2013/05/29

«مهرجان برلين السينمائي».. عسف الآخرين وعنف الداخل
«مهرجان برلين السينمائي».. عسف الآخرين وعنف الداخل


زياد الخزاعي – السفير


يتمتّع ابن مدينة شانغهاي، المخرج السينمائي الصيني وونغ كار ـ واي، بهوس جماهيري في مهرجان «كانّ»، الذي ترأّس دورته المُقامة في العام 2006، هو الذي بات أول آسيوي يحصل فيه على جائزة أفضل مخرج عن «سعداء معا» (1997). هذه المرّة، ضَمَن تكريمين في «مهرجان برلين السينمائي»: أولاً، يفتتح جديده «المعلّم» الدورة الثالثة والستين (7 ـ 16 شباط 2013) مساء اليوم، ليلوّن الشاشة العملاقة لقصر السينما في حي «بودسدام» الحداثي بدم رفسات رموز رياضة الـ«كونغ فو»، مستكملاً الحكاية الأثيرة بين المغوار «أب مان» ومنافسيه، التي شعّت في عمله السمفوني «رماد الزمن» (1994). تُشكّل الحسناء «غونغ أر» (زانغ زيي) صنواً أنثوياً للمقاتل الأنيق، حيث يلتقيان في بيت دعارة يجتمع بين جدرانه معلّمون آخرون، متخفّين عن جنود الاحتلال الياباني في العام 1936. يسرد كار ـ واي حكايات عن الخديعة والمنافسة والعزّة، وبينها يكون الحب رونق حياتيّ البطلين وتجدّدهما. ثانياً، يترأّس كار ـ واي لجنة تحكيم الـ«برلينالة»، التي تضمّ زميليه الأميركي تيم روبنز، والألماني أندرياس دريسين، والدنماركية سوزان بيير، والإيرانية نسرين نشاط، والإغريقية أثينا راشيل تزانغاري، ومديرة التصوير الأميركية ألين كوراس. على هذه النخبة أن تضمن فائزاً بـ«دبّ ذهبي» صغير، الرمز الأكثر تعبيراً عن وحدة مدينة ديناميكية مثل برلين، عانت تقسيماً إجبارياً، قبل أن تجد في السينما ملاذاً لترميم ذاكرتها، والصورة تكريساً لجماعية نادرة لأهلها.

في المسابقة الرسمية، هناك 19 فيلماً طويلاً، منها القسم الأخير من ثلاثية المخرج النمساوي الحاذق أُلدريش سيدال «جنة: أمل»، حول الوَله الغريب الذي يعصف بعواطف صبية بدينة (13 عاماً) في منتجع رياضي تجاه مديره الأربعيني، ومحاولات إغوائه في غياب والدتها التي تقوم برحلة استجمام في كينيا (جنة: حبّ)، وعمّتها المهووسة بدعوتها الإيمانية اليسوعية، قبل أن تفاجأ بعودة زوجها المصري الإسلاموي المقعد (جنة: إيمان). الكوريّ هونغ سانغ ـ سو يُقدّم، في «هايوون ابنة الغريب» حكايات حبّ موؤود، من خلال شابة جامعية تلعن حظّها العاثر، و«تنفي» نفسها إلى دير بوذي جبلي يُشرف على العاصمة الآثمة. عن محنة سيدة غجرية بوسنية تكتشف موت جنين في بطنها، وإمكانية قضائها بتسمّم الدم، صوَّر البوسني دانيش تانوفيتش، في «مقطع من حياة جامع خُرْدة»، صراع عائلة، من دون ضمانات اجتماعية وصحية، تعيش على هامش مجتمع يسعى جاهداً إلى طيّ صفحة حرب غادرة. بعد «الإنسانية» (1999) و«خارج الشيطان» (2011) واهتماماته البليغة والقاسية حول عصريّة الأوروبي، استلف الفرنسي برونو دومون تاريخ حياة النحّاتة كاميل كلوديل (1864 ـ 1943)، التي عانت عسف آخرين اتّهموها بالخبل. ينتهي مسار «كاميل كلوديل 1915» (جولييت بينوش) في مصحّ عقلي في جنوب البلاد، متّهمة عشيقها السابق أوغست رودان بالحسد والغيرة من موهبتها، وإقناع أهلها والسلطات المحلية بلوثتها. ينعى دومون واحدة من أثمن مبدعات أوروبا، ارتهن حبل حياتها وجذوة إبداعها بخيانات.

لا ريب في أن «الستارة»، الفيلم الأخير للإيراني المحكوم بالإقامة الجبرية جعفر بناهي، الذي تمكّن من إنجازه بمساعدة زميله كامبوزيا بارتوفي، سيكون نجم الـ«برلينالة». جدولة عروضه الخمسة ستكون بمثابة ضربة حظّ لمديرها النافذ ديتير كوسليك وفريقه، وإشارة إلى حصافة سياسية لإبقاء ذكراه ساطعة. سبق لكوسليك أن ضمّ بناهي إلى لجنة تحكيم دولية، ووضع كرسياً فارغاً، إشارة إلى غيابه القسري، بينما شارك سينمائيون عالميون قبل عامين بوقفة تضامن أمام قصر السينما، حملوا فيها صُوَره، تنديداً باتّهامه واعتقاله ومحاكمته، مكرِّسين أكثر القيم الأخلاقيّة للمهرجان مدعاة للفخر الجماعي. لن يغفل كثيرون أن الخطوة ستكون فرصة جديدة لشحذ سكاكين التنديد بظلم نظام الملالي، كحال كل دورة. يُقابل «الستارة» بين محنتيّ رجل يهرب من مطاردة الشرطة بسبب كلبه، باعتبار أنه «نجاسة»، ليتحصّن في غرفة في مدينة عند ساحل بحر قزوين. بينما تنكفئ شابة في شقة مقابلة، هرباً من الاعتقال إثر مشاركتها في اجتماع حزبي محظور. ترى: هل ينجوان؟

بالإضافة إلى هذا، هناك «أرض موعودة» للأميركي غاس فان سانت، عن شاب (مات دايمون) يعمل لمصلحة شركة غاز تسعى إلى شراء حقوق أراضي أهالي قرية، قبل أن يكتشف حيلها الخبيثة وجشعها. بينما يرصد مواطنه ستيفن سوديربيرغ، في «آثار جانبية»، غموض جريمة قتل تُتَّهم بها شابة (روني مارا)، والضحية زوجها. لن تُحلّ عقدة المصيبة إلاّ بتدخّل طبيب نفسي شاب يكتشف نوازع غريبة بسبب عقار تُدمن عليه. من كازاخستان، تأتي مفاجأة الشاب أمير بايغازين «دروس متناغمة»، عن العنف وتراتباته، الذي يقود البطل اليافع أصلان إلى الانتقام ممن أهانوه خلال فحص طبي جرى في قريته النائية. من السينما الرومانية الناهضة، يأتي «مشكلة طفل» لكالين بيتر نيتزر، عن سعي سيدة من طبقة راقية إلى إنقاذ ابن أرعن قتل طفلاً دهساً، عبر تدبير شهود زور للدفاع عنه. تُعرّي حكاية الأم كورنيلا (لوميتيا غورغيو) والمناورات الفاسدة لملّة اجتماعية نافذة في المجتمع الروماني المعاصر ونفاقها، ضميراً ساقطاً وقيماً متهافتة لإرادات مشوّهة.