2012/07/04

مهرجان "التوك شو" ومهرجان "الغناء شو"
مهرجان "التوك شو" ومهرجان "الغناء شو"


مارلين سلوم – دار الخليج


كلما خطوت خطوة، تضيء شمعة أو نوراً كي لا تتعثر في دربك . وعلى الدرب تصادف أشياء لم تكن تتوقعها أحياناً، إلى أن تجد ضالتك أو تهتدي إلى سبيل آخر أفضل . لكن بعض الأضواء يبهر ولا يضيء، فيعمي الناظر إليه عن الحقيقة ولا يريه إلا ما يجود به خياله، ولا يجد أمامه أحياناً سوى ظله المعكوس على الحائط وبصورة مكبرة ومضخمة، فيحسب أن هذا الظل هو الحقيقة وأن قدره علا .

أضواء الشهرة والاستديوهات تضخم أحجام البشر فيحسب بعضهم أنه ازداد قدراً ومنصباً وشأناً في المجتمع، ليتعامل مع الناس من هذا المنطلق، ناسياً أن الآخر يراه على حقيقته ويعرف مقدار حجمه . هذا الإبهار الذي تسببه أضواء الاستديوهات والكاميرات، دفع بكثيرين إلى البحث عنه من أجل “البريق” والشهرة، كما دفع ببعض المشاهير إلى الاحتماء به من “عتمة” البيات الطويل بسبب الظروف السياسية التي تمر بها أغلبية الدول العربية . ويبدو أن كساد سوق الكاسيت والألبومات الغنائية، تأثر بشكل كبير بالأحداث خلال العام الماضي، فوجد المنتجون في مجالي الغناء والبرامج مخرجاً للنجوم بتسليط أضواء الاستديوهات عليهم ووضعهم على كرسي “المذيع المغني” كي لا ينساهم الناس .

أصالة تقدم “صولا” على قناة “يا هلا” التابعة لشبكة “أو إس إن”، والذي سيعرضه لاحقاً تلفزيون دبي، ولطيفة تقول “يللا نغني” على “إم بي سي” . ما الفرق بين هذا وذاك؟ عدا الديكور والشكل الذي يقدم به البرنامجان، تبدو الفكرة واحدة ومفصلة على مقاس المغنيتين . أصالة تستقبل ضيوفها في ديكور يوحي أنها في جلسة حميمية مع أصدقائها في صالة منزلها، وتتبادل معهم الذكريات والغناء بلا موسيقى أحياناً أو مع عزف بسيط من داخل الاستديو . ولطيفة أيضاً تستقبل ضيوفها استقبال الأحبة، ويعودون معها إلى الزمن الجميل ويغنون معاً ولكن برفقة فرقة موسيقية .

ألا يذكركم هذا المشهد ببرامج فنية أخرى قدمها ويقدمها مغنون أيضاً؟ أروى، ديانا كرزون، مايا دياب، رولا سعد . . القائمة طويلة، وإن كان هناك اختلاف بين برنامج رولا الذي تحاور فيه الفنانين من دون أن تغني، والبرامج الأخرى، ناهيك عن أن برنامج مايا دياب “هيك منغني” الذي تقدمه على قناة “إم تي في” اللبنانية يبدو الأنجح لأنه يعتمد على مسابقات غنائية بين فريقين من النجوم . أضف إلى تلك النوعية، ظهور المغنين في برامج المسابقات الغنائية كأعضاء لجان تحكيم، وأحدثهم أحلام وراغب علامة .

نحتاج للترفيه على الشاشة، لكن ماذا يقدم هؤلاء الفنانون من جديد؟ وهل دخولهم عالم تقديم البرامج يعتبر إضافة لهم وللفضائيات؟ أعتقد أنه نوع من استغلال الغناء بأشكال “إعلامية” مختلفة يمكن أن نسميها “الغناء شو”، من باب التجارة و”البزنس” بما يعود بالفائدة على الفضائيات والمغنين في آن، لكنه لا يقدم الترفيه الممتع دائماً . ولست أدري لماذا يخاف النجوم أن يعلو الغبار أسماءهم إذا غابوا عن الشاشة عاماً، أو لم يقدموا ألبوماً غنائياً كل عام، فهل نسينا فيروز يوماً؟ وهل قامت أم كلثوم من تحت التراب لتعيد إحياء ذكراها في المجتمعات العربية، ومثلها فعل عبد الحليم حافظ كي يبقيا الأوائل في سوق مبيعات الكاسيت إلى اليوم؟

