جسّدها في أعماله، والتي ليس وحيدها فيلمه الشهير «السفارة في العمارة» الذي يوضح فيه رفض الشعب المصري لوجود سفارة إسرائيلية في القاهرة، ولا نستبعد أن يكون هذا الفيلم أحد أسباب الحملة عليه باعتبار أن انتقاد (إسرائيل) واحد من أهم محرّمات ثورات الربيع العربي.

نثق أن قلائل جداً من الفنانين المصريين والعرب سيتحرّكون تضامناً مع عادل إمام، لا قلّة في الشهامة والمروءة بل خوفاً من أن ينالهم جانب مما نال عادل أمام وأن يصبحوا في مرمى نيران هذا الربيع الذي يبدو أنه يريد أن يحوّل الدنيا كلها إلى فصل واحد، والويل لمن يفكر مجرد تفكير بنسائم الخريف أو ثلج الشتاء أو حتى شمس الصيف الحارقة.