* * *

وقفة صغيرة مع النجمة التي لا نعرف ما السر فيها كي تتمكن دائماً وأبداً من التقاط الأضواء وجذبها إليها، لتستحق ما يقال عنها “سفيرتنا إلى النجوم”، السيدة فيروز . تلك التي أطلت على جمهورها رغم كل المحن ولم تخف من الأحداث ومن الكساد الذي يتحدث عنه المغنون والمنتجون، فتحدت كل شيء، وتحدت كبر السن أيضاً لتصدر ألبوماً جديداً وتقيم حفلاً ناجحاً في بيروت .

إنها فيروز التي تغرد دائماً في سربها الخاص ليحاول الآخرون اللحاق بها .


* * *

لا يمكن أن نتحدث عن الأضواء وهجمة النجوم والإعلاميين وغيرهم للاحتماء بها واستغلالها خلال العام الماضي ،2011 من دون أن نذكر ال 23 برنامج “توك شو” التي “نبتت” وتكاثرت بشكل غريب بعد ثورة 25 يناير في مصر . الرقم خيالي؟ إنه حقيقة قالها الأديب يوسف القعيد على إحدى القنوات المصرية، ونصدقها لأن ما يحصل يشبه “مهرجان التوك شو” على القنوات المصرية الخاصة والرسمية .

هل مصر فعلاً تحتاج إلى هذا الكم من الكلام على الهواء؟ وهل الكلام الاستعراضي - وهي الترجمة الحرفية ل “توك شو” - يلملم أشلاء الوطن ويعيد الوحدة بين كل الفرقاء؟ لو كان الأمر كذلك لنجحت القنوات اللبنانية وبرامجها في ذلك لأنها السباقة إلى هذه النوعية من الكلام على الهواء و”الصراع الديمقراطي” بين كل الأطراف الذي شاهدناه طويلاً ولم يؤت أكله أبداً .

مؤكد أننا بحاجة إلى برامج توك شو، وإلى حوارات صريحة ومباشرة وكشف حقائق ومواجهة المسؤولين بها وفسح المجال أمام الناس العاديين ليقولوا كلمتهم على الشاشة . لكن للأسف البعض يستغل حاجة البلد والناس إلى قول الحقيقة وحرية الرأي كي يفرد عضلاته ويصنع من نفسه نجماً ويغالي في رفع الصوت . والأنكى من يستغل الأوضاع السياسية كي يصب الزيت على النار ويبحث عن “إثارة إعلامية” ويصنع من الشائعة حدثاً ويروج لها، وبدل أن يخمد حريق النعرات الطائفية والمعارك الدائرة بين الشعب والسلطة أو بين فئة تفترش الشوارع وبين القوات المسلحة، يزيدها اشتعالاً بكلامه المنحاز وبتحليلات غير دقيقة ولا صادقة .

إذا كان هناك فعلاً مأجورون من الداخل والخارج يلعبون بمصائر الشعوب العربية التي تشهد ثورات، فمن المؤكد أن لبعض القنوات والبرامج العربية دوراً أيضاً في إشعال الشارع، وبعض المذيعين المشغولين بصورتهم وشهرتهم التي سيكسبونها في ظل هذه الأزمات لا يختلفون عن المأجورين و”البلطجية” و”الطرف الثالث” .

نتمنى أن تحمل 2012 أضواء الحقيقة لتنير بها دروب الجميع ونخرج من الأنفاق والظلمات، ولتضيء عيون وعقول من أبهرتهم الأضواء والكاميرات ليروا حقيقة أحجامهم وحجم الكرسي الذي يجلسون عليه، وأن يعود للإعلام المرئي دوره في إنارة العقول وتسليط الأضواء على الحقائق وإبرازها لا على الأشخاص وتلميعهم وتكبير حجمهم .